كانت نتائج المباريات الاعدادية التي سبقت المونديال الفرنسي غريبة، وخلّفت اعتقاداً بان منتخبات عدة ستلعب دوراً كبيراً ومنتخبات اخرى لن تحقق اي انتصار. وانقلبت الحال تماماً في النهائيات لان فرقاً مثل النروج لم تخسر في 14مباراة قبل النهائيات وحققت انتصارات على البرازيل 4-2 والدنمارك 2-صفر والسعودية 6-صفر والمكسيك 5-2 وتعادلت مع فرنسا 3-3، انهارت تماماً في النهائيات ولم تحقق سوى تعادلين وفوز وسقطت في الدور الثاني امام ايطاليا. ونتائج النروج قبل النهائىات رافقها اسلوب لعب رائع يعتمد في المقام الاول على اللياقة البدنية العالية المطعمة بهجمات سريعة وخاطفة. لكن هذا الاسلوب اختفى تماماً وافلت الاسكندينافيون من خسارة امام المغرب وتعادلوا مع اسكتلندا الضعيفة قبل ان يفوزوا على البرازيل... غير البرازيل التي يعرفها الجميع! وفي الدور الثاني لم تقدم النروج ما يقلق ايطاليا فخرجت من دون حسّ وهي التي رشحها النقاد للتقدم كثيراً في المونديال. وفي ما يتعلق بالمغرب فقد وجهت الى المدرب هنري ميشال انتقادات كثيرة لا سيما بعد بطولة الامم الافريقية لكن واقع النهائيات اختلف وقدم الفريق عرضين كبيرين امام النروج 2-2 واسكتلندا 3-صفر وهو اكبر فوز عربي في النهائيات لكن ذلك لم يكف لتخطي الدور الاول فغادر المغرب البطولة مرفوع الرأس. وفي المجموعة الثانية تشابه وضع الكاميرون الى حد بعيد مع وضع المغرب بسبب الانتقادات بعد بطولة الامم الافريقية لكن "الاسود الكاسرة" بفريق شاب قدموا الكثير في المونديال وقطفوا القليل بسبب الاخطاء التحكيمية. وفي المجموعة الثالثة لم تقلق السعودية أو جنوب افريقيا المرشحين الدنماركي والفرنسي. ورغم ان الدنمارك تعرضت لخسارتين أمام النروج على أرضها بهدفين وأمام جارتها السويد بثلاثة اهداف فإنها بلغت الدور ربع النهائي للمرة الاولى في تاريخها وتستعد لمواجهة البرازيل غداً، وهي لم تقدم الكثير في الدور الاول ففازت بهدف على السعودية وتعادلت مع جنوب افريقيا وخسرت امام فرنسا. واعتبر النقاد ان الصراع في مجموعة "الموت" سينحصر بين نيجيريا واسبانيا لكن الباراغواي كان لها رأي آخر ورافقت "النسور" الى الدور الثاني، وفرضت على اسبانيا العودة الباكرة الى البيت وهي التي كانت مرشحة لاحراز اللقب العالمي. ولا تضم الباراغواي اي نجم باستثناء قائدها الحارس الاستعراضي تشيلافرت لكنها في المقابل تعتمد على نظام دفاعي قوي ضايق الفرنسيين في الدور الثاني ولم تنحن الا بهدف ذهبي قبل سبع دقائق من نهاية الوقت الاضافي. وقبل المونديال خاضت الباراغواي 10 مباريات اعدادية فخسرت خمساً وتعادل في خمس فلم يعطها احد فرصة في النهائيات! وفي المجموعة الخامسة فاجأت كوريا الجنوبية المكسيك في مباراتهما الاولى وتقدمت عليها بهدف لكن صاحب الهدف طرد بعد دقيقة من تسجيله الهدف فلعبت كوريا ب10 لاعبين 55 دقيقة فخسرت 1-3 وفشلت في تحقيق فوزها الاول في النهائيات في خامس مشاركة لها. ولم تكن كوريا سيئة في بداية مباراتها مع هولندا لكنها انهارت في ما