نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ويلش، يرافقه "مراقب" تركي، زار كردستان العراق خلال عطلة نهاية الاسبوع ليباشر مسعى جديداً كم مرة؟ من أجل تحقيق مصالحة بين الفصيلين الرئيسيين، الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني اللذين فجر الاقتتال بينهما في 1994صراعٌ على السلطة والهيمنة، مما ترك أوخم العواقب على الوضع الكردي. الثابت أن الحزبين توقفا عن الاقتتال الفعلي منذ نهاية العام الماضي، وقبل شهور فتحا "حواراً" بدأ برسائل مؤدبة بين زعيميهما، وتطورت لقاءات كادت تصبح دورية على مستوى قيادتيهما. فما الذي تغير كي يقرر الحزبان - هذا على الأقل ما يتمناه الأكراد - انهما يجب ان يتفقا على حل خلافاتهما بالحوار وليس بالسلاح؟ طبعاً الجواب المباشر هو ان الحزبين اضطرا في النهاية الى ان يقبلا، ولو مُكرهَين، بالحقيقة البسيطة التي يعرفها أبسط الأكراد، وهي أنه مهما كابر الحزبان وعاندا لا يمكن لأي منهما - لأسباب واعتبارات معروفة جيداً - أن يُنهي الآخر وينفرد باحتكار السلطة في كردستان العراق غير الخاضعة لسلطة بغداد. ولعل سبباً آخر يكمن في عامل الخوف، خصوصاً من الجار الأخطر: عراق صدام حسين. ساعد على بروز هذا العامل اعتقاد قيادتي الحزبين ان نظام بغداد سيفلت، ربما عاجلاً وليس آجلاً، من الحصار. وهنا المشكلة، لأن أكراداً كثيرين آمنوا بأن مستقبل الوضع الكردي مرهون كلياً بالحصار على العراق. وهؤلاء اقتنعوا، أو لعلهم اقنعوا أنفسهم، بأنه لا بد من التصرف على أساس أن هناك قراراً أميركياً أكيداً برفع الحصار في تشرين الأول أكتوبر المقبل. باريس وموسكو لعبتا دورهما في هذا المجال. بغداد سمحت للسفير الروسي ومسؤول البعثة الديبلوماسية الفرنسية بأن يزورا اربيل والسليمانية للقاء بارزاني وطالباني. وكانت الحجة الأقوى التي سيقت للأكراد، أو التي أقنع بعضهم نفسه بها، هي أنه طالما سيرفع الحصار لا محالة في تشرين فإن زعيمي الأكراد لا خيار لديهما إلا أن يذهبا الى بغداد، ويذهبا الآن قبل ان يخسرا كل شيء بعد رفع الحصار. في باريس قال وزير الخارجية هوبير فيدرين لنائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز قبل نحو شهرين: طالما صارت لديكم علاقات مباشرة مع الحزبين الكرديين، لماذا لا تتوصلوا معهما الى اتفاق، ونحن حاضرون للمساعدة؟ وجاء الجواب نموذجياً لطبيعة النظام: الأكراد ليسوا بين أولوياتنا. لدينا أولوية واحدة فقط هي رفع الحصار، وعندما يرفع تحُل مشكلة الأكراد تلقائياً. بعبارة اخرى: لماذا نفكر بالأكراد الذين تفوق مشاكلهم مع بعضهم بعضاً بكثير مشكلتنا معهم؟ ما سلف ليس سوى بعض من قليل من خلفيات كثيرة للوضع الكردي الذي قاد ويلش مجدداً الى كردستان العراق التي لا يسع حزبيها الرئيسيين ان يضعا كل بيضهما في سلة واحدة، خصوصاً سلة بغداد التي تخبىء لهما "حلاً" من النوع الذي أشار اليه طارق عزيز في باريس. لكن السؤال الأساسي هو هل يمكن إرادة خارجية، ولو كانت تلتقي مع المصلحة الكردية، أن تنجح في فرض مصالحة على الحزبين الحاكمين إذا لم تتوافر إرادة داخلية لتحقيق هذا الهدف؟ الأرجح انها لن تنجح، خصوصاً عندما تظل دوافع الحزبين للمصالحة تكتيكية لا علاقة لها بمصلحة القضية الكردية نفسها.