في 18 نيسان ابريل 1996، بعد أيام قليلة على مجزرة قانا التي ارتكبتها القوات الاسرائيلية في جنوبلبنان، اكد رئيس الوزراء التركي مسعود يلماز ان الاتفاق العسكري مع اسرائيل الموقع في الخامس من الشهر نفسه "مسألة تخص تركيا وحدها". بعد يومين على لقاء ولايتي زار يلماز لواء الاسكندرون هتاي بحسب التسمية التركية، في تأكيد لنية أنقرة زيادة الضغط على دمشق التي شنت حملة واسعة على الاتفاق، وفي محاولة لحرف الانظار عن المواجهة العربية - الاسرائيلية عبر التشديد على ان دمشق لم تتخل عن حلم استعادة اللواء الذي اقتطعته فرنسا في 1939. في 23 تموز يوليو الجاري، في اليوم التالي لطرح قانون في الكنيست يمنع الحكومة الاسرائيلية من الانسحاب من الجولان، زار يلماز الذي عاد ثانية الى رئاسة الحكومة التركية، مرة اخرى الاسكندرون ليعلن ان "من يضع عينه على الأراضي التركية مصيره العمى"، في ما يمكن اعتباره تهديداً واضحاً لدمشق. قبل ذلك، اتهمت الحكومة التركية التي تحتل أراضي واسعة في شمال العراق، حكومة بغداد بدعم حزب العمال الكردستاني، وهي التهمة التي توجه ايضاً الى دمشق. وعلى رغم حاجة تركيا الى النفط العراقي والتجارة العراقية عبر أراضيها، لا تترك أنقرة مناسبة الا وتستغلها لتعزيز مواقعها وتحالفاتها في شمال العراق والضغط على الحكومة المركزية الضعيفة، عبر التدخل المباشر في الشؤون العراقية واحتلال الأراضي والتهديد المستمر بالقوة العسكرية، اضافة الى ملف المياه المسلط على بغدادودمشق معاً. في غضون ذلك، ظلت العلاقات التركية - الايرانية في حال توتر مستمر. ووضعت انقرة هذا التوتر تحت عنوان دعم طهران الاتجاهات الاسلامية التركية والتدخل في المسألة الكردية، وعلى رغم الاجتماعات المستمرة التي ساهمت في السنوات الماضية، في منع مواجهة مباشرة، بقي التوتر سائداً بين البلدين، وزادت حدته بعد اطاحة حكومة حزب "الرفاه" وزعيمه نجم الدين أربكان، وحالياً، تصعد أنقرة حملتها على الحكومة الايرانية بعد تجربة الصاروخ المتوسط المدى، والتي اعتبرتها تهديداً مباشراً للأراضي التركية. في موازاة ذلك، دفعت انقرة بكل قوتها الأزمة القبرصية الى الواجهة لمناسبة مرور ربع قرن على احتلالها الجزء الشمالي من الجزيرة. وعاد الرئيس التركي سليمان ديميريل الى استخدام لهجة التهديد ذاتها ضد اليونان والتي لجأ اليها رئيس وزرائه ضد سورية. فهو أعلن انه "سيؤدب" كل من يمس القبارصة الأتراك. وفي ظل احتمال نشر صواريخ مضادة للطائرات في الجزيرة وتعثر الحوار التركي - الأوروبي لا تجد انقرة سوى التهديد في معالجة النزاع التركي - اليوناني في بحر ايجه وقبرص. هكذا، تدير انقرة توتراً متزايداً مع سورية، واحتلالاً وتدخلاً في العراق، ونزاعاً مستمراً مع ايران، وتهديداً بالحرب مع اليونان. وكل ذلك في آن واحد. قد يكون صحيحاً ان كبار الضباط الأتراك يوسعون دائرة "التحدي" الخارجي من أجل تبرير الضبط الداخلي، وابقاء ايقاع "الديموقراطية" التركية على وقع مصالحهم السياسية. لكن سعيهم الى تكبير "المواجهة" الى هذا الحد مع كل دول الجوار تقريباً، يفسر اندفاعهم نحو تعزيز التحالف العسكري والسياسي مع كل من الولاياتالمتحدة واسرائيل والانخراط في خدمة مصالحهما. وفي ظل العجز عن تصور مفهوم لحل سلمي للأزمات الفعلية مع الجوار غير التأديب وقطع الأيدي، يعزز هذا التحالف قدرة أنقرة على التهديد بالقوة احياناً واللجوء اليها احياناً أخرى. ولا يعود هذا التحالف شأناً تركياً داخلياً. وهذا ما يبرر القلق الكبير في المنطقة.