Benyoucef Ben Khedda LAlgژrie a LIndژpendence - La Crise de 1962. الجزائر حتى الاستقلال - أزمة 1962 . Dahlab 1997 185 pages الكتاب هذا لصاحبه السياسي الجزائري رئيس الحكومة الموقتة بن يوسف بن خدة، في ثلاثة فصول اهمها الفصل الاول وعنوانه: "الصراع بين الحكومة الموقتة للثورة الجزائرية وقيادة الأركان العليا"، اما الفصل الثاني فقد عنونه ب "اللجنة المركزية لحزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية"، في حين عنون الاخير ب "أسباب أزمة 1962". ويلاحظ انه منذ البداية يذهب إلى الطعن في ما جاء على لسان الآخرين من مواقف او اقوال خاصة بتلك المرحلة، وهي سمة تميز بها معظم السياسيين الجزائريين، إذ أنه ذهب الى ان المكتب السياسي ل "جبهة التحرير الوطني" الذي انبثق من مؤتمر طرابلس الغرب في 27 أيار مايو - 5 حزيران يونيو 1962، لم يكن بالأغلبية كما ذكر البعض، بل ان المجلس الوطني لم يشارك في انتخاب المكتب السياسي، وان هناك نقطتين وضعتا للنقاش آنذاك هما: درس مشروع برنامج "جبهة التحرير الوطني" وتعيين المكتب السياسي لجبهة التحرير، وانه بعد نقاش طويل تم انتخاب المكتب السياسي وعينت لجنة خاصة بهذا الغرض بقيادة محمد بن يحيى. وهو يقول إن بن يحيى لم يذكر اسماء المكتب السياسي، لكن عرفت في ما بعد، فهم بحسبه سبعة اعضاء منهم الزعماء الخمسة الذين يطلق عليهم اسم "الوزراء الخمسة"، وهو محق في ذلك لأنه يتحدث هنا على اعتبار انه رئيس للحكومة الموقتة، وان الزعماء الخمسة مجرد وزراء في حكومته، ويقصد حسين آيت احمد واحمد بن بلة ورابح بيطاط ومحمد بوضياف ومحمد خيضر، اضافة الى الحاج بن علا ومحمدي. غير انه يذكر ان بوضياف وآيت احمد رفضا ان يكونا في المكتب السياسي، وهو ما خالفه بوضياف في تصريحاته لجريدة "العهد" الناطقة باسم التجمع البوميديني في كانون الثاني يناير 1992، أي بعد عودته رئيساً للمجلس الاعلى للدولة، من انه انسحب من مؤتمر طرابلس وترك توكيلاً لآيت احمد ليصوت بدلاً عنه. إذن فإن بن خدة يسرد ظروف تلك المرحلة لأنه يسعى الى الرد على الذين طرحوا مقولات تاريخية خاطئة، وهذا هو السبب في كتابته هذا الكتاب، كما أشار الى ذلك صراحة في مقدمته، لكنه وهو يروي تلك الاحداث لا يخفي الصراع الذي نشب بينه وبين بن بلة اثناء عملية التصويت، خصوصاً أن هذا الاخير عارض قرار اعضاء الحكومة الموقتة الذي كان بالاجماع، والهدف من ذلك حسب بن خدة محاولة بن بلة ارضاء القائد العسكري الطاهر الزبيري، الذي ذهب آنذاك بالحوار، بحسب بن خدة، إلى مستوى متدن لا يليق بجمعية هدفها التخطيط لمستقبل شعب، ما أدى الى رفع الجلسة، ونظراً للفوضى التي سادت لم يتمكن المجلس الوطني للثورة من تعيين ادارة "جبهة التحرير الوطني" والمكتب السياسي، فظلت الحكومة الموقتة قائمة، وظلت السلطة الشرعية الوحيدة في البلاد المعترف بها داخلياً وخارجياً من قبل حوالى ثلاثين دولة. وينفي بن خدة بشكل غير مباشر دور الآخرين، وبالذات الجيش في استقلال البلاد، حين يقول: "لقد كان للحكومة الموقتة الفضل في اعلان الحكومة الفرنسية بقيادة رئيسها ديغول في اتفاقات ايفيان وقف اطلاق النار يوم 19 آذار مارس 1962". والمهم "ان الحكومة الموقتة في نظري