عندما يقيم احدنا اي مستخدم الكومبيوتر العربي في بلاد الغرب "المتطورة" يعتقد انه يتمتع بفرص كبيرة للاطلاع بسرعة على آخر ما تنتجه صناعة برامج الكومبيوتر. لذلك عندما ينوي هذا المستخدم زيارة بلاده يتسلح بنظرة استعلاء ويبدأ بتكوين شخصية المجرب الذي اختبر كل شيء في مجال الكومبيوتر ويضيف الى هذه الشخصية لمسة من التواضع لكي لا يبدو سمجاً عندما يعرض معلوماته على جماهير بلده التي ستتقاطر عليه للاستماع الى ما يرويه من تجاربه وما يعرفه عن آخر ابتكارات التكنولوجيا. هذا ما حصل معي عندما ذهبت اخيراً في اجازة الى بيروت واخذت معي نسخة من "فوتوشوب 5" الذي طرحته "ادوبي" منذ شهر او شهر ونصف على ابعد تقدير هدية الى صديق هناك يهتم بهذا النوع من البرامج. وحصلت دهشة كبيرة الا انها اتت مني حين قال لي صديقي انه يملك هذا الاصدار منذ مدة واتقن كل الجديد فيه. غير انني نلت جائزة ترضية عندما ابدى صديقي دهشته امام شكل البرنامج واعترف انها المرة الاولى التي يرى فيها برنامجاً اصلياً داخل علبة من الورق المقوى عليها رسوم جميلة وتحتوي الى قرص البرنامج ادلة استخدام وقسيمة اشتراك! واتت دهشة صديقي من انه على رغم امتلاكه لأحدث البرامج، لم ير مرة واحدة برنامجاً اصلياً. فمنذ اقتنى جهاز كومبيوتر كان يذهب الى "حوانيت" البرامج ويستنسخ الذي يريده على اقراص مرنة قديماً وعلى اقراص ليزر الآن. ويشكل استنساخ البرامج القاعدة في لبنان، اما اقتناء النسخات الاصلية فهو الاستثناء. وتنتشر حوانيت البرامج هذه في كل حي مثل محلات تأجير اشرطة الفيديو وتتخصص في لون او لونين من تطبيقات الكومبيوتر. على انه يوجد في بيروت بعض محلات البرامج الكبيرة التي تقدم كل انواع التطبيقات ويقصدها الناس اذا لم يجدوا مطلبهم لدى حانوت الحي. ودفعني الفضول الى زيارة هذه الاماكن فسألت اولاد صديقي عن اقربها. واذ به من المحلات الكبيرة المعروفة ولكنه متخصص في العاب الكومبيوتر لذلك يعرفه جيداً اولاد صديقي التي لا تهمني البتة. على انه يقدم آخر ما توافر من اصدارات الالعاب المعروفة وغير المعروفة. فانتقلت الى حي آخر ودخلت حانوت الحي الصغير الذي لا تتعدى مساحته ثمانية امتار مربعة. وتبين ان هذا المكان متخصص بتأليفات الوسائط التوضيحية المتعددة خصوصاً الفرنسية منها. وسألته لماذا حصر عرضه في هذا النوع من التطبيقات فأجاب ان هذا ما يطلبه اهل الحي. اما كيف يأتي بالتطبيقات وهل يقتني نسخة اصلية وينسخها لبيعها اجاب انه لا يكلف نفسه هذا العناء او بالاحرى هذه الكلفة. لأن النسخات غير الشرعية تأتي اصلاً من بلدان جنوب شرق آسيةابأسعار زهيدة جداً مقارنة بأسعار النسخات الاصلية. وكنت سمعت في مناسبات عدة ان البرامج المستنسخة تأتي من هذه المناطق الا انني لم اكن اتصور ان نشاطها يشمل كل ما يصدر في شكل الكتروني. فالتطبيقات الفرنسية اصلاً لا تتوجه الى جمهور عريض خارج فرنسا، وعلى رغم ذلك وجدت عند صاحبي كل ما يمكن العثور عليه في فرنسا من موسوعات مثل موسوعة