انتقام - 1 تلفنَ إلى معتز ليقترح عليه حلاً للأزمة المالية. رد الابن الصغير: - هلو؟ مرحبا سعدون، كيف الصحة؟ - جيدة. شكراً عمي شريف؟ بابا موجود؟ تلكأ الصغير في الجواب. سمع شريف في هذه اللحظة صوت معتز هامساً: قل ما موجود. - بابا ما موجود. خرج. ماذا أقول له إذا رجع؟ استغرب سلوك معتز. ومع تفهمه شرعية انعدام الرغبة أحياناً في التحدث حتى الى أحب الناس إلا أنه شعر بالاهانة، قال باحباط: - لا شيء وأضاف بعد تفكير سريع تَلفَنَ لي رجل. انه ينتظرني الآن عند محطة القطارات. سيسافر في الساعة الواحدة الى برلين. أراد ان يعطي أباك ألف دولار ارسلتها اخته. اغلق التلفون فرن بعد ثلاثين ثانية. تجاهله. فتح المسجل ومضى الى التواليت. استحم وحلق. توقف التلفون عن الرنين. كتب على قصاصة "سأرجع حالاً" وثبتها عند مقبض الباب الخارجي. بعد ثلث ساعة دق جرس البيت. لم يفتح. تواصل الدق. لم يفتح. انهالت طرقات قوية بجمع اليدين. ظل يصغي الى الموسيقى ولم يفتح. رن جرس التلفون ثانية. رفع السماعة وأغلقها. عاد دق الجرس والطرقات حتى الساعة الواحدة ظهراً. عندئذ رسم على محياه علامات الدهشة وفتح الباب: - ماذا جرى؟ ^ أين أنت؟ - ستخلع البوابة! ولماذا لم تفتحها؟ - ها هي مفتوحة. ليس الآن، قبل ثلث ساعة. وتلفنت اليك مراراً... - لم أكن في البيت. لكنني كنت أسمع صوت موسيقى: - كيف تسمعها وأنا لم أرد على التلفون؟ سمعتها من وراء الباب. ثم انك، أو كانت سماعة التلفون ترفع وتغلق. - هيا ادخل. سدد معتز نظرة استفهام الى شريف: أتترك المسجل مفتوحاً حين تخرج؟ - اتعمد. وقعت حوادث سرقة في عمارتنا أثناء غياب السكان. وما هذه الورقة؟ - أي ورقة؟ سأرجع حالاً. - نسيت رفعها. خرجت اشتري... ما بك؟ بذل معتز جهده ليتحدث بنبرة طبيعية: تلفنت صدفة الى البيت فاخبرني سعدون انك تلفنت. - قهوة ؟ لا، شكراً. - اجلس. لا. وبعد برهة صمت سأله: من هذا الرجل؟ - رجل؟ في محطة القطار. - آ، في الواقع لا أعرف. ماذا أراد؟ - يفتش عنك. لماذا؟ - ألم يخبرك سعدون؟ قال انه يحمل لي ألف دولار. - ألف؟ هو قال. - نعم، ألف. جلس معتز بقلق على حافة الكرسي، واستفسر: من أرسلها؟ - اختك في السويد. اختي في سورية. أنت تعرف. - طبعاً نظر الى ساعة اليد لكن فات الأوان على أية حال. الى أين سافر؟ - براغ، أو ربما برلين... لا مشكلة، سيعيد المبلغ الى أخيك. أخي؟ - عفواً، اختك. اختك في السويد؟ في سورية، وأخي في السويد... هل نسيت؟ - انني بطيء الفهم أحياناً. نهض معتز وسأل بنفاد صبر: هل هو قادم من سورية أو السويد؟ - لا أتذكر بالضبط. افرطت بالشرب البارحة مع اصدقاء. نكس معتز رأسه مفكراً، ثم تساءل بحيرة: ماذا يتعين عليّ أن أفعل؟ - هذه صدفة سيئة انك لم تكن في البيت عندما تلفنت... أتريد شاياً؟ لا. توجه الى الباب بعصبية. قال شريف: - ماذا لو تلفن ثانية؟ من؟ ألم يسافر؟! - قد يحصل تأخير طارئ. انفرجت ملامح وجه معتز قليلاً: تلفن لي عندئذ. - ستكون في البيت؟ بالتأكيد. - لن تخرج؟ لا... لا، لن أخرج اليوم الى أي مكان. - حتى الى المقهى؟ لا. سأكون بالبيت. - لا تشغل التلفون. لا لا لا. انتقام - 2 ملَّ من نقد الأدباء والفنانين. فكر بنقد جهة ما في افتتاحية الأسبوع القادم. - وزارة الخارجية؟ لكن خشي سخط الحكومة. تغاضى عن وزارة الدفاع للسبب نفسه. استبعد مصرف الخليج، فهو يحضن كل ثروته... اذن دائرة الانواء الجوية. - فهي عاجزة عن الانتقام. تأرجح بنشوة على كرسي متحرك وراء الطاولة. بدأ يفكر. يدخن ويفكر. يدخن ويفكر ويكتب. عض طرف القلم بأسنان معقوفة الى الداخل. أخذ قرص "فاليوم" ريثما فرغ من تدبيج الاتهامات: - ضعف في التنبؤ. غياب القدرة على التحكم بمجرى الرياح وتساقط الأمطار. فشل في منع كوارث الفيضانات. تهاون مع الشمس لدى تأخرها في الشروق... قرأ ذلك على الزوجة. اخفت تثاؤبها وقالت: - كم أنت شجاع، لا تهاب الدولة. قالت في السر: ها هو ينقد بلا انصاف جهة لا تقوى على الانتقام. نشرت جريدة "دنيا" النقد فأحدث ضجة. توجه في المساء الى الجانب الثاني من الشاطئ. كان متلهفاً للاحتفال بالانتصار مع زميلين ينتظران في مقهى... لكنه لم يصل. قالت النادلة بفزع: - صاعقة قتلت رجلاً عند الجسر! * فكرة الحكاية تعود الى الصديق الراحل شمران الياسري