بعد وخسرت بخمسة اهداف. وفي مباراتها الاخيرة تعادلت مع بلجيكا فخرجت بنقطة. واثبتت كوريا ان كرتها تتطور ومن المتوقع ان تقدم اكثر في المونديال المقبل الذي تستضيفه مع اليابان. ولان المكسيك خسرت كثيراً قبل المونديال فلم يعطها احد فرصة للتقدم على حساب هولندا او بلجيكا. لكن هرنانديز ورفاقه قطعوا الطريق على بلجيكا وقدموا مباريات كبيرة اذ كانوا متأخرين في ثلاث مباريات قبل ان يعودوا. وهم بعد الفوز على كوريا تأخروا بهدفين ضد بلجيكا وهم يلعبون ب10 لاعبين قبل ان يعادلوا النتيجة. وهذا ما حصل لهم ضد هولندا ايضاً اذ تأخروا بهدفين قبل ان يعادلوا في الدقيقة الاخيرة. وفي الدور الثاني تقدموا طويلا على المانيا قبل ان يسقطوا في ربع الساعة الاخير. وعموماً ترك المكسيكيون انطباعاً جيداً في الدورة وهدافهم هرنانديز لفت الانظار بعدما سجل اربعة واهداف... لكن هذه النتائج لم تكن متوقعة بعد الخسارة امام النروج 2-5 والتعادل مع السعودية سلباً. واصابت الترشيحات في المجموعة السادسة، ذلك ان الولايات وايران لم تقلقا المانيا ويوغوسلافيا. وخسرت الولاياتالمتحدة ثلاث مباريات لها ولم تحصد اي نقطة ولم تقدم مستوى جيداً بخلاف ايران التي لعبت جيداً امام يوغوسلافيا وخسرت بهدف قبل ان تهزم الولاياتالمتحدة 2-1. ودخلت مباراتها الاخيرة يراودها امل التغلب على المانيا والتأهل وبعد صمود كبير في الدور الاول خرجت مرفوعة الرأس رغم الخسارة صفر-2. وضمن المجموعة السابعة فرض المنطق نفسه وتأهلت انكلترا ورومانيا الى الدور الثاني. لكن تونس ومع قليل من الواقعية والحظ وهداف يجيد استغلال الفرص لحققت اربع نقاط. ذلك انها قدمت مباراة كبيرة ضد كولومبيا وخسرت بهدف رغم انها حصلت على فرص كثيرة للتسجيل وتعادلت في مباراتها الاخيرة مع رومانيا المصنفة اولى في المجموعة بعدما خسرت مباراتها الاولى ضد انكلترا بهدفين. اما كولومبيا فرغم فريقها الضعيف دخلت آخر مباراة لها في الدور الاول ضد انكلترا وكلها امل في التقدم الى الدور الثاني، لكن ذلك لم يحصل. والمجموعة الثامنة كانت مجموعة المبتدئين، اذ اوقعت اليابانوجامايكاوكرواتيا الجديدتين على المسابقة الكروية الام الى جانب الارجنتين. وكرواتيا جديدة قديمة لان لاعبين منها شاركوا مع يوغوسلافيا في مونديال 90 يارني وبروزينتشكي، ويملك لاعبوها الخبرة الكافية لانخراطهم في اكبر الاندية الاوروبية لذلك اجتازت الدور الاول برفقة الارجنتين. ولم تحرز اليابان اي نقطة لكنها بطلة المونديال الشعبية بعد عروضها الكبيرة وتصرفات جمهورها الرائعة. صحيح انها خسرت مباراتها الاولى امام الارجنتين بهدف واحد لكنها اقلقت رجال المدرب باساريللا كثيراً في الشوط الثاني اهدرت فرصاً كثيرة للتسجيل. وفي مباراتها الثانية انهزمت امام الواقعية الكرواتية بهدف ايضاً رغم انها كانت الطرف الافضل. وبعدما تأكد خروجها لعبت بدون روح وسقطت للمرة الثالثة امام جامايكا فخرجت وفي في جعبتها احترام النقاد. أما جامايكا فهي ككل الفرق الصغيرة والمبتدئة تشارك لتتعلم