كان اول ما اعلنه الشيخ احمد ياسين فور عودته الى وطنه الاسبوع الماضي هو رفضه اعلان الدولة الفلسطينية التي وعد باعلانها رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات. وبدا بذلك موقف زعيم "حركة المقاومة الاسلامية" حماس متناقضاً مع طبيعة حركته ودعواتها المستمرة الى تحرير الارض من البحر الى النهر ناهيك عن اعلان دولة فلسطينية، فلماذا تعارض "حماس" هذا المشروع الوطني الذي سيلهب حماسة الشارع الفلسطيني فيما لو حصل، كما وعد الرئيس الفلسطيني، بمقتضى اتفاق اوسلو الذي حدد ايار مايو 1999 موعداً لانتهاء فترة انتقالية تفضي الى دولة فلسطينية الامر الذي يرفضه الاسرائيليون ويعارضه الاميركيون ويتنافى مع حقيقة ان استحقاقات عدة لم تنفذ خلال الفترة الانتقالية المفترضة. حصلت "الحياة" على تحليل سياسي متداول في اوساط الحركة حول محاذير ومخاطر اعلان الدولة الفلسطينية وتمت مناقشته مع الشيخ احمد ياسين قبيل مغادرته الخرطوم عائداً الى غزة الاسبوع قبل الماضي. وانفقت قيادات الحركة كما قال مصدر مطلع فيها، على افكاره الاساسية وعلى نقل رأي الحركة لقيادة السلطة الوطنية وعدم الضغط عليها من خلال جماهير الحركة من اجل اعلان الدولة. وافتتح الشيخ ياسين حملته هذه بتصريح اعلن فيه معارضته اعلان الدولة "ما دام الاحتلال قائماً". واضاف ان "الدولة تحتاج الى تواصل للشعب مع بعضه البعض والى ارض خالية من المستوطنات". وتابع قائلاً في مؤتمر صحافي عقده في غزة لدى عودته: "لقد اعلنا الدولة الفلسطينية عام 1988 في الجزائر واعترفت بها 100 دولة فما هي النتيجة الآن؟". ينصب قلق "حماس" على ان الرئيس الفلسطيني يشعر بضغط الرأي العام الفلسطيني عليه نتيجة الاحباطات المتكررة خلال العامين الاخيرين، وبالتالي يكون اعلان الدولة من طرف واحد بمثابة انتصار معنوي له ستروج له اجهزة اعلام السلطة ويتبعها في ذلك الاعلام العربي و"سيبدو قراراً وطنياً صحيحاً في نظر الشعب الفلسطيني وسيعيد لعرفات صفة الوطني الثائر الذي لا يتنازل عن حلم الدول الفلسطينية". غير ان الورقة تشير الى ان اسرائيل ترحب حقيقة باعلان الدولة من قبل عرفات بالرغم من معارضتها الظاهرة لذلك فهي تهدف الى "ان تتخلص من قطاع غزة حيث لا مانع عندها ان يعلن عرفات دولة في القطاع ليخلصها من اشد البؤر الفلسطينية ايذاءً لاسرائيل، خصوصاً وان حركة حماس بقيادة الشيخ احمد ياسين فاعلة وذات تأثير كبير فيها"، حسب رأي الورقة، "بينما تحكم قبضتها على الضفة الغربية وتنفذ مشروعها بتوسيع المستوطنات وتحويل الضفة الى كانتونات فلسطينية تستوعب الكثافة السكانية الفلسطينية في المدن" وبالتالي "يصبح المجال مفتوحاً امام تهويد القدس". ويظل هناك تشاؤم اكبر في رؤية "حماس" للمستقبل ذلك ان دراستها تتوقع ان يؤدي التوتر الذي سيعقب اعلان الدولة واحتجاج اسرائيل على ذلك واعلانها موت عملية السلام واحتمال ان تعلن عن ضم الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية - وليس غزة - كما هدد بذلك وزير العدل الاسرائيلي تساهي هانغبي في حال سعى الفلسطينيون الى رفع مستوى تمثيلهم الديبلوماسي في الاممالمتحدة. ويقول المصدر المحسوب على "حماس" انه "اذا كان هذا موقفهم في مسألة التمثيل الديبلوماسي فكيف في حال اعلان الدولة، خصوصاً وان الولاياتالمتحدة حذرت هي الاخرى السلطة الوطنية من الاقدام على ذلك". وتتوقع دراسة "حماس" ان تتصاعد وقتذاك المقاومة في الضفة الغربية ضد اسرائيل، خصوصاً في الخليل ويذهب بها التشاؤم الى احتمال حصول تعاون بين بعض اجهزة السلطة الفلسطينية والقوات الاسرائيلية فيتعرض الاسلاميون هناك الى تصفيات واسعة واعتقالات. وفي غزة "ستبقى الاحوال هادئة لعدم وجود مجال للاحتكاك الشديد مع اسرائيل، خصوصاً اذا انسحب الاسرائيليون من المستعمرات الموجودة في القطاع". وفي حال حصول تدهور امني حاد في الضفة وتجاوزات خطيرة في حق سكانها الفلسطينيين ستتدخل الولاياتالمتحدة وتطلب من الاردن ممارسة "صلاحية الاشراف على التجمعات السكانية الكبيرة في مدن الضفة". وتتوقع الدراسة ان يحظى التدخل الاردني بارتياح شعبي وقبول عربي وان يكون هذا التدخل بمثابة انقاذ للفلسطينيين في الضفة، خصوصاً بعدما يعلن عن "موت اتفاق اوسلو الذي كان معلقاً عليه امل استرجاع الحقوق الفلسطينية". تنتهي الدراسة الى ان المحصلة النهائية سترضي مختلف الاطراف ما عدا الشعب الفلسطيني الذي سينتهي حلمه باقامة الدولة على الاراضي المحتلة عام 1967 ويقسم ليصبح جزء منه في قطاع غزة والجزء الآخر تابع للحكومة الاردنية و"تنتهي مبررات المطالبة بمدينة القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية بانتهاء وجود اي تواصل جغرافي او سياسي بين الضفة والقطاع واليأس من قيام دولة فلسطينية، وهذا الامر يلبي ويحقق هدفاً عظيماً لاسرائيل التي تتخلص في النهاية من الكثافة السكانية الفلسطينية وتوكل بها السلطة الوطنية في غزة والحكومة الاردنية وهو ما يسهل عملية الهجرة الطوعية الترانسفير الطوعي من المدن الفلسطينية التي تعاني من الفقر والحصار والاجراءات الامنية الصارمة لتنتقل الى الاردن والى البلاد العربية الاخرى، خصوصاً الى العراق في مراحل قادمة وبالتالي تتحقق لاسرائيل احلامها ولعرفات والسلطة الوطنية الدولة وللاردن دور في رعاية المسجد الاقصى يستقبل المهاجرين الجدد حيث ستقدم لهم المساعدات المالية التي تستوعبهم وتتيح لهم فرص العمل ويتحقق بالتالي رخاء اقتصادي في الاردن". وتقول مصادر "حماس" ان استراتيجيتها القادمة حيال هذا السيناريو المتشائم هو اصلاح العلاقة مع السلطة الوطنية وتحاشي اي اسباب تؤدي الى تأزيم الوضع والسعي من اجل وحدة وطنية حقيقية وتفعيل المكتسبات التي حصلت عليها الحركة خلال جولة زعيمها الشيخ احمد ياسين خصوصاً تعميق الاقنية التي فتحت مع عدد من الدول العربية والاسلامية لاقناعها برؤية "حماس" في الصراع العربي - الاسرائيلي.