هرالد، مدير احدى شركات التأمين الكبرى، وزوجته، الطبيبة، كلوديا، عزلهما نجاحهما المهني والاجتماعي عن بيئتهما وأعاقهما. كانا استطاعا ان يظلا مستمرّين في حياتهما الهادئة المنظمة لولا ان صادفتهما تلك المحنة. في أمسية يوم الجمعة 18 حزيران، 1996، أتى اليهما صديق لابنهما ليبلغهما بأن "شيئاً يصعب تخيّل هوله قد حدث". لقد أطلق ابنهما دنكان النار على رفيقه فأرداه. دنكان اعترف بجريمته بعد اعتقاله وضبط بندقية القتل التي كانت مرمية في الدغل المجاور للبيت. ينبغي على الاب والام ان يتحركا الآن، أي ان يعيدا الصلة التي انقطعت مع ابنهما البالغ 29 عاماً، المقيم خارج البيت الأبوي. عليهما ان يعيدا الصلة المنقطعة إذن، مع ابنهما، القاتل والسجين هذه المرة. رواية نادين غوردايمر "بندقية المنزل" تتناول مشكلة الاهل وكيفية مواجهتها المهنة. الابن القاتل السجين لا يحضر الا كموضوع اذ لا تقع ابداً على وصف للزنزانة التي أودع فيها أو على أي تفصيل من تفاصيل حياته في السجن. فقط غرفة الزيارة، تلك التي يلتقي فيها أبويه من دون ان ينطق بشيء ينمّ عن حاله. كأن الرواية تركت للرجل والمرأة اللذين يبدوان كأنهما يتعرّضان لامتحان لا يملكان من عدة اجتيازه شيئاً. لقد عزلهما نجاحهما المهني والاجتماعي وأعاقهما. أو انه اكسبها اخلاق الناجحين، أولئك الذين يعيشون حياتهما كأن من اجل الوصول بها الى تبني الموقف العدالي الكامل. كأ الحياة التي يعيشانها ليست الا تمرينا على حسن الاختيار واتخاذ الموقف الصحيح. هرالد، مدير الشركة المرموق، يفعل ذلك من طريق قراءته للكتب والهبوط منها على المشكلات السياسية لمجتمع جنوب أفريقيا الذي هو واحد من أهله البيض. لا يستطيع الا ان يكون سابقاً مجتمعه في مسائله الكثيرة التي بينها التمييز العنصري والموقف من الاعدام وحتى المثلية الجنسية. انه في الشوط المتقدم حتى لكأن بلده يتبعه أو يتبع قناعاته في اثناء تحوله نحو ما يتلو الغاء التمييز العنصري. لكن افكار هرالد ومواقفه خالية خلواً تاماً من اي فعالية. ليست الا كسباً شخصياً حققه الرجل الناجح المرموق من اجل نفسه فقط. كأن ما تقدم فيه مقفل عليه في خزامة أو في ذاكرة حاسوب بيتي. كلوديا، زوجته الطبيبة، لا تختلف عنه في ذلك اذ هي لا تفرّق ابداً بين مرضاها لكنها، في الوقت نفسه، لا تقيم اي صلة معهم تتعدى ما يحتاجونه لعلاجهم. ثم انهم، في وقت عملها الحاسم، يكونون مخدّرين غافلين عن وجودها فوق اجسامهم. هي مثل زوجها ترى ان الوصول الى اتخاذ المواقف العادلة غايته انسجام المرء مع نفسه. عندما ارتكب ابنهما جريمته ارتدا معاً الى ماضيهما، أو الى ماضي علاقتهما، ليتبينا أين أخطأ في تربيته. وفي اثناء ما كانا يستعيدان ذلك في الرواية جعلا يتساجلان بمواقف اخلاقية لا بحوادث وأفعال. أو انها مواقف أخلاقية مجردة من كل ما ينبغي ان ترتبط به من حوادث أو واقعات. وفي ما كانا ينزويان منفردين في بيتهما أخذ كل منهما يستعيد طبائع سواه. كلوديا ترى ان ايمان الاب الزائد هو ما قوّى عند ابنه "نزعة الكتمان والميل الى العقاب. اما هرالد فيقول بان الابن، هكذا بما يشبه الاستخلاص الذهني، كان ينبغي له ان يلقي في تربيته عناية أبيه وأمه معاً، وهذا ما لم تفعله هي بانغماسها في عملها. رواية نادين غوردايمر تظهر الأبوين مسجونين في تصورهما المثالي لكيف يجب ان تكون حياتهما. الصدمة التي زجهما فيها ابنهما أظهرت لهما كيف ان ما حققاه وما عرفاه لن يفيدهما في شيء. في فصول الرواية المتعاقبة ظهرا كما لو انهما ضيفان مرتبكان في الأمكنة جميعها التي اضطرتهما الجريمة ان يترددا اليها: غرفة الزيارة في السجن، قاعة المحكمة، مكتب المحامي موتساماي، الأسود الذي، في صفحات الرواية كلها، بدا كما لو انه يبذل لمهنته طاقة تتجاوز النجاح في المهنة الى اثبات الاهلية. موتساماي هذا تحوّل الى حاضن للأبوين في محنتهما على نحو يكاد يذكّر بتحوّل أفريقيا الجنوبية الى قيادتها الجديدة. وحين بدأت المحاكمة في حضور القضاة والمدعين والمحلفين، بدا هرالد وزوجته أضعف الناس حيلة الى حدّ انهما لم يُدعيا حتى الى الشهادة، هذا فيما موتساماي يظهر في براعاته في صولات جعل يبذل لها قوة عقله وجسمه ايضاً. ربما انحازت نادين غوردايمر الى جهة الاهل الذين هم، في حالة هرالد وكلوديا، أقرب الى ان يكونا في طرف الحدث لا في قلبه، مثلما هو ابنهما دنكان. هذا الانحياز ربما كان مجال التناول الذي تستطيعه الروائية غوردايمر اذ تجد نفسها في موقع الاهل، عمراً وموقفاً ونازعاً الى الحكمة والابتعاد عن الفعل والقرب من تلقيه. وكان هذا الانحياز كاملاً ومتمادياً حيث ذهبت الروائية الى التفكير، روائياً، بمنطق ذلك الانحياز فكان ان أدخلت البرودة الزائدة الى حرارة النص الروائي. في العقل الذي يدار بحكمة الكهول هناك ميل الى المسالمة كأن تنتهي المحكمة الى اعلان حكم مخفّف على الابن القاتل. سبع سنوات فقط سبقتها صفحات كثيرة. مملوءة بمخاوف حول مصير الابن ومصير الأبوين معه. كأن غوردايمر نزعت شوكة الدراما من روايتها فجعلت فيها، برغم قربها من مسائل افريقيا الجنوبية كلها، برودة حكايات الجدات التي يروينها قرب الاسرّة. طبعاً لن تفيد استعارة الكاتبة لتلك الجملة من توماس مان التي تقول ان القاتل وضحيته "يتقاسمان سراً يربط بينهما"، وانهما قريبان لصيقان "ينتمي احدهما انتماء كاملاً للآخر". الشاب دانكان، بحسب غوردايمر، سيظل حاملاً وزر فعلته. هذا ايضاً يقع في الرواية موقعاً غير روائى، والكاتبة بدت به كأنها تضيف كمية عقاب اخرى على كاهل الشاب القاتل، اذ ربما كان حكم القضاء قليلاً ولا يفي بغرض الروايات. NADINE GORDIMER THE HOUSE GUN FARRAR, STRAUS AND GIROUX 1998 - 293 P.