مطلع الشهر الجاري، بدأ جدل في فرنسا حول اللغة الفرنسية، سببه مذكرة وجهها وزير التربية الوطنية كلود الليغر والوزيرة المندوبة للتعليم العالي سيغولين رويال، يطرحان فيها "تأنيث" كلمات المهن والوظائف والرتب والألقاب في التربية الوطنية. والنص الذي نشر أخيراً في "نشرة التربية الوطنية الرسمية" يضع في حيز التطبيق مذكرة رئيس الوزراء الفرنسي، ليونيل جوسبان، التي تعود الى 6 آذار مارس الماضي، وهي مستوحاة من نص كان وقعه سلفه الاشتراكي لوران فابيوس عام 1986 ولم يطبق آنذاك. وأثارت المذكرة الجديدة غضب "الأكاديمية الفرنسية" التي اتجهت الى طرح القضية أمام مجلس الدولة أو المجلس الدستوري، وفضّلت، بعد التشاور، انتظار رأي "اللجنة العامة لمجموع المصطلحات وإحداث مفردات جديدة" في الموضوع. وقضية اللغة بدأت مطلع السنة عندما قررت وزيرات في حكومة جوسبان ان تدعين رسمياً "السيدة الوزيرة" فأدخلن، بهذا القرار، اسم "الوزير" ذي الاعتبار الكبير الى قائمة الأسماء التي تنتمي الى الجنسين مثل كلمة "concierge" البواب التي تنطبق في اللغة الفرنسية على الرجل والمرأة. وكانت "الأكاديمية الفرنسية" اعربت عن قلقها من الموضوع وبعثت برسالة خاصة الى الرئيس جاك شيراك، حامي الأكاديمية والمدافع عن حقوقها، جاء فيها ان "مراسم التعيينات لا تمنح الوزراء كفاءة تعديل قواعد اللغة الفرنسية واستخداماتها". هذا الجدل الجديد في فرنسا الذي يأتي بعد تعديل كتابة الكلمات عام 1991، وبعد المعركة التي تمحورت حول "قانون توبون" بالنسبة الى الاستخدام الحسن للغة الفرنسية عام 1994، تطرح اليوم قضية سلطة "الأكاديمية الفرنسية" التي تأسست عام 1635 وامتيازاتها. وكانت الوظيفة الرئيسية للمؤسسة "اعطاء القواعد للغة الفرنسية وجعلها صافية، بليغة، يمكنها ان تعالج الفنون والعلوم". في 1672، وضع الملك لويس الرابع عشر الأكاديمية تحت حمايته المباشرة، ورفعها الى مكانة "البلاطات العليا". وبعد الثورة التي ألغت الأكاديميات والجمعيات العلمية في 1793، أعيد إليها كل صلاحياتها في 1816، ومع الجمهورية وضعت مباشرة تحت حماية الرئيس. ويعتبر موريس دروون الأمين العام للأكاديمية ان هذه المؤسسة هي "حارسة لجزء من التراث الوطني الثقافي أي اللغة الفرنسية"، ومنذ ثلاثة قرون ونصف قرن لم تنكر ذلك أي حكومة. ظهرت توترات ووجهت الى الأكاديمية تهديدات كما حصل حين قاوم الرئيس الراحل فرنسوا ميتران ووزير الثقافة في عهده جاك لانغ، قرارها تأسيس "أكاديمية دولية للثقافات"... لكنها صمدت. والمعركة الجديدة مع حكومة جوسبان الاشتراكية يعتبرها بعضهم هجوماً على القيم الأخلاقية واحتراماً للتقاليد التي تمثلها الأكاديمية، في حين يقول آخرون انها معركة من أجل ابراز مظاهر الحداثة... وقد يعود القرار، في نهاية الأمر، الى المجلس الدستوري إذا عرضت المؤسسة القضية أمامه، وقد تكون معركة أخرى في الخريف