مع اقتراب الموعد الدستوري لانتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية في تشرين الاول اكتوبر يحلو لوسائل الاعلام، والصحافة المكتوبة على وجه التحديد، ان تُفرد صفحات لتناول هذا الحدث بالتحليل والتعليق، لا سيما وان للرئاسة الاولى في لبنان ذكريات ليس من اليسير التغافل عنها في البلد العربي الوحيد الذي لا يأتي رئيسه ببلاغ الرقم واحد ولا يذهب بالطريقة عينها، بل هو يعرف مدة ولايته كما يعرف مدة حكمه الفعلي من تلك الولاية. لكن ما يجعل المناسبة مجرد حكاية قديمة ان الرئيس الحالي للجمهورية أنهى ولايته الممدّدة وقد يكون من حظّه ولاية ممدّدة جديدة من غير ان يعلّق الدستور ومن غير ان يستولي احد على مبنى الاذاعة ولا يضطر حتى لاقفال جريدة. هذه هي الديموقراطية اللبنانية التي ظلّت صامدة تحت سنابك العساكر غير النظامية التي عبثت بلبنان طوال سنوات المحنة باسم الثورة على الديموقراطية المنقوصة التي كانت فاقدة فعلاً بعدها الاجتماعي. وبالمناسبة سأل مناضل شيوعي لينين عن الديموقراطية في ظل قرارات مجالس السوفياتات المناقضة لمصالح الفلاحين، وكيف يتم اتخاذ تلك القرارات من دون التصويت عليها؟ فأجاب لينين: لقد صوت الفلاحون بجزماتهم، أي بانضمامهم لمسيرة الثورة البلشفية. ونحن في لبنان سبق لنا ان اقترعنا لهذه الديموقراطية الجديدة في لبنان حيث التصويت في اتجاه واحد، بانضمامنا زرافاتٍ ووحداناً الى مسيرة القوى التي كانت تضيق ذرعاً بالنظام البرلماني، فلماذا الحرج؟ لكن ما يبرر للبعض من أهل الصحافة ان يستعيد ذكرى الانتخابات الرئاسية ويروي للبنانيين أمجادها هو المثل الدارج: النصيب فيها لمن حصل عليها لا لمن تهيّأ لها. فهذا نائب نام رئيساً واستيقظ غير مرغوب فيه. ومثلها حصلت سوابق في عهد الانتداب والاستقلال. فمن قال ان الزعيم البارز يخذل مرتين، وينجح شقيقه في انتخابات ربما كانت الوحيدة التي لم تقررها كلمة السر. كان ذلك في عهد السفارات الاجنبية التي ظلت الى زمن بعيد تؤلب وجوه الندوة البرلمانية من حول هذا او ذاك من الاقطاب المرشحين بأحاديث الصالونات. فصرنا اليوم في عصر الفضائيات. فما أسهل ان يتبلّغ نواب الأمة ليبلغوا أهل المدينة. وعند صياح الديك يرتفع الى الكرسي من له فضائل ثلاث: مدرب ومجرّب ومعرب. أو على حد مواصفات الرئيس رفيق الحريري: مقبول مسيحياً ومؤيد اسلامياً ومرضي عنه سورياً. ورضى سورية كفيل بالشرطين الآخرين قبولاً وتأييداً. ومن ينكر ذلك فليسأل نواب الامة فرداً فرداً كيف يقترعون برفع الايدي على مرأى من العدسات الضوئية اللاقطة. هذه الرئاسة كيف يمكن ان ننظر لها اليوم، وهل من أمل في ان تتحوّل مناسبة لوقف حال الانحدار المتمادي في مقومات البلاد السياسية والاقتصادية؟ البعض من أصحاب النوايا الطيبة يدعون الى ان يكون للمرشحين، أو بالاحرى للطامحين، برامجهم. عندها تصبح المبررات الانتخابية مكشوفة. ويستطيع الرأي العام على الاقل ان يفاضل بين المزايا الاضافية المرجّحة عند اصحاب القرار. لكن، على ما يبدو، يستبعد اصحاب البرامج والافكار انفسهم سلفاً من اللعبة المشروطة بانتظار قرار الآخرين وخياراتهم. فلبنان الذي ليس فيه سجناء رأي، على ما يقول مسؤول كبير، صار سجناً من دون آراء، لان احداً لا يستطيع ان يغيّر شيئاً في "نظامه" السياسي. فهذا نبيّ مثل إيليا، وذاك منقذ للاقتصاد، وآخر بطل من ابطال التحرير، فضلاً عن فرسان العروبة وجميعهم، والحق يقال، يزيلون الرمال والصخور والاتربة من طريق الاخوة العربية المنزّهة عن المصالح الشخصية. وفي ذلك قال مسؤول سابق بعيد النظر: التمديد مشكلة، والتجديد لنفس النهج مشكلة، والوجه الجديد الذي يعطي أملاً زائفاً مشكلة اكبر... و"العميد" ريمون اده يدعو علناً للتمديد مرة ثانية لان التغيير ليس في متناول الارادة اللبنانية، وهو يتطلع الى مصير الدولة على خارطة المنطقة، فيما هموم اللبنانيين تزداد تواضعاً باتجاه تفاصيل الحياة اليومية التي لا تطاق. وحتى لا نعتاد على المزيد من التسليم للأمر الواقع لا بأس ان نكتب عن مواصفات الرئيس وعن أهمية الرئاسة. * كاتب سياسي لبناني.