نظرت إسرائيل بعين الريبة إلى حوادث «الربيع العربي»، ولم يعجبها انتصار الديموقراطية في دول الجوار. فنظام العلاقات معها هشّ. وحوادث الشرق الأوسط زعزعت الأسس الجيوسياسية الراسخة منذ عقدين. وفاقمت أزمة علاقات إسرائيل بشريكيها البارزين في المنطقة، مصر وتركيا، ما أثّر في تعاظم الزخم الدولي تأييداً لمشروع الدولة الفلسطينية المستقلة. وفي العام الماضي، بدا أن ثمة تفاهماً ضمنياً في المنطقة لمواجهة إيران التي تثير مخاوف إسرائيل والولاياتالمتحدة والدول الخليجية. و «الربيع العربي» في البدء فاقم المخاوف. ورأى كثر أن إيران وراء اضطرابات البحرين. لكن تدخل مجلس التعاون الخليجي أعاد الهدوء إلى البلد الصغير. ونفوذ الرئيس السوري، حليف إيران، يضعف. وساهمت التغيرات في مصر، ولم تكتمل صورتها بعد، في تحويل هذا البلد لاعباً وازناً في المنطقة في مواجهة إيران خارج المظلّة الأميركية. ويسعى العرب إلى إضعاف النفوذ الإيراني من طريق بعث القضية الفلسطينية وتسليط الضوء على وحدة المواقف العربية في جامعة الدول العربية. وقيمة التصويت في هيئة الأممالمتحدة على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة رمزية، في وقت قوام هذه الدولة ضعيف. وتدنى حجم المساعدات للفلسطينيين نتيجة الأزمة الاقتصادية. والمشكلات السياسية الداخلية بين الفلسطينيين لم تجد طريقها إلى الحل. والفلسطينيون المتطرفون لهم مصلحة في اندلاع حرب جديدة على غزة لاستدراج غضب الدول التي ستعترف بالدولة الفلسطينية إزاء إسرائيل، وطلب محاسبتها. والولاياتالمتحدة لن تسمح للمشروع هذا بأن يمر في مجلس الأمن. والسؤال هو ما الثمن الجيوسياسي التي ستدفعه أميركا لقاء حلفها مع إسرائيل؟ إن ترحيب الولاياتالمتحدة بالربيع العربي هو ثمرة أيديولوجيا دعم ما يسمى الحرية، واستطاعت الأنظمة المحافظة إبعاد شبح التحولات عنها. وقد تنجح أميركا في الحفاظ على نفوذها في المنطقة. وسياستها إزاء اسرائيل تتحدد بناء على حاجاتها السياسية الداخلية. والبلدان العربية الخليجية تجاوزت رياح التغيير، لكنها سمعت ناقوس الخطر، وستوجه طاقة الشعوب إلى خدمة أهداف أخرى. أنقرة لاعب بارز في المنطقة. ونهج بسط نفوذها تبلور قبل الحوادث الأخيرة. وتركيا هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي لا ترمي إلى حماية نفسها من الفوضى أو التقليل من حجم الخسائر، بل إلى أداء دور سياسي - ديبلوماسي نشيط لتعزيز نفوذها. ولتفادي تهمة استتباع الغرب لها، لجأت أنقرة إلى تأجيج المشاعر المعادية لإسرائيل، في وقت هي غير جاهزة للابتعاد عن أميركا. وخير دليل هو موافقتها على المشاركة في الدرع الصاروخية الأطلسية. ولن يغير التصويت في الأممالمتحدة على الدولة الفلسطينية شيئاً، لكن التاريخ الحديث شاهد على أن القضية الفلسطينية هي وسيلة تستغل لتغيير صورة الشرق الأوسط. والجولة الحالية ليست استثناء. * خبير في الشؤون الدولية، عن «غازيتا رو» الروسية، 15/9/2011، إعداد علي ماجد