تحدثت أمس عن أخطاء القضاء البريطاني الكثيرة والمتكررة ما يبرر رفض ليبيا تسليم المتهمَين في سقوط طائرة الركاب الأميركية فوق لوكربي للمحاكمة في اسكوتلندا، وأكمل اليوم بأسباب عدم محاكمتهما في الولاياتالمتحدة. لعل أحد أهم الأسباب مبدأ في القانون الأميركي اسمه Forum Non Conveniens، وخلاصته ان محكمة لها حق النظر في قضية معروضة عليها تستطيع رفض النظر في هذه القضية اذا رأت ان العدالة ستكون متوافرة أكثر في محكمة أخرى. وأمامي أمثلة كثيرة، الا انني أكتفي بواحد واضح ومناسب، وهو قضية طائرة من نوع بايبر، فقد قتل مواطنون اسكوتلنديون في حادث سقوط طائرة من هذا النوع في بريطانيا، واختار أهالي الضحايا ان يرفعوا قضية ضد شركة بايبر التي صنّعت الطائرة، وكذلك ضد الشركة التي صنّعت محركاتها المروحية. وكان كل المتهمين أميركيين ومن حق محكمة أميركية محاكمتهم، الا ان المحكمة العليا الأميركية استخدمت المبدأ المذكور آنفاً، وقررت ان من الأفضل ان تجري المحاكمة في بريطانيا حيث سقطت الطائرة وحيث يوجد حطامها والشهود والخبراء الذين حققوا في الحادث. واخترت حكماً في قضية طائرة أميركية في بريطانيا لما فيه من تشابه مع قضية طائرة لوكربي، ولكن ثمة أمثلة كثيرة على استعمال هذا المبدأ القانوني، وهو يؤكد ان من الأفضل محاكمة المتهمين الليبيين في اسكوتلندا حيث وقع حادث الطائرة الأميركية الرحلة بان آم 103 سنة 1988. غير انني كنت سجلت أمس عدداً كبيراً من أخطاء المحاكم البريطانية ما يجعل محاكمة المتهمين في اسكوتلندا محفوفاً بالأخطار، فاكتفي من هذا المبدأ القانوني الأميركي بما سجلت، وأكمل اليوم بأسباب أخرى ضد محاكمة المتهَمين الليبيين في الولاياتالمتحدة. أهم الأسباب الأخرى، وهو في أهمية السبب الذي بدأت به، ان القانون الأميركي يضمن للمتهم حق نقل محاكمته من مكان ارتكاب الجريمة المزعومة، اذا كان الرأي العام ثائراً عليه، وهناك خطر الا يلقى محاكمة عادلة، خصوصاً ان الناس وربما المحلفين دانوه وحكموا عليه في عقولهم. ومرة اخرى فأشهر مثل معروف هو محاكمة تيموثي ماكفي في دنفر بولاية كولورادو، بتهمة تفجير مبنى حكومي في أوكلاهوما سيتي. وقد دين ماكفي بتهمة القتل مع سبق تصور وتصميم، ولكن زميله في التهمة تيري نيكولاس دين بالقتل من درجة أخف، ما ينقذه من الاعدام. ولا يكاد يمضي يوم في الولاياتالمتحدة من دون طلب متهم نقل محاكمته الى مكان آخر لضمان حصوله على محاكمة عادلة بل ان بعض الشركات قد يطلب مثل هذا الحق، وأمامي مثل هو قضية رفعت على شركة ميريل لينش المالية الكبرى في منطقة لوس انجليس، فطالبت الشركة السنة الماضية بنقل المحاكمة الى اريزونا لأن اجواء كاليفورنيا مسممة ضدها، ولا يمكن ان يوجد محلفون غير متحيزين لمحاكمتها. واذا كانت شركة أميركية هائلة تخشى من عدم حصولها على العدالة في بلدها، فكيف يحصل عليها مواطنان اجنبيان مسلمان؟ لن أثقل على القارئ بأمثلة أخرى في هذا المجال، وانما أكمل بحقيقة معروفة في الولاياتالمتحدة فالمتهم الأسود تصبح ادانته بين 4 مرات الى 11 مرة اكثر احتمالاً اذا كان الضحية شخصاً أبيض، منها لو كان الضحية أسود. وفي رأيي فالمواطن الليبي سيكون له مثل حظ المتهم الأسود أمام العدالة الأميركية أو أقل. ووقعت خلال جمعي المعلومات لمقالَيْ أمس واليوم على مثل مضحك الا لصاحبه عن العدالة على الطريقة الأميركية، فقد بقي دنيس وليامز، وهو أسود، 17 سنة في السجن في شيكاغو بانتظار اعدامه في جريمة أصر على انه لم يرتكبها. ثم اختار استاذ قضيته ليدرسها طلابه، ووجد الطلاب فوراً ان الشهود كذبوا، وان البوليس كتم معلومات، وان هناك رجلاً يقول انه ارتكب الجريمة الا ان البوليس لا يريد ان يسمعه. وخرج وليامز من السجن في ايلول سبتمبر الماضي. وقلت أمس وأعيد اليوم ان القانون الأميركي والبريطاني عظيم ومتقدم، ومن دلائل عظمته انه يضمن المحاكمة حيث تخدم العدالة، وانه يحمي المتهم من رأي عام ضده في مكان ارتكاب الجريمة وكل هذا ينطبق تماماً على المتهمَين الليبيين. ولعل الحكومة الليبية تدرك قوة حجتها، ضمن قوانين بريطانياوالولاياتالمتحدة فتمضي في الطرق القانونية، لأن محاولة رفع العقوبات على أساس قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي نوع من العبث، مع وجود الفيتو الأميركي والبريطاني في مجلس الأمن. واذا كان صحافي يستطيع ان يجمع ألف دليل، فلا بد ان هناك اضعافها مما يؤيد موقف ليبيا.