بعد انتهاء الاحتفال الرسمي بأبي الهول، حملت أوراقي وذهبت إليه بنية اجراء حوار معه. قلت له: يا أبا الهول، أي هول اصابك؟ قال ابو الهول: الحمد لله على أي حال وعلى كل حال.. هل سنأخذ زماننا وزمان غيرنا؟ قلت له: في صوتك رنة يأس. قال: اليأس إحدى الراحتين. قلت له: ألم يعجبك الاحتفال؟ قال: اعجبني ولكنه ذكرني بأسبابه. قلت: عن أي أسباب تتحدث؟ قال: اتحدث عن حالتي الصحية، عن العملية الجراحية التي وقعت لي، كم تستغرق عملية جراحية عند البشر، ساعة أو ساعات، لقد استغرقت عمليتي الجراحية عشر سنوات. قلت: معلهش، على قدر أهل العزم تأتي العزائم. قال: كلامك لا يصل الى سمعي، ربما بسبب الرياح وربما بسبب امراض الشيخوخة. قلت له مشجعاً: أي شيخوخة يا أبا الهول، نحن نراك فنرى الأبدية، ونتحدث عنك فنتذكر الخلود، لقد لبثت في موقعك هذا ما يقرب من خمسة آلاف سنة. إنك تملك جسد أسد ورأس إنسان، رمزاً لقوة المصري وحكمته، كيف تشكو وأنت بهذا المجد؟ قال ابو الهول: أي مجد؟ قلت: مجد الخلود!! قال ابو الهول متمتماً: يبدو أنك كالبشر لا تخلو من حماقة، عن أي خلود تتحدث؟ لا خلود لشيء على الارض، ألم تسمع أن كل من عليها فان؟ قلت: يبدو أن حالتك النفسية سيئة، احياناً يدفعنا حب الناس ومحاصرتهم لنا بالاعجاب الى بئر الاحساس بالوحدة، والاغتراب، أم أنك متواضع لهذا الحدظ قال: لست متواضعاً ولست مخدوعاً في الوقت نفسه بالخلود، لقد حدثتك أنه لا خلود لشيء على الأرض، كل ما يصنعه الانسان مصيره الى الزوال. لقد راقبت وأنا مجرد جزء في الجبل محاولات الفنانين الذين عكفوا على صنع تمثالي عشرات الليالي ومئات الأيام، راقبتهم وهم ينحتون الحجارة ويشكلونها، وراقبتهم وهم يموتون. ان الانسان يغمض عينيه في نهاية الأمر ويموت، مات الملك الذي أصدر أوامره السامية ببنائي، ومات الملك الذي بنى تحفة هندسية هي أعظم مقبرة في التاريخ. مات صاحب الهرم الأكبر، وكان المفترض أن هذا الهرم الهائل المحكم قد اعد أساساً ليحفظ جثمانه بعد موته، ولكن الجثمان تعرض للسرقة. وشاهدت اللصوص وهم يسرقون الاكفان وما عليها من جواهر وذهب، ولم افتح فمي بكلمة، حاولت أن اتكلم ولكن لساني الحجري لم يطاوعني على البوح. ان الهول الذي شهدته هو الذي منحني اسمي، وما رأيته في آلاف السنوات اقنعني بأنه اذا كان الكلام من فضة فإن الصمت من ذهب، ثم تأتي أنت لتحدثني عن الخلود. أي خلود تقصد أيها الانسان الفاني؟ ثمة شيء واحد يبدو لي خالداً، هذا الشيء هو الزمان، انه يضرب كل شيء ويعلو على كل شيء ويغير كل شيء ويحيل الحجارة الى مسحوق يشبه تراب الأرض. يبدو الزمان لنا خالداً، ولكن من يدري، ربما يجيء يوم على الزمان فيلفظ أنفاسه هو الآخر. لم أعد واثقاً من شيء، ولا عدت استطيع أن اقطع بشيء. قلت له: يا أبا الهول، انني أعرف داءك وأعرف دواءك، أنت في حاجة للحبة الزرقاء. قال ابو الهول: وما الحبة الزرقاء؟ قلت له: هي حبة يسمونها الفياجرا، وهي تعيد الشباب على رغم المشيب، وتجعل الدم يتدفق في العروق ساخناً حاراً كدم الشباب، باختصار... ستعيدك الحبة خمسة آلاف سنة الى الوراء، ما رأيك؟ قال ابو الهول: اذا كنت واثقاً أنها تعيد الشباب فعجّل باحضارها ولا تتوانى في ذلك... فلا يرفض الشباب إلا الأحمق، يستوي في ذلك الحجر والبشر.