مسرح بيروت يمرّ في أزمة وقد يُقفل أبوابه. انقضت ست سنوات على اعادة افتتاحه في 1992 قدم خلالها أعمالاً مسرحية وسينمائية وتشكيلية كانت فاتت لبنان مشاهدتها ومعرفتها بسبب سنوات الحرب. بل ان عروض المسرح التونسي، حين عرض بعضها لفاضل الجعايبي وتوفيق الجبالي أظهرت للبنانيين كم باتوا بعيدين أو متأخرين عما يحصل في العالم خارجهم. مسرح بيروت، منذ سنة اعادة افتتاحه الأولى، بدا كأنه فتح على اللبنانيين باب الخارج الذي كان مقفلاً. كان مرآة عكست ما كانوا فيه من تأخر لكنه، من ناحية ثانية، عمل على أن يباشروا ما كان عليهم أن يبدأوا به، وان متعبين مضعضعين قليلي الحيلة. استمر عهده الثاني هذا ست سنوات. في عهده الأول استمر عاملاً لما يقرب من عشرين سنة آنذاك، في تلك السنوات، كان لبنان مزهواً بما عنده وكان التجريب المسرحي العربي يحدث هنا. قدّم مسرح بيروت، في تلك السنوات، أعمال روجيه عساف وجلال خوري وبرج فازليان وشكيب خوري في طفرة مسرحية بدا ان لبنان لم يشهد أخلافاً لروادها هؤلاء طالما ان الحديث عن المسرح اللبناني، إذ يدور، فإنما يدور حول تلك الحقبة في غالبيته. انشئ المسرح في حي عين المريسة الكوسموبوليتي الذي شهد منذ عشرينات القرن وجوهاً ثقافية لبنانية وعربية وأوروبية عاشت فيه وكتبت ورسمت، فعند رصيف المسرح يمكن أن تتخيل ظلال الرسام الفرنسي المتلبنن جورج سير والرسامين الكثر من الروس البيض، وكذلك بدوي الجبل ويوسف الخال وتوفيق صايغ، فضلاً عن فنانين معروفين ومجهولين في ذلك الحي البحري الساحر من بيروت. كان على سنوات ما بعد الحرب أن تفتح الأبواب على الخارج، هناك حيث انتقل التجريب مغيّراً مركزه. وعلى مدى السنوات الست الأخيرة ظل مسرح بيروت محافظاً على رواده المشاهَدين، من خارجهم، كأنهم فئة الفن القليلة، تلك التي لم تزدد عدداً مع السنوات. هناك، في صالة المسرح أو في قاعته، كان يمكن مشاهدة الوجوه ذاتها عند كل افتتاح، هكذا بما يبدو كما لو انه امتناع مجتمع لبنان الناهض عن الذهاب الى ذلك المذهب الفني والثقافي. لم تتسع تلك الفئة اتساعاً كان منتظراً لها، بل يبدو أن الاتساع والانفتاح المنتظرين من عودة السلام تفتحا في مجالات أخرى. لم ينقل مسرح بيروت عدواه الى سواه، إذ لم تقم، انطلاقاً من تجربته الناجحة، مسارح أو مراكز ثقافية سالكة الطريق الذي سلكه. العدوى وحمّاها لم تحدثا هنا بل في مجالات أخرى بينها "تناسل" المقاهي بعضها مع بعض، وتفتّق أصحابها عن أفكار ما كانت لتخطر لسابقيهم. هنا مقهى لمحبي قراءة الأخبار وتتبعها، وهناك مقهى اسمه "سبورتس كافي" حضر حفل افتتاحه ألف شخص، بحسب ما نقلت الصحف، ازدحموا في مقرّه. وهناك مقهيان لمحبي موسيقى الروك، ومقاه ومطاعم لمحبي أرنستو تشي غيفارا بنسخته الأخيرة. مقهى "الغراند كافيه" لم يخذله الساهرون فجعلوا منه معلماً هناك في أول كورنيش الروشة، ظلوا على وفائهم له فتبعوه الى برمانا في الجبال، بعدما اضطرته الظروف الى أن يقفل هنا. عدوى التسابق حاصلة في مجالات كهذه أما من ناحية ما كان يقدمه مسرح بيروت فلم تكبر بيروت ولم تتسع. المشتركون الأفراد الذين كانوا يقدمون ما يشبه الدعم للمسرح تناقص عددهم مع اضطراد السنوات الست بدل أن يزيد. أما المؤسسات الراعية فباتت، في سنوات عودة لبنان الى مجده السياحي الذي من مظاهره مهرجانات بعلبك وسواها من المدن، تدير وجوهها الى هناك، الى حيث السياحة.