كم أتمنى لو اغمضتُ عينيّ ثم فتحتهما فاذا بي تجاوزت عتبة القرن الحادي والعشرين، بل وتكون قد مضت بضع سنوات منه ولم يعد أحد يتكلم عن نهاية قرن وبداية قرن جديد. ذلك اني سئمت سأماً شديداً ممن لا يكفون عن الكلام عن ضرورة الاستعداد لدخول القرن الحادي والعشرين، وعما اذا كنا مؤهلين لدخوله أو غير مؤهلين، وعن الخوف من ان تدخله بعض الدول وتتركنا واقفين في مكاننا، بل وحتى عن الخوف من ان نعود ادراجنا الى القرن التاسع عشر او الثامن عشر، او من ان يجري "تهميشنا"، فيدخل العالم القرن الجديد بينما نصبح نحن على هامش التاريخ او ان نخرج كليةً من التاريخ. أجد في كل هذا نوعاً غير محتمل من الوثنية، فعبادة المستقبل لا تقل سوءاً عن عبادة الماضي. نحن نلوم هؤلاء المنغمسين في الماضي من قمة رأسهم الى أخمص أقدامهم، والحالمين بالرجوع الى ماضٍ ذهبي لم يكن كله ذهباً خالصاً، ولا يمكن في الحقيقة الرجوع اليه او تكراره. ولكن ها هم عبدة المستقبل مؤمنون ايماناً لا يتزعزع بفكرة التقدم، من دون ان يكون لدينا اي سبب معقول لهذا الاعتقاد. ليس هناك اي سبب للاعتقاد بأن القرن الحادي والعشرين سيكون بالضرورة افضل من القرن العشرين، مما يستدعي كل هذه العجلة واللهفة على دخوله، فهل كان القرن العشرون بحروبه ومآسيه ونازيته وفاشيته وشالينيته وازماته الاقتصادية افضل مما سبقه من قرون؟. كان اليونانيون القدماء وكذلك ابن خلدون يرون في التاريخ اقرب الى دورة الحياة، حيث يشب الطفل ثم يشيخ ثم يموت، ثم يشب طفل جديد وهكذا. وكانت أوروبا في العصور الوسطى ترى في التاريخ شيئاً اقرب الى الانحدار والتدهور المستمر. وانا لا ارى في رؤية الانسان الحديث للتاريخ شيئاً اقرب الى الحقيقة بالضرورة من الرؤيتين السابقتين. فالأرجح ان الانسان يتقدم في اشياء ويتأخر في اشياء، بل ومن المنطقي ان يدفع الانسان ثمن تقدمه في بعض المجالات بالتأخر في مجالات اخرى. دعونا نقلل إذن من لهفتنا على القرن الجديد، فلربما، لو فعلنا ذلك، نكون عندما ندخله فعلاً اكثر استعداداً لمواجهة قاسية، وأقل تعرضاً للإصابة بخيبة الأمل.