فوجئت وأنا اقرأ كتاباً حديثاً بالانكليزية ضم طرفاً سياسية عالمية ان أجد نادرة منسوبة الى جحا، ثم نادرة أخرى في الصفحة التالية منسوبة الى الملا نصر الدين. جحا هو نصر الدين جحا أو روضة، وهو تركي الأصل من الأناضول ولد في مدينة سيوري حصار وتوفي في مدينة آق شهر. وكنت قبل سنوات أملك كتاباً بعنوان نوادر جحا الكبرى، جمعه حكمت شريف الطرابلسي وأشرف على نشره. ومع شهرة جحا في ما ينسب إليه من نوادر، فقد كان شيخاً تلقى علوم الدين في آق شهر وقونية، وتولى القضاء في المنطقة، ثم ولي الخطابة في سيوري حصار، ونصب مدرّساً وإماماً في بعض المدن. والراجح أن زمنه كان في عهد السلطانين أورخان ويبلدرم، وعرف تيمورلنك. ومع شهرة جحا فلم أتصور أن نصل الى كتاب حديث بالانكليزية جمع طرفاً من الشرق والغرب، خصوصاً عن الاتحاد السوفياتي السابق، مع نوادر من مصر واسرائيل، وحتى أميركا اللاتينية. الكتاب المطبوع في بريطانيا هو من تأليف البروفسور اسحق غالنور من الجامعة العبرية في القدس والبروفسور ستيفن لوكس، من جامعة اوكسفورد، وهو بعنوان "ليس مزاحاً"، المأخوذ من عبارة مشهورة لمارك توين الذي قال يوماً "النكتة الألمانية ليست مزحة". ومع "أكاديمية" الكتاب الجديد والجهد الكبير للاستاذين المؤلفين فانهما لم يعرفا على ما يبدو أن جحا هو الشيخ نصر الدين. وقد نسب الكتاب الى جحا طرفة خلاصتها انه وصديقاً له رأيا شيخاً يغرق، فقال له الصديق: اعطني يدك، اعطني يدك. إلا أن الشيخ لم يفعل. وأخيراً قال له جحا: خذ يدي، خذ يدي. وأخذ الشيخ يده فأنقذه جحا. وسأل الصديق لماذا لم يرد الغريق عليه ورد على جحا، فقال جحا: ان هذا الرجل لا يعرف أن يعطي، فلم يعطك يده، ولكن يعرف أن يأخذ فأخذ يدي. وكنت سمعت هذه الطرفة تروى في لبنان والغريق هو الصديق فؤاد السنيورة، وزير الدولة للشؤون المالية، مع أن تحميله المسؤولية عن الضرائب أو الوضع المالي العام من نوع عبارة تنسب الى جحا وهي "شطارة جحا على امرأة خاله"، لأن الناس لا يتشاطرون على المسؤول الحقيقي. الكتاب الجديد ينسب الى جحا، أو الملا نصر الدين هذه المرة، طرفة خلال عمله وهو قاض، فهو يسمع كلام المدعي ويقول له معك حق. ويسمع كلام المدعى عليه ويقول له: معك حق. ويقول له مباشر المحكمة: لا يمكن أن يكون المدعي والمدعى عليه معهما حق. ويقول جحا: وأنت أيضاً معك حق. ومرة أخرى فقد سمعت هذه القصة غير مرة في لبنان عن قاض من أسرة العيتاني المعروفة. ويبدو أنه كان للمؤلفين مصدر لبناني، فهناك طرفة عن بشير الجميل الذي رغم مارونيته لا يكلم فلسطينيين، إشارة الى السيد المسيح. عندما عدت الى كتاب نوادر جحا بالعربية لم أجد أثراً للنادرتين المسجلتين في الكتاب الجديد، ولكن وجدت ما يستحق الرواية أكثر منهما: - سأله بعضهم يوماً: إذا دخل القمر الجديد، فأين يكون القديم؟ قال: انهم يقطعونه إرباً ويصنعون منه نجوماً. - استعار من أحد جيرانه دستاً واعاده إليه بعد أيام وبداخله طنجرة حلّة زاعماً أنها ولدت له. ثم عاد بعد أيام واستعار الدست ولم يردّه. وعندما طالب به الجار زعم أنه مات. وسأل الجار مستغرباً: كيف يموت الدست؟ ورد جحا: إذا صدّقت أنه ولد له، فلماذا لا تصدق انه مات؟ - حلق له مزين فاشل اصابه بجروح عدة وضع عليها قطناً. ونهض جحا فقال له المزين انه لم يفرغ من الحلاقة. ورد جحا: كفى، زرعت نصف رأسي قطناً وأريد أن أزرع النصف الآخر كتاناً. - سأله بعضهم: هل يلد لرجل عمره مئة سنة ولد؟ فأجاب: نعم، إذا كان له جار عمره 20 سنة. - سأله أحدهم: إذا كان الانسان ماشياً في جنازة، هل يمشي أمامها أو وراءها؟ ورد جحا: لا تكن في التابوت وأمش حيث شئت. والكتاب يضم أكثر من 400 نادرة إلا أن المكان ضاق بنا، فأكتفي مختتماً بنادرتين تعكسان حكمة جحا، الأولى عندما طلب منه فلاح ان يقرأ على شاة له مصابة بالجرب، فقال جحا: إذا أردت لشاتك أن تبرأ فأضف إلى قراءتي شيئاً من القطران والمعنى من نوع "اعقل ثم توكل"، والثانية عن رجل يستحم في بحيرة آق شهر ويسأله إلى أين يجب أن يوجه وجهه وهو يغتسل، ويرد جحا ان يوجهه الى الجهة التي وضع فيها ثيابه. وربما عدت يوماً الى الكتاب الجديد بالانكليزية بحثاً عن طرف تستحق النشر، أو يمكن نشرها