عودت المنتخبات البرازيلية مشجعيها على حسم المباريات باهداف رائعة ومراوغات يخفق لها القلب تكون الفارق بينها وبين الخصوم من ايام ليونيداس في الثلاثينات ثم اديمير في بداية الخمسينات وبعدها مع بيليه من 58 الى 70 ثم مع ريفيلينو وزيكو في السبعينات والثمانينات واخيراً مع روماريو ورونالدو في التسعينات... وفي عالم تتبدل فيه الاوضاع السياسية والاقتصادية والجغرافية بسرعة لم تخالف كرة القدم البرازيلية الواقع واستقلت ركب التغييرت اذ باتت تعتمد على حارس مرماها لتخطي الخصوم كما حصل مساء اول من امس في نصف نهائي المونديال الفرنسي ضد هولندا. وفي مباراة وعدت بالكثير بين فريقين يعتمدان الاسلوب الهجومي، فشلت هولنداوالبرازيل في حسم المباراة في الوقتين الاصلي والاضافي وانتقلت المباراة الى ركلات الترجيح فباتت المبادرة في يدي حارسي المرمى الهولندي ادوين فان در سار والبرازيل كلاوديو تافاريل. وخرج الاخير من المواجهة متفوقاً بعدما اجاد قراءة تسديدات الهولنديين وارتمى اربع مرات الى الجهة الصحيحة وصد تسديدتين وقاد فريقه الى النهائي. وتألق تافاريل 32 عاماً في ركلات الترجيح لا يقتصر على "بطولاته" اول من امس اذ اهل المنتخب الاولمبي البرازيلي الى نهائي مسابقة كرة القدم العام 88 في سيول بعدما صد ثلاث ركلات ترجيح لالمانيا كما اهدى اللقب العالمي للبرازيل قبل اربع سنوات عندما صد تسديدة دانيللي ماسارو في النهائي! ورغم ذلك كان نجم اولمبياد 88 الهداف البرازيلي روماريو لتسجيله سبعة اهداف ثاني الهدافين بعد السوفياتي دوبروفولسكي وفي العام 94 نال روماريو القسط الاكبر من المديح لانه سجل خمسة اهداف رغم انه لم يقدم اي شيء في النهائي. وحراس المرمى في البرازيل "لا يعيرهم" احد اي اهتمام ويعتبر وجودهم في التشكيلة لتكملة العدد فقط لا غير. وتتركز الاضواء على لاعبي الوسط والهجوم لانهم يسجلون الاهداف! ويقول تافاريل: "عندما يلعب الحارس البرازيلي جيداً تخصص له الصحافة سطرين او ثلاثة لكنه عندما يقدم مباراة سيئة تتهمه بالضعف وتنهال عليه بالانتقادات وتطالب بابعاده... انهم لا يحبون الحراس واذا تلقت شباك الحارس هدفاً واحداً رغم تسجيل الفريق ستة اهداف يعتبرونه سيئاً!". ويبحث تافاريل منذ تألقه في الاولمبياد العام 88 عن طريقة يفرض فيها على الجميع احترامه، ورغم انه خاض مباراته ال17 في نهائيات المونديال وهو رقم قياسي برازيلي و110 مباريات دولية الافضل بين اللاعبين الحاليين الا ان ذلك لا يضمن له مركزاً في قلوب مشجعي منتخب "اوريفردي" الذهبي والاخضر. وتافاريل ذاق الحلو والمرّ مع المنتخب البرازيل اذ كان ضمن فريق المدرب لاتزاروني العام 90 عندما خرج من المونديال في الدور الثاني امام الارجنتين وشارك بفوز البرازيل العام 94 بقيادة كارلوس البرتو باريرا. طريق الشهرة كان تافاريل يأمل في الانخراط في كرة السلة او الكرة الطائرة، قبل ان يختار كرة القدم. وهو احتار في اي مركز يلعب في الهجوم او الحراسة "لانني اجيد التعامل مع الكرة بالقدمين تماماً لكنني شعرت لاحقاً ان حراسة المرمى هي رسالتي". وتلقى تافاريل قفازين هدية لعيد ميلاده السادس عشر وكان لا يزال طالباً عندما تقدم الى امتحان في نادي غريميو بورتو اليغري فتخطاه بنجاح. وبعد عام كان في الفريق الاول للنادي الى جانب لاعب خط الوسط الكبير فالكاو قبل ان ينضم اليهما دونغا قائد المنتخب الحالي. وبعد سنتين في الفريق الاول تم استدعاءه الى المنتخب البرازيلي العام 87 وهو لا يزال الحارس الاول منذ تلك الفترة. لكن الطريق لم يكن مفروشاً بالورود. في العام 93 انتقل الى الدوري الايطالي للعب مع فريق بارما وفشل في ضمان مركز اساسي لكنه كان في قمة عطائه خلال مونديال 94 رغم قلة المباريات التي خاضها قبل النهائيات. وعاد الى الدوري الايطالي مع فريق ريجيانا لكنه وجد نفسه لمدة ستة اشهر عاطلا عن العمل وهو... بطل للعالم. وللحفاظ على لياقته لعب مع فريق من الهواة في ريجيانا في مركز قلب الهجوم وتمكن من تسجيل 15 هدفاً في ثماني مباريات! ويؤكد تافاريل ان هذه المرحلة لم تكن سلبية بل اقنعته بضرورة العودة الى القمة ودعمت اصراره وعزيمته على تحقيق الهدف. وهكذا عاد الى البرازيل ولعب مع فريق بيللو هوريزنتي. وفي هذه الاثناء جرب مدرب المنتخب زاغالو حراساً عدة لكنه استدعى تافاريل مع اقتراب موعد النهائيات في فرنسا ففرض الاخير على كل من كارلوس جرمانو الحارس الثاني وديدا الحارس الثالث الجلوس على مقاعد الاحتياط. واول من امس اكتملت عودة تافاريل الذي لا يفكر في خوض المونديال المقبل، ولم يعد يكترث لعدم وضعه في خانة الابطال ويكتفي بالقيام بمهمته على اكمل وجه مدركاً ان اي هدف يدخل مرماه سيثير ضده عاصفة من الانتقادات. وسيعود تافاريل الى اوروبا بعد المونديال اذ وقع عقداً مع فريق غلطة سراي التركي وهو يأمل في التفرغ لعائلته بعد اعتزاله ثم انشاء مدرسة لتدريب البراعم في البرازيل. لكنه الان مدعو الى التركيز على مباراة البرازيل يوم الاحد المقبل في نهائي المونديال وربما يطلب منه التدخل مرة جديدة لانقاذ الفريق بذراعيه في حال فشل رفاقه "النجوم" في حسم المباراة باقدامهم على امتداد 120 دقيقة.