"الحقيقة ان بلادنا غير محظوظة. ليس لأنه لم يعترف بنا أحد، فذلك أمر لا يقلقنا ما دام مسألة وقت. وانما لأننا الآن نعتمد على تصدير سلعة واحدة هي الماشية، والتي تشكل الجزء الأكبر من دخلنا، ويضاعف سوء حظنا اعتمادنا على سوق واحدة رئيسية لتصدير هذه الماشية". هكذا يرى الأمر وزير المال في "جمهورية أرض الصومال" السيد أحمد محمد محمود سيلانيو، تعليقاً على الوضع الذي تعيشه بلاده، في ظل حظر على الماشية في القرن الافريقي بعد اكتشاف اصابتها بأحد الأمراض. كانت "أرض الصومال" تصدر الى الخليج ما قيمته 120 مليون دولار سنوياً. علماً ان صادرات الصومال الكبير، قبل أن ينهار كدولة في عهد الرئيس السابق سياد بري لم تتجاوز 94 مليون دولار، منها 70 مليوناً ماشية، و24 مليوناً موزا، السلعة الاستراتيجية الثانية. ويؤكد "سيلانو" ان قرار الحظر على الماشية، انعكس سلباً على الأوضاع الاقتصادية في "الجمهورية"، مما دفع حكومتها الى اجراءات تقشفية، منها تأجيل مشروع الموازنة الجديدة، والتخلي عن خطط للاصلاح الاداري وخفض الرواتب ووقف كل أعمال إعادة تأهيل البنية التحتية... الخ. ولاحظت "الحياة" ان الأزمة تضغط في كل مناطق البلاد التي زارتها، بدءاً من العاصمة هرغيسا حيث يعيش نحو نصف مليون نسمة من أصل عدد السكان الذي يزيد على ثلاثة ملايين، مروراً بمدينة بربرة المطلة على المحيط الهندي والتي كانت قاعدة عسكرية في عهد سياد بري، ومدينة الشيخ العريقة تاريخياً، وصولاً الى مدينة برعو التي شهدت المؤتمر الأول في 1991 واعلان استقلال "الجمهورية" بعد حرب أهلية قبلية طاحنة، ثم شرقاً الى مدينة بورما، وأخيراً عريجابو وضواحيها التي تشكل نحو 37 في المئة من مساحة "الجمهورية". الجميع في هذه المناطق، مواطنين ومسؤولين، يخشون استمرار الحظر على الصادرات من الماشية، وما قد يؤدي اليه بالنسبة الى الأمن والاستقرار والسلام الذين يميزان "الجمهورية" عن بقية المناطق الصومالية خاصة الجنوب الغارقة في مسلسل المواجهات الدموية بين جنرالات الحرب.ويشكو المسؤولون من انعدام المساعدات الدولية. ويقولون ان للمجموعة الأوروبية التي تملك تمثيلاً في "الجمهورية"، فتحت مكتباً في العاصمة ومقراً في بربرة منذ أكثر من خمس سنوات لم تنجز حتى الآن أي مشروع تنموي. ويؤكد هؤلاء: "لم نر شيئاً غير ملفات ضخمة تقدم لنا من حين الى آخر. وهي عبارة عن دراسات الجدوى لمشاريع محتملة"، مشيرين الى ان منظمات عدة تابعة للأمم المتحدة تتعامل مع "الجمهورية" على نحو مماثل. ونظراً الى انعدام الامكانات المالية، تقل البدائل من الثروة الحيوانية. ويشير المسؤولون الى ان المسوحات الجيولوجية أثبتت وجود النفط في مواقع عدة، اضافة الى ثروات معدنية أخرى كالذهب والكروم والبلاتين والنيكل، لكن احتمالات استثمارها تبقى شبه معدومة. في مقابل ذلك، تستفيد من الأمطار مساحة قليلة، ولا يتعدى الانتاج الزراعي حاجات الأسرة في هذه المناطق. مع توقف مشاريع التنمية، تفشت البطالة بصورة كبيرة. وتبذل الحكومة الآن جهدها لمواصلة التزام دفع الرواتب الشهرية، خصوصاً لافراد الجيش والشرطة وحرس السجون، والذين يصل عددهم الى نحو 25 ألفا اضطرت الحكومة الى تجنيدهم في اطار خطتها حل الميليشيات العشائرية والقبلية ونزع اسلحتها. وأي خلل يصيب هذا الجهاز يمكن أن يرجع الأوضاع الى الفوضى وانعدام الأمن. في مدينة بربرة كانت الأزمة أكثر وضوحاً، اذ خلا المرفأ من أي سفينة تحمل صادراً أو وارداً. وأثرت الأزمة عموماً في الحركة التجارية، وتشهد أسواق كل المدن ركوداً واضحاً، خصوصاً في القطاع الخاص الذي يسيطر على معظم النشاطات التجارية بعد انتهاج "الجمهورية" سياسة الخصخصة واقتصاديات السوق الحر. لكن هذا الركود والهموم الاقتصادية لم يمنع حكومة "الجمهورية" من السعي الى ارساء قواعد دولتها. فهي أصدرت عملة محلية الشلن الصومالي واعتمدت جواز سفر جديداً، وأصدرت طوابع بريدية منذ عام، الى جانب شعار جديد للدولة وعلم والنشيد الوطني. لكن ذلك لا يزال ينتظر الاعتراف الدولي. ويقول المسؤولون في هذه الجمهورية ان "أرض الصومال" انجزت كل مظاهر الدولة، واحتمال العودة الى الصومال الكبير مستبعد، لذلك يعتبرون ان الاعتراف بدولتهم مسألة وقت فحسب، لكن الأزمة الاقتصادية جعلت "الجمهورية" تتنفس برئة واحدة، وأظهرت ان ما أنجز قد يذهب سدى في غمضة عين.