هاشيت الى مناهج الرياضيات للصفوف الابتدائية مروراً بالنسخة الفرنسية من موسوعة انكارتا التي تنشرها "مايكروسوفت". وبما انني كنت ابحث عن البرامج التطبيقية، تركت هذا الحانوت وذهبت الى اكبر محلات البرامج في بيروت واكثرها شهرة. وبالفعل يحتل هذا المكان طبقة كاملة في بناء كبير ويشعر الداخل اليه انه في دائرة حكومية مثل دائرة الاحوال الشخصية او بالاحرى ارشيفها. فالموظفون موزعون على مكاتب يتجه اليها المواطن... عفواً الزبون ويعرض حاجته. ويتألف المحل من غرف عدة تغطي جدرانها كلها رفوف من اقراص الليزر لا تحصى. وتتخصص كل غرفة في مجال معين مثل غرفة للبرامج التطبيقية واخرى للوسائط المتعددة وثالثة للالعاب ورابعة لاقراص الموسيقى. واول ما لفت انتباهي على الرفوف عدد من اقراص نظام "ويندوز 98" الذي طرحته مايكروسوفت قبل اقل من اسبوع وعلى كل قرص وضع ملصق برقمه التسلسلي. فسألت عن سعره فقال البائع سبعة دولارات للقرص وحده او 13 دولاراً للنسخة التي يرافقها قرص "مايكروسوفت بلاس" وهو مجموعة من البرامج المساعدة للنظام والتي وضعتها "مايكروسوفت" على قرص آخر ربما لجني ارباح اضافية. وطلبت النسخة العربية من "مايكروسوفت اوفيس 97"، فقال البائع ان علي الانتظار نحو الساعة لأن نسخاته نفذت. وامام رفضي الانتظار طلب مهلة عشر دقائق ليستنسخه لدى جاره الذي يملك جهاز نسخ اسرع من جهازه. وعن سعر الرزمة قال سبعة دولارات، الا انه بعد الانتظار طالب بعشرة دولارات لأنه وضع على القرص اضافة الى هذه الرزمة نحو 20 برنامجاً بما في ذلك النسخة الانكليزية من الرزمة نفسها ونظام "ويندوز لمجموعات العمل" الاصدار 11،3 بنسختيه العربية والانكليزية. وبالمناسبة رأيت نسخة من "فوتوشوب 5" بعشرة دولارات على احد الرفوف. وخلال انتظار النسخ حصلت دردشة بيني وبين البائع، فأكد لي هو الآخر ان النسخات الاولى من البرامج تأتيه من جنوب شرق آسيا. الا انني لاحظت عدد من علب ويندوز 98 الاصلية على احد الرفوف وسألته عنها فقال انه يحتفظ بها ليبدأ بيعها عندما تسجل "مايكروسوفت" حقوق ملكيتها على النظام في لبنان ؟ وسألته اخيراً عن التطبيقات العربية المحمية بجهاز امان دونغل مثل الناشر الصحفي وبيج ميكر فقال انه لا يبيع منها لأنه لم يتم فك اجهزة حمايتها مع انني سمعت في وقت سابق ومن مصادر اخرى عكس هذا الخبر. وخرجت اخيراً من عنده وانا اتأمل في ظاهرة القرصنة هذه واتساءل اذا كان يجدر شجبها. فمن الواضح ان اكثر البرامج المستنسخة تأتي من أكبر شركات الكومبيوتر التي تسجل ارباحاً كبيرة في شكل متواصل، ولا يبدو ان هذا النوع من القرصنة يؤثر فيها كثيراً. فضلاً عن ذلك، وعلى ضوء الوضع الاقتصادي المتردي الذي يعاني منه معظم الناس في لبنان يبدو ان نسخ البرامج هو الوسيلة الوحيدة للحصول عليها خاصة اذا عرفنا ان سعر "فوتوشوب 5" الرسمي الذي يتعدى 600 دولار يعادل سعر جهاز كومبيوتر لا بأس به تم تجميعه محلياً! ويعادل هذا السعر أيضاً متوسط دخل الفرد في لبنان.