اسرائيل شاحاك ترجمة هشام عبدالله أسرار مكشوفة الاهلية للنشر والتوزيع، عمان 1997 284 صفحة ليس اسرائيل شاحاك من السذاجة بحيث يعتمد في كتابه هذا الذي يفضح سياسات اسرائيل النووية والخارجية، على قصاصات الصحف العبرية وتقاريرها وتصريحات المسؤولين السياسيين والعسكريين الاسرائيليين، لولا قناعته شبه الاكيدة بأن الصحافة العبرية تمثل مرآة السياسات الاسرائيلية ويمكن الاعتماد على ما تبثه بقدر كبير من الطمأنينة لا يحتاج سوى الى قدر مماثل من احكام النظر وربط المفاهيم، وتحليل العبارات والبحث في ظلالها الغائرة البعيدة. ولعل اسرائيل شاحاك الذي يصفه ادوارد سعيد بأنه "رجل شجاع ويستحق التقدير لما قدمه من خدمات للانسانية، وأنه أحد ابرز الشخصيات في الشرق الاوسط المعاصر" يصدر على جملة منظومات مفاهيمية تقوم على درس الوقائع المادية في سياقاتها الماضوية والمستقبلية دون ان يكون ذلك الدرس منفك الصلة بفتوحات علم النفس والرؤى الاستراتيجية التي يختلط فيها التوقع بالحدس، وهي عناصر تمثلت في شخص شاحاك الذي "قد يبدو وكأنه انبثاق لماضٍ علماني مماثل من النوع الذي اعطى العباقرة اليهود اعظم ازدهار لهم تمثل في اعمال ماركس وفرويد واينشتاين، او في الآخرين الذين شبّوا كي ينتقدوهم، وقد يُنظر اليه على انه خليفة لسبينوزا في حرية الفكر من اجل الفكر ذاته" على ما قاله كريستوفر هتشتر في مقدمة الكتاب. ويرى شاحاك، بل انه يؤكد في اكثر من موضع ومناسبة، ان الصحافة العبرية هي الاداة الحقيقية لمعرفة الحقائق، ولشدة حماسته فانه يورد معلومات عن طبيعة الصحف الاسرائيلية ومدى صدقيتها وطبيعة توجهاتها السياسية والعقائدية او مدى توزيعها وانتشارها. ويشرع، اعتماداً على ذلك "اليقين"، في القراءة التحليلية التي تنتجها اخبار الصحف العبرية وتقاريرها مشيراً الى جملة من البديهات، على حد توصيفه، تتمثل في ان الخطط الاسرائيلية بعيدة المدى "يقررها جنرالات الجيش، وكبار رجال الاستخبارات، وكبار المسؤولين" ومن النادر ان ترسم الحكومة ورئيسها او تشارك في صياغة سياسة الدولة "ففي جميع الحروب التي بدأتها اسرائيل، ابلغت الحكومة بقرارات الهجوم". وخلافاً لما يعتقده معظم المثقفين والكتاب والمفكرين العرب من ان اسرائيل تسعى الى افساد الثقافة العربية، يطلع علينا شاحاك بما ينقض ذلك "الزعم" مؤكداً ان هدف اسرائيل هو القوة والهيمنة، "فالخصائص النوعية للهيمنات المعاصرة لا تكترث للثقافة، وتسعى للقوة، والاهداف الرئيسية للامبريالية الحديثة هي الارباح، خاصة التي يمكن الحصول عليها من التجارة التي تتم بشروط مواتية للدولة المسيطرة". واسرائيل في نظر شاحاك لا يقوم هدفها على "الرغبة في السلام" بحسب ما يزعم ساستها باعتبار ذلك احد مبادئ السياسة الاسرائيلية "في حين ان توسيع سيطرة اسرائيل ونفوذها هو احد المبادئ" ذات المدى الاقليمي الذي يشمل الشرق الاوسط بأكمله من المغرب الى باكستان، بل يتعدى ذلك "الى تورط اسرائيل في كوريا الجنوبية وكينيا، واستونيا". وفي سياق فضحه سياسات اسرائيل يؤكد شاحاك ان اسرائيل "ساندت، طيلة سنوات عدة، حماس والمنظمات المتطرفة ضد منظمة التحرير الفلسطينية، حين اعتقدت ان مثل هذا الدعم سيخدم مصالحها" لكنه وهو يورد هذه المعلومة المعروفة "لكل متابع للصحافة العبرية" على حد تعبيره لا يمتثل لشروط التدليل بوقائع ملموسة على صدقية تلك الحقيقة البديهية! وكذلك يفعل حينما يقرر ان من الممكن في المستقبل القريب "اقامة مظلة نووية اسرائيلية لحماية الخليج العربي" مع ان شاحاك يستدرك بأن تلك الفكرة انما ترمي الى فرض الهيمنة على دول الخليج، وليس الى ضمان أمنها. ويشير المؤلف الى ضآلة قوة التعابير وترجرجها، وهي حقيقة ربما تنسف الأسس المفاهيمية التي اشاد عليها شاحاك معمار كتابه، فهو يذكر وصف نتانياهو لعرفات في صحيفة "معاريف" يوم 26 آذار مارس 1993 بأنه "أسوأ من هتلر" ثم يعود بعد ثلاث سنوات ونيّف، وتحديداً في 3 تشرين الأول اكتوبر 1996 الى الصحيفة نفسها التي ابرزت ما خاطب به نتانياهو عرفات قائلاً: "انت شريكي وصديقي". ألم يلتفت شاحاك الى