هناك عبرة من مباريات كأس العالم من المناسب للجامعات العربية أن تستخلصها تتعلق بالمستويات وكيفية الوصول الى أعلاها والحفاظ عليها ونقلها من جيل الى آخر. العبرة هي ان المنافسة على صعيد عالمي تستلزم حضوراً وتفاعلاً مستمرين على صعيد عالمي أيضاً، وهو أمر، على ما يبدو، لم يدرك تمام الادراك بعد في الجامعات العربية إلا في عدد قليل منها. توجد دول غنية ودول فقيرة وهجرة أدمغة وهجرة "أرجل" ملازمة لهذه الثنائية، ولكن، في كأس العالم يعود اللاعبون الى بلادهم لتمثيلها بخلاف الأدمغة التي تستوطن في بلاد أخرى ولا تعود. لو نظرنا الى بعض الفرق التي تمثل بلاداً ليست غنية المغرب، الكاميرون، كرواتيا مثلا، نجد أن عدداً من لاعبيها يحترف اللعب في فرق أوروبية. وبالتالي، تمثيلهم لبلادهم لا يمثل الطاقة والأجواء وظروف العمل والتدريب المحلي، فهم يجلبون مستويات أماكن عملهم في الخارج الى فريقهم "الوطني"، ولكن لا يوجد في الواقع توطين لهذه المستويات، لأنها "من وإلى الخارج"، باستثناء مباريات كأس العالم. ما هي العبرة للجامعات العربية؟ أولاً، ان مستوى العمل الأكاديمي فيها، أي مستوى التدريس والكتابة والبحث والنقاشات الفكرية، والمستوى المعرفي والنقدي لأعضاء الهيئة التدريسية، لا يمكن أن يرتفع أو أن يجري الحفاظ عليه مرتفعاً من دون تواصل مستمر مع العلم ومراكز انتاجه، والأجواء الفكرية والعلمية والنقدية المرافقة والضرورية لاستمراره في مستويات غير متدنية. ومطلوب هنا تحقيق ما هو مرادف لتواصل لاعبي الفرق الوطنية الذين يعملون في الخارج، ولكن من دون الهجرة. وهذا ممكن من ناحية المبدأ بتوفر شروط أهمها الانعتاق من "المحلية" كنزعة نفسية وفكرية، والنظر الى الذات من منطلق عالمي غير متقوقع على الذات، وانعكاس ذلك مؤسساتياً في الجامعات، في الحوافز والمنافع المتاحة. يستلزم هذا التواصل مع مراكز العلم أينما وجدت، في الشرق أو في الغرب، نقل الأجواء الفكرية والعلمية والنقاشات الجادة والنقدية الى الجامعات العربية والى منتديات العلم والفكر المحلية، بحيث يكون التواصل مستمراً بين مراكز العلم والفكر أينما وجدت وبين الانتاج الفكري والعلمي المحلي. صحيح أن هذا يتطلب مقومات مادية وبنية تحتية معلوماتية ومرافق حيوية أفضل مما هو موجود في معظم الجامعات العربية. لكن جوهر الموضوع هو أنه حتى وان توفرت هذه المقومات فلن تتحقق الأهداف المشار إليها من دون توجه مؤسساتي ينعكس في توجه مماثل لدى أعضاء هيئة التدريس، وينعكس أيضاً في عملهم ونشاطهم وأدائهم. وهناك أمثلة لدول توفرت فيها المقومات لكنها لم تتمكن من الوصول الى نهائيات "كأس العلم والفكر" حتى وان وصلت الى نهائيات كرة القدم بفعل مسعى لتوطين مهارات جُلبت من الخارج، ولا بأس في هذا، على أن لا يقتصر على كرة القدم ويجري استثناء العلم والمعرفة. ما لم يتم ذلك، سنبقى خارج نطاق نهائيات كأس العلم والفكر وربما لن نتمكن من اجتياز المرحلة الأولى في التصفيات، ونحن على عتبة القرن الحادي والعشرين. * عميد كلية الدراسات العليا في جامعة بيرزيت - فلسطين