أضحى لايرلندا الشمالية اقليم اليستر برلمانها الوطني من 108 اعضاء بينهم 32 نائباً يعارضون اتفاقية السلام خاضوا الانتخابات الاسبوع الماضي لتقويض هذه الاتفاقية. في المقابل، هناك تمثيل من 18 نائباً لدعاة "الكفاح المسلح" من حزب "شين فين" الكاثوليكي والذراع السياسي ل "الجيش الجمهوري الايرلندي" المحظور. يوم الاربعاء الماضي كلّف زعيم الاغلبية البروتستانتية في البرلمان الجديد ديفيد كريمبل بتشكيل السلطة التنفيذية المكونة من عشرة وزراء، منهياً بذلك ادارة الحكومة البريطانية المباشرة للاقليم منذ 1972. في هذا التقرير يلقي مصطفى كركوتي الضوء على التوقعات المحتملة: تعيين ديفيد تريمبل وزيراً اولا رئيساً للوزراء هو الخطوة الدستورية الاولى نحو انتقال اليستر من مرحلة الاقتتال الاهلي الطائفي الى مرحلة التعايش السلمي بين البروتستانت 54 في المئة والكاثوليك 46 في الاقليم، تحت اشراف سلطة وطنية من الحكم الذاتي، ثم تحديد طبيعتها ودورها وصلاحياتها في اتفاقية السلام الايرلندية. وعلى رغم تراجع جماهيرية حزب اليستر الاتحادي البروتستانتي بزعامة تريمبل وحصوله على 28 مقعداً في البرلمان الجديد مقابل 32 مقعداً للاحزاب البروتستانتية الاخرى المعارضة للسلام، ضمن استاذ القانون السابق في جامعة بلفاست، تريمبل، لنفسه الحق الدستوري كوزير اول لفوز حزبه بمقاعد الاغلبية البرلمانية المؤبدة لاتفاقية السلام. وتضم هذه الاغلبية ايضاً حزب الديموقراطيين الاجتماعيين والعمال بزعامة جون هيوم الكاثوليكي 24 مقعداً وحزب "شين فين" بزعامة جيري آدامز 18 مقعداً وحزب التحالف ستة مقاعد الذي ينتمي اعضاؤه الى الطائفتين الرئيستين في ايرلندا الشمالية. اول المسائل التي يجب على تريمبل والسلطة الوطنية الايرلندية الجديدة مواجهتها هي موضوع المسيرات البروتستانتية في مناطق الكاثوليك، التي تنظم سنوياً في الاسبوع الاول من شهر تموز يوليو بعد صلاة يوم الاحد في الكنيسة للابتهاج بانتصار البروتستانت على الكاثوليك في "حروب الابادة" قبل اكثر من 200 عام. واخطر هذه المسيرات هي "مسيرة درامكري" لهذا اليوم في منطقة بورتاداون، وهي الدائرة الانتخابية لتريمبل حيث تقطنها اقلية كاثوليكية والتي يصرّ المتطرفون البروتستانت على تنظيم مسيرات الابتهاج بانتصارهم الدموي في احيائها كل عام. وما يزيد الطين بلة احراق عشر كنائس كاثوليكية يُشتبه أن عناصر من البروتستانت هم الذين اقدموا عليه، بما يلبّد الصورة والاحتمالات. في كل الاحوال كان قرار سلطة الحكم الذاتي في اقليم اليستر بشأن المسيرات، من المتوقع ان تتعرض الثقة بين تريمبل وجون هيوم لاختبارها الاول مع بداية التجربة الجديدة. ولكن في الوقت نفسه لا يستطيع احد ان يتجاهل عمق التغيرات التي احدثتها اتفاقية السلام في تفكير وتكوين السياسيين في ايرلندا الشمالية على مختلف اتجاهاتهم. وينطبق هذا الكلام على "شيخ" المتطرفين البروتستانت زعيم حزب "اليستر الديموقراطي" 20 مقعداً القس ايان بيزلي، الذي لا يزال يبشر في عظاته الاسبوعة بأن اتفاقية السلام والانتخابات والادارة الذاتية "هفوة من صنع اشرار لا يؤمنون بالرب وروح القدس". التغيير الجوهري الذي يرفض بيزلي ان يراه هو وصول الكاثوليك 42 نائباً لجون هيوم وجيري آدامز الى برلمان ستورمونت في بلفاست المعروف تاريخياً بأنه "برلمان بروتستانتي للبروتستانتيين" فقط. بل انه لا يريد ان يقرّ بأن خمسة كاثوليك على الاقل سيحتلون مناصب وزارية في ادارة الحكم الذاتي للاقليم التي ستكون مسؤولة على الاشراف على ست دوائر على الاقل هي: المالية والادارة، والتنمية الاقتصادية، والزراعة، والصحة، والتعليم، والبيئة. البرلمان الجديد سيقرر قبل نهاية تشرين الاول اكتوبر المقبل طبيعة دور ومهمات السلطة التنفيذية عابرة للحدود والتي تجمع بين ممثلين عن حكومتي بريطانيا وجمهورية ايرلندا واقليم اليستر. ويتحدث البعض الآن عن عقبات قد تعترض سبيل التجربة الجديدة والمتعلقة بموضوع نزع سلاح ميليشيات الطائفتين. وخاصة بعد اعلان جيفري دونالدسون الشخص الثاني في حزب تريمبل انه سينسحب من الحزب اذا منح حزب "شين فين" مقاعد في ادارة الحكم الذاتي قبل بدء نزع سلاح منظمة الجيش الجمهوري الايرلندي. ولكن ليس من المتوقع ان تسمح قيادة هذه المنظمة و"شين فين" للتوتر في هذا الشأن ان يصل الى نقطة اللاعودة، لا سيما وان اتفاقية السلام تحدد مواعيد متفقاً بشأنها للبدء بهذه العملية. ويضاف الى ذلك الدعم الكبير الذي تحظى به اتفاقية السلام والبرلمان الجديد في ايرلندا الشمالية من قبل رجال الاعمال وهيئات الاستثمار الخاصة الكبرى والنقابات والجمعيات غير الحكومية في الاقليم. واذا اضيف احتضان الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة السياسي والاقتصادي لتجربة السلام في اقليم اليستر فانه من المشكوك فيه ان تؤثر بشائر ايان بيزلي الروحانية في ما يجري على ارض الواقع. عملية السلام في ايرلندا بدأت بالدوران كي تستمر وتصل الى نهاياتها المنطقية.