الشراك التي يمكن ان تنصبها الكلمات والتعابير، الم يدر في خلده ان التصريحات في الاغلب مرتبطة بأبعاد مصلحية براغماتية موقتة علماً بأنه يؤكد ان "الهدف من التصريحات الرسمية لأية دولة هو التضليل" ام ان الصحافة العبرية واسرائيل هما الاستثناء الوحيد من تلك الحقيقة المخاتلة؟! شاحاك الذي يؤكد انه تنبأ بغزو اسرائيل للبنان عام 1982 قبل اشهر من الغزو الفعلي باستخدام معلومات مستقاة من الصحافة العبرية، يسلط الضوء على ويفضح التمييز العنصري ذا الأساس الديني وليس العرقي ضد العرب والفلسطينيين، بل ضد كل من هو غير يهودي، بما في ذلك افضل اصدقاء اسرائيل الذين تعتبرهم "اعداء محتملين"، ويرى شاحاك ان نظام الحكم الاسرائيلي في فلسطين "اسوأ من اي حكم استعماري حدث في القرن العشرين". ويذهب المؤلف في جرأته وسخطه على سياسة بلده واستراتجياتها الى حد المجاهرة بأن الهدف الأعمق لاتفاق اوسلو "هو ايجاد نظام فصل عنصري يقوم فيه مجلس الحكم الذاتي في المناطق بإراحة اسرائيل من اية مسؤوليات تجاه سكان المناطق". ويستعين شاحاك بما عرضه ميرون بنفينستي في صحيفة "هآرتس" يوم 27 نيسان ابريل 1995 لخطة "الوان قوس قزح" التي ترمي الى "التطهير العرقي المرتبط بالمفاهيم" اي "محو الآخرين من وعي المرء". ويسرد شاحاك ما رافق "ما يسمى بالعملية السلمية مع الفلسطينيين" داخل المجتمع الاسرائيلي من "تعصب عرقي عميق الأثر، يصل حد العنصرية، مع اخلاقيات ذات شكل قبلي وفشل في التمييز بين الحق الاخلاقي في الوجود والالتزام الاخلاقي بالتصرف بشكل لائق". ويورد المؤلف بعض الامثلة التي ساقها بنفنيستي عن هذه التصرفات التي اعتبرها شاحاك "عملاً شائناً" ومن ضمنها فرض حظر التجول على مدار الساعة على جميع الفلسطينيين في الخليل "من اجل اتاحة المجال لبعض الزوار من المستوطنين اليهود القيام بنزهة في المدينة والتجول فيها بأمان تام"! فالسياسات الاسرائيلية تحركها في الأساس الاعتبارات الايديولوجية، وهذه الايديولوجية استبدادية بطبيعتها، ويمكن التعرف عليها بسهولة كونها محفوظة في كتابات مؤسسي الصهيونية العالمية، ويمكن الاستدلال عليها بسهولة من القوانين الاسرائيلية والانظمة والسياسات المتبعة". ويهجو شاحاك اليسار الاسرائيلي ويبيّن خفوت صوته وتراجعه مما انعكس ايجابياً على حرية التعبير خلافا للرأي الشائع بأن اليسار مع الحريات حيث يرى ان "اليسار الصهيوني اشد عداوة لحقوق الانسان الفردية وحرية التعبير من احزاب اليمين الرئيسية الاخرى". ويفضح بعد ذلك وقبله اجراءات الرقابة الاسرائيلية على البريد عندما ظلت تصادر رسائل المهاجرين السوفيات الى ذويهم التي يشكون فيها ويتذمرون من سوء الاوضاع التي يعيشون في اتونها، وينصحونهم بعدم التفكير بالهجرة الى اسرائيل تحت اقسى الظروف! وفي حين يشير المؤلف الى ان لديه حدساً يقوم على ان اغتيال بشير الجميل الذي حدث بعد لقائه بفترة وجيزة مع مناحيم بيغن في نهاريا "لم يكن بعيد الصلة عن الخلاف حول الرقابة الجمركية" التي طالب الجميل باعادتها فوراً على الحدود مع اسرائيل، فانه يضع سيناريوهات للهجوم على ايران من خلال الأراضي الأردنيةالشرقية حيث ان "هدف اسرائيل من العملية السلمية مع الأردن هو انه خطوة اولية نحو صراع عنيف مع ايران". ويتوصل اسرائيل شاحاك في كتابه هذا الى نتائج خطيرة لا تخلو من وجاهة الاعلان والمناقشة، حيث يلتقط من الصحف العبرية التناقضات الاسرائيلية ويحللها بخبث ودقة، وهو امر يجعل مشروعه، الذي يتطلع الى تحليل السياسات الاسرائيلية الماضية ومحاولة التكهن بتوجهاتها المستقبلية، قابضاً على فيض كبير من الواقعية والمعقولية، وان لم يلتقط الحقيقة في جل ما عالجه ونظر فيه، فانه لا بد سائر على تخومها، ومحللها بشجاعة وجرأة لا نكاد نعثر على مثيلاتها لدى اكثر الكتاب والمحللين والمفكرين الاسرائيليين، فهو ينبه لمخاطر وانزلاقات هنا وهناك، ويرى في اشارة تبعث المزيد من الخوف والقلق ان مفاعل ديمونا يهدد بكارثة حقيقية محتملة في ظل اعتماد الجهاز الأمني الاسرائيلي اكثر فأكثر على تجنيد جماعات من صفوف اليمين المتطرف.