فقط، وهذا ما فعلته اذ دفعت ثمن طرد لاعبها في المباراة الاولى وهي صامدة امام كرواتيا قبل ان تخسر 1-3، ولقنتها الارجنتين درساً صفر-5 قبل ان تنقذ ماء الوجه بفوزها الاول في النهائيات على اليابان. ورغم ان الفرق الصغيرة اقلقت منافسيها الى حدّ بعيد الا انها لم تتمكن من توجيه الضربات القاضية. وانتظر الجميع كثيراً من افريقيا لكنها لم تحصل على اكثر من ممثل واحد في الدور الثاني نيجيريا الذي ظن كثيرون انها ستلعب دوراً كبيراً قبل ان تنهار امام الدنمارك 1-4، وعموماً كان بوسع افريقيا ان تتمثل بفريقين او ثلاثة على الاقل في الدور الثاني لو تمتع لاعبو فرقها بخبرة اكبر ولولا سوء التحكيم ايضاً. اما آسيا ورغم انها تمثلت باربعة فرق للمرة الاولى فشلت في تخطي الدور الاول فخرجت السعودية واليابان وكوريا وايران من المولد بدون حمص لكن بعروض مشرفة. وبالنسبة لمنطقة الكونكاكاف 3 فرق فامتلكت سلاحاً سرياً بالمكسيك لكنه لم ينفع في وجه الخبرة الالمانية في الدور الثاني. ومقابل فشل الفرق "الصغيرة" تأهلت اربعة من ممثلي اميركا اللاتينية الخمسة الى الدور الثاني وهم البرازيل وتشيلي والباراغواي والارجنتين في حين كانت كولومبيا الخاسرة الوحيدة. وانحصر الدور ربع النهائي بالفرق الكبيرة المتوقعة ان تبلغ هذا الدور باستثناء انكلترا التي فشلت في احتلال صدارة مجموعتها في الدور الاول فاضطرت الى مواجهة الارجنتين في الدور الثاني وخرجت خاسرة، وبنسبة اقل نيجيريا. والبرازيل لعبت في ربع النهائي 13 مرة، مثلها مثل المانيا التي لم تغب عن هذا الدور منذ العام 54 في سويسرا. وهي المرة التاسعة تبلغ فيها ايطاليا هذه المرحلة تليها الارجنتين بسبع مراتوفرنسا خمس مراتوهولندا اربع مرات وكل من كرواتيا والدنمارك مرة واحدة. والمانياوهولندا والبرازيل وايطاليا بلغت الدور ذاته قبل اربعة اعوام في الولاياتالمتحدة في حين ان كرواتيا بلغت هذه المرحلة في مشاركتها الاولى والدنمارك في مشاركتها الثانية. واللقب لا يبتسم الا للفرق الكبيرة عموماً، وستة منتخبات احرزته في 15 مسابقة سابقة هي البرازيل 4 وكل من ايطالياوالمانيا 3 وكل من الارجنتين والاوروغواي 2 وانكلترا مرة واحدة. كما يضم ربع النهائي فريقين اقتربا جداً من اللقب العالمي لا سيما هولندا التي خسرت مرتين في النهائي عامي 74 و78 امام المانيا والارجنتين صاحبتي الضيافة... ولم تبلغ فرنسا النهائي اي مرة لكنها خسرت في نصف النهائي ثلاث مرات اعوام 58 وكوبا 82 و86. وبالنسبة لكرواتيا والدنمارك، ورغم انهما يلعبان باسلوب جيد حالياً لكن ذلك قد لا يكون كافياً لرفع اللقب العالمي ومن المتوقع ان تقعا ضحية الخبرة امام المانيا والبرازيل. وعموماً يمرّ المونديال الفرنسي من دون مفاجآت مدوية ومع كل دور ينخفض احتمال حصول نتيجة غير متوقعة، واللقب لن يفلت من الفرق الكبيرة، وعلى المنتخبات الصغيرة الانتظار اربع سنوات اخرى لمحاولة توجيه رسالة "تهديد" للزعامة الاوروبية والاميركية اللاتينية المفروضة منذ اول بطولة عام 1930 في الاوروغواي.