هي صاحبة الشرعية الوحيدة في البلاد، ولذلك اخذت قراراً بمغادرة طرابلس والتوجه الى تونس"، وان كان لم يكن الوحيد الذي فعل ذلك. ويعلن صراحة انه من خلال رئاسته للحكومة الموقتة يريد انقاذ الكيان الذي يعبر عن الشرعية التي تم الحصول عليها بعد كفاح مرير، وأيضاً حسب تعبيره دائماً، ليضع سداً امام الثنائي بومدين وبن بلة، على اعتبار انهما يمثلان خطراً على جزائر المستقبل. غير انه بعد عودته الى تونس، وتوالي الاجتماعات هناك وجد نفسه معزولاً، وفي تلك الاثناء زاره بوضياف في مكتبه وأكد له أنه يريد العودة الى الجزائر مع كريم بلقاسم ورأى بن خدة في ذلك فرصة للربط بين زعماء الداخل الذين ابتعدوا كثيراً والحصول على مساندة الحكومة الموقتة، وبعد بضعة ايام تمكن من جمع كل اعضاء الحكومة اثني عشر وزيرا، وكان عليهم - كما يذكر - ان يقروا بضرورة حل الازمة على احدى الطريقتين التاليتين: إما اضافة ثلاثة اعضاء اخرين الى الحكومة الموقتة هم: عباس، بومدين، حاج بن علا، ويصبح العدد 15 بدلاً من 12 وإما تكوين المكتب السياسي برئاسة اثنين هما عباس وبن خدة مع ثلاثة نواب رؤساء هم بن بلة وكريم وبوضياف، مضافاً اليهم بومدين ومحمدي والحاج بن علا. ورفض الاقتراحان من قبل الحكومة الموقتة بالأغلبية، وتطورت الأمور بعد ان قامت هذه بعزل هيئة قيادة الاركان، ومنذ ذلك الوقت بدا الانشقاق واضحاً بين أولئك السياسيين والعسكريين. ويذهب بعض المحللين السياسيين في الجزائر الى القول: إن بن خدة نفسه - وهو الأمر الذي لم يورده في كتابه - كاد ان يجر البلاد الى كارثة حين قرر إلغاء وجود الجيش، ولو حدث هذا لواجهت البلاد مشكلة كبيرة يمكن أن تعصف بوجود الدولة من أساسها. لكن بن خدة يذهب الى نفي ذلك. وعداوة بن خدة للجيش الجزائري تبدو بلا لبس، وذلك حين يرجع عدم تنفيذ أوامر الحكومة الموقتة الى ان الجنود الذين كانوا في تونس والمغرب تتلمذوا وشبوا على معاداة الحكومة الموقتة ووزرائها تبعاً لما تعلموه من هيئة الاركان العليا. فهذه القيادة اظهرت مسؤولي الحكومة الموقتة بصورة موالية لفرنسا، وانهم يعيشون حياة مترفة في الفيلات وسيارات المرسيدس، اضافة الى ذلك فإنه استغل تنفيذ الحكم في عبان رمضان لمعاداة الحكومة الموقتة، وهكذا فشلت تلك الحكومة في تنفيذ أوامرها، وهو ما يقدم كتبرير للفشل الذي واجهته. وبعد ان يذكر بن خدة دور كل ولاية اثناء ازمة 1962، يصل الى العلاقات الخارجية اذ يقول انه في الاسابيع الاولى من الاستقلال كان على الحكومة الموقتة ان تواجه مشاكل اخرى جديدة عليها من جيرانها من جهة الغرب، مستغلين في ذلك النزاعات التي سادت بين الجزائرين، وهكذا وقعت الحرب بين الجزائر والمغرب. ويضيف ان الملك الحسن الثاني ساند بن بلة وسهل له ولرفاقه المرور من المغرب، وصرح في حوار له مع الكاتب الفرنسي اريك رولو: اعترف انني كنت اخشى الثورة الجزائرية وانتقال العدوى إلى شعب المغرب، ويضيف انه كان يعمل على اضعاف ادارتها والسعي الى تقسيمها. ويعود ليؤكد ان هدف الملك الحسن الثاني هو الثأر من الحكومة الموقتة التي رفضت طلب الملك باعتبار موريتانيا جزءاً من المملكة الشريفة، وهكذا امتنع عن الوعد بتعديل الحدود المغربية - الجزائرية، وهذا