حبل الكذب الذي يفترض أن يكون قصيراً طال مع بنيامين نتانياهو سنتين، وهو يواجه هذا الأسبوع ساعة الحقيقة، فإما أن تنهار حكومته، أو يكشف عن وجهه الحقيقي كعدو للسلام، لأنه لم تبق أقنعة يتستر وراءها. وفي حين انني كتبت هذه السطور قبل التصويت على الثقة أمس، فإن النتيجة لا تعني شيئاً، فقد بلغ نتانياهو من الكذب ما يكفي ليختنق به. لماذا هذا الأسبوع؟ السبب الأساسي أن الكنيست سيبدأ اجازته الصيفية اليوم، وحتى 19 تشرين الأول اكتوبر القادم. وكان يفترض ان ينجو نتانياهو بالتالي من ضغط عليه للموافقة على المرحلة الثانية من الانسحاب أو رفضها، لأن القانون كان ينص على عدم طرح الثقة بالحكومة خلال اجازة الكنيست. ولكن لجنة عمل الكنيست فاجأت رئيس الوزراء يوم الأربعاء الماضي بإقرار اقتراح من النائب المعارض حاييم رامون يتيح للكنيست أن يصوّت بالثقة، أو حجبها على وجه الدقة، خلال اجازته. وعودة سريعة إلى الماضي، فعندما فاز نتانياهو برئاسة الوزارة سنة 1996، بموجب قانون انتخابات جديد، أصبح أول رئيس وزراء في تاريخ إسرائيل لا يتمتع حزبه بغالبية في الكنيست. وكان القانون عدل لمنع تسلط الأحزاب الصغيرة على الحكومة، وجاءت نتيجة الانتخابات لتعزز سلطة هذه الأحزاب، وشكل نتانياهو حكومة ائتلافية تتمتع بتأييد 66 عضواً في الكنيست من أصل 120 عضواً، مع أن حزب العمل يزيد حجماً وحده على ليكود ضعفين تقريباً. وكان القانون القديم ينص على أن تسقط الحكومة إذا حجبت الثقة عنها غالبية بسيطة ممن حضر في الكنيست، فجاء القانون الجديد يفرض غالبية مطلقة، أي 61 صوتاً لإسقاط الحكومة، ولكن مع شرط اضافي هو انه إذا حجب الثقة 80 عضواً في الكنيست يسقط رئيس الوزراء وتبقى الحكومة، فلا تجرى انتخابات عامة جديدة. وعندما انسحب وزير الخارجية ديفيد ليفي وأخذ معه نواب حزبه غيشر الأربعة الاخرين هبطت غالبية الحكومة إلى 61 نائباً. اليوم يجد نتانياهو نفسه واقعاً بين نارين، فبعض اعضاء الائتلاف يهدد بالانسحاب أو الاستقالة إذا مضى في تنفيذ المرحلة الثانية من الانسحاب، وبعضهم يهدد بالانسحاب إذا لم يفعل. ويعني هذا منطقياً ان الحكومة ستسقط مهما كان القرار، إلا أن المنطق شيء والسياسة الإسرائيلية شيء آخر. نتانياهو تلقى ما يمكن تسميته "شبكة امان" من رئيس الوزراء السابق شمعون بيريز، خلاصتها أنه إذا أقرت الحكومة الانسحاب الثاني، وانسحب بعض اعضائها احتجاجاً، فإن نواباً من حزب العمل المعارض، يقال إنهم عشرة، سيصوتون إلى جانب الحكومة لمنع سقوطها. ولكن إذا تجاوزنا موقف المعارضة، فإن الموقف داخل الحكومة يظل معقداً. وزير البنية التحتية اريل شارون أعلن أنه سيستقيل إذا وافقت الحكومة على انسحاب تزيد نسبته على تسعة في المئة، بحجة أمن إسرائيل، مع أن المؤسسة العسكرية نفسها أعلنت أن الزعم أن أمن إسرائيل يتوقف على واحد في المئة أو اثنين سخف مطبق. ويزايد رفائيل ايتان، وزير الزراعة زعيم حزب تسومت، على شارون نفسه، فهو هدد بالاستقالة إذا زاد الانسحاب على سبعة في المئة. أما عضو الائتلاف الآخر، الحزب الوطني الديني، فهو يرفض أي انسحاب. في المقابل، وزير الدفاع اسحق موردخاي، وهو من ليكود، يصر على الانسحاب، كما أن وزير الصناعة والتجارة ناتان شارانسكي، رئيس حزب المهاجرين، يريد عقد صفقة مع الفلسطينيين، أما افيغدور كاهالاني، زعيم حزب الطريق الثالث، فهدد بسحب تأييد اعضاء حزبه الأربعة إذا لم توافق الحكومة على المرحلة الثانية من الانسحاب قبل عطلة الكنيست. في مثل هذا الوضع يبدو واضحاً أن نتانياهو لا يستطيع ان يرضي جميع اعضاء الائتلاف، وبما أن غالبيته مقعد واحد فقط، فإنه لن يستطيع الكذب بعد هذا الأسبوع، فإما ان يوافق على تنفيذ المرحلة الثانية، ويحمي حزب العمل المعارض الحكومة، أو يكشر عن أنيابه، ويرفض الاتفاق فيزيل آخر قناع عن سياسته المعادية للسلام. وكان آخر ما سمعنا من حججه قوله لمعارضي الاتفاق في الائتلاف إنهم إذا لم يوافقوا، فإن الحكومة ستذهب، وسيعود العمل إلى الحكم فيقبل انسحاباً أسوأ كثيراً مما يعتزم هو انجازه. في المقابل، يتصرف قادة الفلسطينيين، وكأنهم بانتظار انفجار وضع الحكومة الإسرائيلية، وقد رفض أبو عمار حتى الآن وساطات حكومية إسرائيلية وأميركية للاجتماع مع نتانياهو، ربما ادراكاً منه ان اجتماعهما قد لا يفيد شيئاً سوى إطالة عمر الحكومة الإسرائيلية. بل ان الفلسطينيين جمدوا في الأيام الأخيرة التعاون الأمني، والاتصالات الوحيدة التي حصلت كانت عن طريق المراقبين الأميركيين بين الطرفين. والأرجح ان نتانياهو كذب وكذب ليصل إلى 29 من هذا الشهر أي اليوم، فيذهب الكنيست في اجازته السنوية وينجو هو من الضغط حتى تشرين الأول. غير ان تغيير نظام الكنيست فاجأه، وأصبح بالامكان سقوط حكومته غداً أو الأسبوع القادم، أو بعده، إما لأنه وافق على الانسحاب، أو لأنه لم يوافق. وهو سيحاول الكذب من جديد على نفسه وحلفائه والمعارضة والفلسطينيين والعرب والأميركيين والعالم كله. إلا أنه لم يبق شيء يكذب به أو أحد يكذب عليه.