بقيام "جمعية القاهرة للسلام"، كاطار تنظيمي مُشهر، لم يعد مثقفو التطبيع العرب مع إسرائيل في حاجة إلى امتطاء منابر الآخرين لبث خطابهم. أضحى لهم ناديهم الخاص، وكان هؤلاء يعملون من قبل بقوة الدفع غير الذاتية، ينتظرون الحديث في مناسبات وملتقيات جماهيرية او نخبوية قد يدعون إليها أولا يدعون، وفق ظروف قليلاً ما يكون لهم شأن في اختيارها. المرجح الآن أن يختلف الوضع، صار دعاة التطبيع الثقافي - وغير الثقافي كما نتوقع بداعي التحزب - في موقع من يمكنه توجيه الدعوات واحياء الأمسيات وإعداد برامج الترويج لرؤاه، بناء على اجندته السياسية وغير السياسية. وثمة احتمال يصعب دحضه، أن يسعى اصحاب الجمعية وأنصارها الى استقطاب كثيرين، تحت عناوين النشاطات المتعددة الأبعاد والأهداف والمحاور التي يعدُ بها بيانهم التأسيسي. وإذا شئنا استشراف مستقبل هذه الحركة المؤطرة في ثوبها الجديد، ووقعها على الوسط الثقافي العربي، الرافض لها في سواده الاعظم، قد يجدر التذكير بأن طموحها الى التوسع والانتشار الافقي على الساحة العربية لا يقاس بضآلة حجم نواتها الاولى، فثمة مراكز بحثية بدأها من هم أقل عدداً، راحت تتمدد بوتيرة ملحوظة، على رغم علامات الاستفهام التي واكبتها عند النشأة. وتقديرنا أن هذه الجمعية، كسابقاتها، ستعمد اساساً الى استدعاء جمهورها من بين العناصر الشابة الشحيحة الخبرة بمعرفة خطورة خطابها الثقافي السياسي، فيسهل استقبال رسالتها بدافعي الفضول او طموح الافادة من فرص العمل في رحابها، علاوة على نفر من حملة المواقف الغائمة الرجراجة بين الفئات الثقافية والعمرية الاقدم، ونفر من مثقفي التقية الذين يبطنون تجاه فكر مؤسسي الجمعية غير ما يعلنون. والراهن أن الحركة الممأسسة لدعاة التطبيع الثقافي وتداعياتها الأبعد من حقل الثقافة، تطرح إشكالاً امام خصومهم في ما يتعلق برد الفعل المناسب الذي يتعين تحديده على عجل قبل أن يدور دولاب هذه الحركة. لعل الحل الأمثل في هذا السياق هو المقاطعة الكاملة لنشاطات المؤسسة العتيدة، ففي حال كهذه، يتحول هذا الاطار المؤسسي الى معزل لأصحابه، ييسر مهمة التعرف عليهم بحيث ينتهي بهم الامر الى صالون معتكف يحاور نفسه، لكن هذا الحل لن يتأتى بسهولة كما قد يوصف من المرجفين بالسلبية، وهناك حلول قد يجدر تلمسها يدور بعضها في فلك الاجابة عن تساؤلات بعينها مثل: هل تستجيب الاغلبية المرابطة لأعمال ودعوات التناظر الفكري المتوقعة؟ وأين؟ في عقر المؤسسة العتيدة أم في أماكن أخرى؟ وفي كل الأحوال، ستجد هذه المؤسسة وسيلة لنشر روايتها عن الصراع الصهيوني العربي. فماذا عن التصدي لهذه الرواية واستئصال انعكاساتها على اوساط جيلية لم يسعفها نصيبها الثقافي بمعرفة الحقيقة؟