هل يمكن للحرف المزين، المنمق، والمعتاد أن يفتح أبواباً كانت مغلقة من قبل... من الممكن ان يحدث هذا اذا نظرنا الى اللون الروحي والفني للحرف: الحرف القابع في سيكولوجيته... الحرف الذي ينطلق من العام الى الخاص، ثم بالعكس... الحرف الذي يتحول وتراً ومزماراً... ثم لماذا لا يكون ضوءاً مشعاً؟ هذا الاتساع الموجود في معرض رشيد قريشي في ليتون هاوس - لندن، له جمال خاص وجذاب، آتٍ من المكان، من جدران البيت المغطاة بالقاشاني الأخضر اللامع، والخشب المنقوش، ومن صوت الماء الذي يتدفق وسط حوض مربع... مكان مؤسس على أفضل ما يجمع بين الشرق والغرب: انه الفن... بعض اللوحات الخطية مربعة، مصنوعة من خزف أيضاً وكأنها صحون لولائم التاريخ القديم. الحرف في يد قريشي له طابع الانفتاح... فيه وعد بالممكن، عندما يتحرر الانسان من تلك النظرة المعتادة... الانفتاح هنا له علاقة بالتشكيل الحرفي ووضعه في مساحات عدة: الخزف، الحديد، القماش... الحرف هنا يتخلص من قيوده، من اللامعنى، مما تريده أنت أو أنا. انه يعود الى رموزه الأولى، يوم كان حركة في الكهف ونقوشاً على الصخر. يجب الحذر من التوغل في أي "روحية" مصطنعة هنا، لأن الحرف زخرف، الى كونه ألغازاً وتشكيلاً... لننطلق معه في اعمال هذا الفنان، حيث يصير حركة متصلة باللاوعي... كما كان يعرفها التاريخ ونساها. هنا بطاقة روحية، تخدم الغموض الى حين... تسافر مع الممكن، وتأمر بالحفاظ على السلام. اللوحة المربعة، تتحول في واقعها مجرد أداة خزفية مزركشة بكلمات وأحرف واشارات، لا تعبر في ظاهرها أكثر مما تحتمل، هل نقتنع بهذا؟... ثم ماذا عن التماثيل الحروفية التي تختصر أشكالاً كتابية من اليابان الى الصين، الى الحرف المغربي، وماذا عن تلك اللوحة الحريرية المقسمة الى سبعة أجزاء؟ تعريف لوحة الحرف: مساحة لاقتحام الخمول. اعلان: معرض يقدم تعويذة لحب الفن. شهادة: الرسام شغوف برقم سبعة، كأن له صلة ميتافيزيقية. قريشي مهندس الحرف، يغزو فضاء التشكيلة في كبسولة من التاريخ، اللوحات تشبه جداريات المعابد الفرعونية، قد تضيع العين في تكرارها الى ما لا نهاية، القطع الصغيرة المعلقة قريباً من الحائط، تشبه تلك التي يعثر عليها حفار الآثار: سوداء، ثلاثية تقريباً، وعليها أشكال حروف ناتئة. الحقيقة أن هذه الأعمال لا تجذب بالألوان، وانما لأن الموضوع مرتبط بالتأمل، وبالطريقة المرآوية المزدوجة في الكتابة، وبرموز لها علاقة شديدة بحضارة المتوسط. يوحي هذا أن الأسلوب لا يتغير، لكن الفنان ينتقل من مادة الى مادة، ومن شكل الى آخر، وبذلك يخلق حواراً مختلفاً... الألوان الباهتة تغلب في الأعمال، وكأن الرسام يتحول معلماً في كتاتيب القرآن، ويستخدم طريقة للكتابة على ألواح الخشب بالصمغ، عائداً الى تراث الطفولة. ألواح من الخزف، سوداء كلها، وعليها نتوءات حروف. لا يمكن التمييز بينها الا من خلال سقوط الضوء على جوانبها... حتى عملية التدوين أو الرسم تحصل بأقل ما يمكن من التدخل، إذ ان طبيعة الخط تظل كما هي، متسلسلة، متقاربة، كما لو أن الفنان يكتب رسالة... وفي أشكال يعرفها الجميع، مهما كان مصدرهم الثقافي