على تلة مرتفعة تقع على حدود مدينة رام الله وتشرف على ساحل يافا من بعيد، يحاول مستثمرون فلسطينيون اعادة خلق اجواء المدينة الساحلية بأدراجها وأزقتها ومشربياتها ضمن قرية تبنى على نمط العمارة الفلسطينية التي كانت سائدة نهاية القرن التاسع عشر ولكن بوسائل الراحة التي يتوقعها انسان القرن الواحد والعشرين. وأُطلق عليها اسم قرية تل الصفا نسبة الى موقع اثري قرب بلدة صفد في شمال فلسطين لا تزال بقاياه موجودة حتى اليوم. وعلى رغم التراجع الذي شهدته العملية السلمية منذ وصول تكتل ليكود المتشدد الى الحكم وتردد بعض المستثمرين الفلسطينيين في العودة الى الضفة الغربية وقطاع غزة، الا ان العمل يجري على قدم وساق لتصبح تل الصفا مع بداية العام 2000 قرية مختارة للذين يبحثون عن ذكريات وعبق الماضي الذي خلفوه وراءهم عندما حلت بهم او بآبائهم وأجدادهم نكبة العام 1948 ولكن هذه المرة في ما سيصبح يوما الدولة الفلسطينية. ويقول زاهي خوري الذي غادر يافا مع اهله عندما كان في العاشرة من عمره - وهو الذي وضع تصور المشروع وأحد المستثمرين فيه - ان "مصير الشعب الفلسطيني في الشتات العودة الى الدولة الفلسطينية التي ستقوم في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتل الصفا تقدم للنخبة التي تعودت على نمط معين من الحياة في الغرب كل وسائل الراحة ضمن اجواء الماضي العريق وبذلك لن تتمكن النخبة من تبرير عدم مشاركتها ببناء الوطن من الداخل بحجة ان المكان الذي قضى الاحتلال على فرص تطوره لا يملك مقومات استقبال هذه النخبة". ويضيف "لا أحد منا يستطيع العودة للسكن في مسقط رأسه ولكن كما بنى اهلنا فلسطين التي شردوا منها نستطيع نحن هنا اعادة بناء ما كان لنا واستولت عليه اسرائيل ليشكل التركة التي نخلفها للأجيال القادمة". ويستطيع الناظر الى التلة عندما ينتهي العمل فيها ان يرى 12 مبنى مميزاً لا يشبه اي منها الآخر بينما يجمع بينها نمط معماري تسيطر عليه الأقواس والاعمدة والمشربيات والقبب. ولا تدخل السيارات القرية وانما تلتف حولها في طريق دائري يتيح للسكان الوصول الى مرآبهم الخاص تحت المبنى ما يحول ساحات القرية الى منطقة خضراء للمشاة فقط. وتصل الادراج التي صممت على نمط ادراج البلدة القديمة في يافا بين بقع القرية المختلفة ويمر السائر فيها تحت قناطر نسخت عن قناطر القدس العتيقة بينما ترك وسط القرية بصخوره وسلاسله واشجار زيتونه التي نقلت من مكانها خلال مرحلة البناء وستعود اليه بعد انتهائه لتنسجم مع التلال الزيتونية حولها والتي لا زالت غزلان برية تشاهد فيها من حين لآخر. وسمّي تجمع يضم فيلات فخمة ذات قرميد أحمر، عرفت به البيوت الفلسطينية الغنية ويميزها عن المباني الاخرى التي تنقسم الى عدة شقق في المبنى الواحد "حي العجمي" نسبة الى احد أحياء يافا الراقية قبل العام 1948. وتقول المهندسة المعمارية سعاد العامري التي عرفت بين الفلسطينيين باطلاقها مشاريع ترميم البيوت الفلسطينية القديمة للمحافظة على تراثها والتي وضعت تصاميم قرية تل الصفا ان المعالم الرئيسية للقرى والمدن الفلسطينية التي وجدت في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي وجدت من جديد في تل الصفا، خصوصاً الساحة الرئيسية في وسط القرية التي اعتبرت تقليديا بؤرة النشاطات المشتركة التي اتخذت شكل مسرح في الهواء الطلق في تل الصفا ليتحول الى محور للنشاط الثقافي الذي يجمع بين سكان القرية. وتضيف العامري ان فكرة تل الصفا تحاول الجمع بين جذب فلسطينيي الخارج الى الداخل من جهة واغلاق الفجوة بين اهل الداخل والخارج عبر الجمع بينهما في مكان واحد كي لا تتحول القرية الى منفى للعائدين في داخل الوطن. وتوضح ان التصور الذي اعتمده القائمون على تل الصفا يهدف الى توفير سكن ملائم من الناحية المعمارية والبيئية والخدماتية بمواصفات لم تتوفر حتى الآن في المناطق الفلسطينية لفئة من الفلسطينيين لا تملك اراضي في الضفة الغربية وقطاع غزة لتبني عليها مسكناً خاصاً مميزاً ولا تملك الوقت لعملية البناء والاشراف عليها. والى جانب البيوت التي اتخذت اسماء تراثية فلسطينية كقنطرة وراوية ورواق ومنطرة وروزانا وعنان ورابية ومشربية او اسماء مدن عربية في اسبانيا كقرطبة وروندا، ألحق بالقرية ناد خاص يضم مسبحاً ومركزا للياقة البدنية وقاعة احتفالات ومتجراً ومطعماً لخدمة سكان القرية وهو أمر لم يعتده الفلسطينيون في الداخل. اما الجديد الثاني الذي ادخل الى تل الصفا فهو توفير الحراسة والصيانة حتى في غياب السكان. وجاء اختيار رام الله كموقع للقرية لاعتبارها مركزاً سياسياً وتجارياً وثقافياً الا ان القدس التي تبعد 15 كيلومتراً عن تل الصفا لم تكن غائبة عن بال القائمين عليها. اذ يقول خوري "ان يهود الشتات يدفعون ملايين الدولارات من اجل موطئ قدم قريب من القدس بما في ذلك في المستوطنات المحيطة بها والآن اصبح بامكان اي فلسطيني او عربي ان يتصرف بالطريقة نفسها ويضع قدماً ويكرسها في اقرب موقع الى المدينة المقدسة حتى وان كان اي موقع في فلسطين لا يمكنه ان يشكل بديلاً منها".