تشتبك تركيا حالياً مع كل جوارها أو مع فئات فيه. بعض هذه الاشتباكات قديم يعود إلى مراحل تاريخية سابقة، وبعضها مستجد يتعلق بالظروف الحالية التي تمر فيها منطقة الشرق الأوسط. هذا الاشتباك التركي اتخذ طابعه العام منذ شهور قليلة، وربما مع بداية الحركة الاحتجاجية السورية التي اعتبرتها أنقرة أنها جزء من الوضع الداخلي التركي. أي بدأ هذا الاشتباك منذ أن أدركت تركيا أنها جزء من تعقيدات المنطقة ومشاكلها التي قالت يوماً إنها ترغب في تصفيرها. فإلى النزاع التقليدي مع اليونان في بحر إيجة، ومضاعفاته في قبرص، تواجه أنقرة نزاعاً مع جزيرة أفروديت على ثروات الطاقة في المتوسط، وصولاً إلى التهديد بإرسال قوات بحرية إلى المنطقة التي تقول إنها تتنازع عليها مع الجزيرة الجارة التي لا تعترف إلا بالجمهورية التي أقامتها في جزئها الشمالي. وقبل أزمة الغاز مع قبرص، هددت أنقرة بالانسحاب من المحادثات مع الاتحاد الأوروبي إذا تولت قبرص الرئاسة الدورية للاتحاد السنة المقبلة. وذلك على رغم توقها إلى الدخول في هذا الاتحاد. وقبل الأزمة الأخيرة مع قبرص، طردت أنقرة السفير الإسرائيلي، على خلفية هجوم الكوماندوس الإسرائيلي على السفينة التركية ومقتل أتراك على متنها. كما هددت بإرسال سفن حربية لحراسة أي سفن تركية قد تنقل مساعدات إلى قطاع غزة. أي أن أنقرة هددت باللجوء إلى القوة المسلحة، في أزمات انفجرت مع أطراف يفترض انتماؤها العسكري إلى معسكر واحد مرتبط بالحلف الأطلسي الذي هي عضو فيه. وعلى امتداد الساحل المتوسطي جنوباً وصولاً إلى مصر، تركت زيارة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان القاهرة مرارة لدى الإسلاميين المفترض أنهم يشاطرونه المرجعية الأيديولوجية، بسبب تصريحاته عن الإسلام والديموقراطية. وإن كان لم يهدد بالقوة في هذا المجال كان رد الإسلاميين عليه عنيفاً إلى حد لفته إلى أن عصر الخلافة العثمانية ولّى. أما في بر الشرق الأوسط، قالقوات التركية مشتبكة مع حزب العمال الكردستاني، ليس داخل الأراضي التركية فحسب وإنما في الجوار العراقي حيث التصعيد العكسري ما زال أداة التعامل الوحيدة مع هذه المسألة. مع كل ما ينطوي عليه ذلك من تراكم للحساسيات مع إقليم كردستان - العراق وحتى مع السلطة المركزية في بغداد. خصوصاً إذا جرى تنفيذ التهديد بعمليات برية داخل العراق. وإلى الشرق انفجرت أزمة مع طهران، تتعلق بموافقة أنقرة على استضافة رادار الحلف الأطلسي المضاد للصواريخ الإيرانية، مع تبعات هذه الموافقة على الجار الروسي الذي يرفض نشر مثل هذه الصواريخ، ويعتبرها إخلالاً بالتوازن معه. علماً أن أنقرة سعت يوماً إلى التوسط في الملف النووي الإيراني وقدمت اقتراحات إلى الغرب للخروج من المأزق. ومع التوتر الجديد مع طهران، وزيادة حدة المواجهة مع حزب العمال الكردستاني، تجد أنقرة نفسها تنغمس أكثر فأكثر في صراع ساحته العراق، مع كل ما يعنيه ذلك من مواجهة غير مباشرة مع إيران في هذا الجزء من الشرق الأوسط. مع العلم أن الاستثمارات التركية هي الأكبر في كردستان - العراق. وعلى الحدود الجنوبية، تتأزم العلاقة مع سورية أكثر فأكثر حتى إنها انقطعت عملياً، وفق ما أعلن اردوغان نفسه. وذلك بعدما لعبت أنقرة دور الوسيط بين سورية وإسرائيل لتحريك عملية السلام بينهما. وثمة اتهامات اليوم في دمشقلأنقرة، أو اشتباه على الأقل، بأنها قد تلعب دور القاعدة الخلفية في عمليات خارجية محتملة ضد الحكم السوري. بما ينقل التوتر السياسي إلى صعيد عسكري. هكذا انفتحت الديبلوماسية التركية الجديدة تحت شعار «صفر مشاكل»، والتي أطلقها وزير الخارجية أحمد داود أوغلو، على المنطقة بتفاؤل كبير بإمكان تعاون اقتصادي وتنموي وانفتاح سياسي وحل سلمي للمشكلات المتراكمة. وعندما انغمست هذه الديبلوماسية في واقع المنطقة وجدت نفسها في خضم كل مشاكلها، وباتت طرفاً في كل نزاعاتها وصولاً أحياناً إلى التهديد بالقوة لأصدقاء الأمس. ولم تنفع أنقرة استخدام فكرة بسيطة في شرق معقد، خصوصا عندما رغبت في أن تكون جزءاً منه.