يتطلب بحثاً واستقصاءً في الموضوع، لأنه يرجع فشل الحكومة الموقتة ليس لأسباب داخلية فقط بل خارجية أيضاً. ويعترف بن خدة أنه محاولة منه بالتزام شرعية الحكومة الموقتة توجه بطلب سلاح الى الوزير الاول الليبي محمد عثمان السيد، ووعده بذلك بأدب شديد - حسب قوله - لكنه لم يحصل على شيء. ويعترف أيضاً بأنه رفض السلاح من عاهل الاردن الملك حسين، ويبرر ذلك بالروابط التي تحكم الحكم الهاشمي بالانغلو اميركيين، ما كان سيقودنا بشكل مميت لأن نضع انفسنا شيئاً فشيئاً تحت جناح الشرق، وبالطبع فإنه يقصد بالشرق هنا مصر. وواضح انه يكن لها عداءً خاصاً، وفي اضعف حال موقفاً مخالفاً، على اعتبار ان مصر كانت تساند بن بلة وقيادة الاركان، بل انه يختصر مصر كلها في عبدالناصر حين يقول: "ان بن بلة وقيادة الاركان كانت تبحث عن مساندة ناصر والاتحاد السوفياتي". وموقف بن خدة من الأزمة آنذاك لم يكن مقبولاً من كل أعضاء الحكومة الموقتة اذ يقول: "اثنان فقط من الوزراء كانا على يقين بضرورة إعلان القتال ضد جماعة تلمسان هما كريم بلقاسم، ومحمد بوضياف، ورؤساء الولايات الثانية والثالثة والرابعة، وأدركت أن صداماً كهذا ضد الولايات الأولى والخامسة والسادسة وجيش الحدود، كان مغامرة، يمكن أن تستغل من طرف قوات الجيش الفرنسي، خصوصاً أنها كانت تحتفظ بما يقارب 300 ألف رجل وتراقب نقاطاً استراتيجية في البلاد"، وقد يكون قوله هذا غير مقبول بالنسبة لموقف بوضياف من قيادة الأركان على اعتبار أن هذا الأخير لم يكن على طول تاريخه رافضاً للمؤسسة العسكرية، وإن كان اتخذ موقفاً عدائياً من بعض قياداتها. ويرجع بن خدة الأزمة التي عاشتها الجزائر إلى كون أفريقيا كلها كانت تعيش آنذاك في عصر الاستعمار وأهواله، وقد ضرب مثالاً بالكونغو، معتبرا أن العسكريين لم يكونوا على وعي بخطورة المرحلة. وبعد أن يعرض أهم المشاكل التي واجهت الجزائر في أزمة 1962 ينتهي إلى أن أسباب الأزمة هي: أولوية العسكري على السياسي، وهي بذلك في الأساس أزمة إدارة، لأن ما يسميه بمجموعة تلمسان كانت لديها الرغبة في تحطيم الحكومة الموقتة للجمهورية الجزائرية، وبعض اعضائها كان على استعداد للوصول مشياً الى السلطة على جثث إخوانهم. فالهدف يبرر الوسيلة، والاستقلال كان انتصاراً أُحرز لكنه جاء هشاً. ويعود الى التذكير في النهاية بأن الانقلاب الذي طال الحكومة الموقتة للجمهورية الجزائرية وجه ضربة قوية لشرعية السلطة في البلاد، ومنذ ذلك الوقت والبلاد تعاني، وحدث بعدها انقلاب 19 حزيران يونيو 1965، ثم انقلاب ثالث في 11 كانون الثاني يناير 1992 حين ألغى ببساطة اختيار الشعب، وهو في نظره أول اختيار حر بعد الاستقلال. والمهم أن هذه الإنقلابات جميعها لم تساعد على تحسين وضعية البلاد، بل لم تزدها إلا سوءاً وخطورة. ويرى أن أزمة 1962 آلت إلى تغييب القوى السياسية وأظهرت غياب التيار الإسلامي عن الساحة، ما يمكن أن يفيد في تفسير أحداث الحاضر. هكذا إذن يعطينا بن خدة صورة آحادية تريد أن تبرر أخطاء الساسة الجزائريين. فهو على امتداد كتابه لم يذكر أية سلبية للحكومة الموقتة، وهو بذلك لا يختلف عن باقي السياسيين الجزائرييين الذين يحاولون الهروب من الأزمة الحالية بإعلان براءتهم منها