قال مصدر وزاري ل"الحياة" ان العلاقة بين رئيس الحكومة رفيق الحريري ووزير شؤون المهجرين وليد جنبلاط انتهت الى خصومة سياسية لا عودة عنها في المرحلة المقبلة، بعد الكلام الذي قاله رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي عن الاول وردّ المكتب الاعلامي للحريري على خطابه. واعتبر ان عنف السجال السياسي بين الجانبين والحدة فيه هما أقرب الى الحرب السياسية منهما الى تبادل الانتقاد، اذ اتخذت منحىً سياسياً جدياً يفوق تلك الهبات الموسمية لخلافاتهما. ومع أهمية الحجج التي يسوقها كل من الرجلين، والمقرّبون من كل منهما، حيال الخلاف، في شأن قضية المهجرين، والتعاطي مع المؤسسات والسياسة الاقتصادية، الى ما غيرها، فان الاوساط المراقبة ترى ان كلاً من الفريقين قال كلاماً يدينه. فاعتراض جنبلاط على الاهدار في المشاريع والفساد، جاء في مرحلة كان فيها الحليف الرئيسي وفي أحيان الوحيد للحريري، اما اعتراض الحريري على الاهدار في المال السياسي الذي صُرف على المهجرين على انه سبب تأخير صرف المبالغ المتبقية، فجاء في مرحلة متأخرة اذ كيف قبل به ودافع عنه سابقاً وبرره بالقول انه أقل المجالات التي حصل فيها اهدار. لكن جوهر المشكلة بينهما، بحسب المصدر الوزاري يكمن في ما تضمنه بيان المكتب الاعلامي للحريري الذي أشار الى ان ما بقي من جنبلاط هو "الزعيم الذي يستطيع ممارسة دوره من ضمن المؤسسات الدستورية، وبما يتناسب مع حجمه في الوطن الصغير"، في معرض الاشارة الى تصغير حجم جنبلاط السياسي في سياق الخلاف الدائر معه. والعارفون يقولون ان الحريري بدأ يتصرف مع جنبلاط على هذا الاساس منذ ان بدأت بوادر الخلاف تظهر، ثم تخفت وتعلو بينهما، وان الحريري الذي كان يتعاطى ايام التحالف، والاتفاق مع جنبلاط ويوم كانا يتبادلان الدعم والدفاع الواحد عن الآخر، على انه زعيم "غير شكل" والزعيم الدرزي الأوحد. ويذكر هؤلاء ان السياسة الجديدة للحريري حيال جنبلاط بدأ بانتهاجها اثناء الاستشارات النيابية لتأليف الحكومة، حين سلّمه الزعيم الدرزي مذكرة عن مطالبه ورأيه في سياسة الحكومة، فذكّره الحريري في تصريح علني بان الذي يعارض الحكومة يبقى خارج الحكم. ومذذاك لم يعد رئيس الحكومة يعامله على انه زعيم سياسي يفوق تأثيره وثقله منصب الوزير. بل ان أوساط رئيس الحكومة تشرح ما عناه في بيان المكتب الاعلامي فتعتبر في قراءتها الخريطة السياسية ان جنبلاط لم يعد الزعيم الدرزي المطلق اليد بوجود طلال ارسلان في الحكومة وان القوى المسيحية في الجبل كسبت موطىء قدم مدعوماً من افرقاء عدة ولا سيما الاجهزة، في مقابل المتحالفين مع جنبلاط من المسيحيين وان نفوذ الاخير في اقليم الخروب السني أخذ يضمر بامتداد الحريري نحو قراه. وفي المقابل فان اوساط جنبلاط، بما فيها التي كانت تنصح رئيس الحزب الاشتراكي بالتروي في خصومته مع الحريري، فترى ان سياسة الاخير حيال وزير المهجرين تخطىء التعاطي معه اثناء الخلاف وانها تركت الصراع يتمادى من دون علاج سياسي حقيقي له مع تجاهل الاسباب الفعلية، واقتصرت العلاقة على حلحلة عقد ظرفية، في ظل شعور جنبلاطي متواصل بان الحريري يعمل على الارض لتحقيق توجه قرر سلوكه منذ مدة بتحجيم جنبلاط، ويرى المقرّبون، على عكس قراءة أوساط الحريري عن حجم الزعامة الجنبلاطية، ان ما يحصل بين الرجلين دفع بجنبلاط الى الافادة منه لاستباق أي تعاط معه كمجرد وزير، في العهد الجديد الذي ستنشأ عنه تركيبة جديدة، يعرف كل منهما ان للمسيحيين دوراً جديداً فيها وتمثّل منعطفاً في الوضع الداخلي. فالهجوم الجنبلاطي يسمح له بتكتيل الدروز من حوله أكثر ويتيح له التفتيش عن قوى يتعاون معها. واذ كثرت التساؤلات، في اليومين الماضيين، عن اسباب هذه الحدة في السجال الدائر بين الحريري وجنبلاط فان التفسير الوحيد الذي استطاع المراقبون اعطاءه لها هو انها متعلقة بمعركة الاحجام في تركيبة العهد المقبل المفتوحة على احتمالات شتى.