لم يسبق أن أقمت في بريطانيا لكي اضع تصوراً شخصياً لنظامها القضائي، ولكنني استطيع ذلك تجاه الولاياتالمتحدة التي قضيت فيها ثلاث سنوات وبضعة اشهر للدراسة، وتابعت قضية اوجيه سيمسون الذي اتهم بذبح زوجته السابقة وصديقها وكلاهما من اصحاب البشرة البيضاء. حوكم سيمسون في اجواء محمومة ألهبت اميركا كلها حيث انقسمت الى فريقين: أبيض يرى ان سيمسون هو القاتل الآثم بينما يرى الفريق الاسود ان السادة البيض يريدون ان ينكصوا مرة اخرى الى اجواء الماضي المرير حيث تزهق ارواح السود والملونين لمجرد انهم غير بيض. استشهادي هذا انما هو لمحاولة الربط بين ما يجري من صراع الآن بين ليبيا من جهة والولاياتالمتحدة الاميركية وبريطانيا من جهة اخرى حيث تطالب الاخيرتان ليبيا بتسليمهما اثنين من المتهمين الليبيين لمحاكمتهما في احدى الدولتين بتهمة تفجير طائرة اميركية سقطت على ارض اسكوتلندا مخلفة اكثر من 200 من الضحايا. في وجهة نظر متواضعة اؤيد بقوة تسليم ليبيا هذين المتهمين الى اميركا ليحاكما هناك، ولدي جيش من القرائن التي تؤيد موقفي. لكي اوضح ما أعنيه اعود مرة اخرى الى قضية اوجيه سيمسون التي انتهى الحكم فيها الى اعتباره غير مذنب ايضاً غير بريء ما أدى الى سقوط القضية ضده. اقيمت بعدها محاكمة طالبت فيها اسرة القتيل غولدمان بتعويض مدني من سيمسون. وصدر الحكم للاسرة بتعويض يتجاوز 30 مليون دولار، وهذا الحكم لا يمكن ان يصدر بحق انسان ترى المحكمة انه بريء. ما اهدف اليه هو استغلال هذا التناقض الذي لا يتأتى لو تمت المحاكمة في بلد من بلدان العالم الثالث حيث يستطيع القائمون انتزاع اعتراف من الرجل بأنه حامل في شهره التاسع لو أرادوا. لذا عندما يتجه المتهمان الليبيان الى الولاياتالمتحدة ونحن نفترض برءاتهما فانهما في اغلب الاحوال سينالان البراءة، فما الذي يدعو المحلفين الى ادانة ابرياء؟ ولو تصورنا ان اميركا ستدينهما منذ الآن، فإننا نعني بذلك ان هناك مؤامرة ستتم بين الحكومة الاميركية والاستخبارات والقضاء والاعلام حيث يجب ان يقتنع كل هؤلاء بإدانة المتهمين، وحتى اذا حدث فهذا لا يعني بالضرورة ان يقتنع المحلفون. والايجابي بالنسبة الى ليبيا هو المحامون الاميركيون الذين باستطاعتهم انتشال قاتل من ورطته كانتشال الشعرة من العجين، فما بالك اذا كان هذان الاثنان كما تقول ليبيا ونقول نحن ابرياء؟ والحقيقة انه لا سبب وجيهاً لتمتنع ليبيا عن تسليم المتهمين الا اذا كان مفهوم السيادة ماركة مسجلة يتبادلها العراق وليبيا بينما بعض مواطنيهما يموت بسبب التعنّت بهذه السيادة. اخيراً لن تستطيع اميركا ان تدين المتهمين اذا كانا بريئين