بدعوة من خريجي الجامعة الاميركية في بيروت، ألقى الصحافي والكاتب البريطاني روبرت فيسك محاضرة في قاعة الجمعية البريطانية للجغرافيا في لندن تحت عنوان: "يعاد الى مرسله: تجربة صحافي في الشرق الأوسط". غير مرة خلال المحاضرة التي القاها مساء أول من امس وتخللتها عروض مشهدية فيديو، اعلن فيسك وفاة اوسلو ودفنه. الا انه ركز على نقطة جوهرية تتعلق بضرورة معرفة الصحافي التاريخ، لئلا يكون مجرّد ناقل لحدث يجهل خلفيته وأبعاده. وروى فيسك حادثة وقعت في جنوبلبنان خلال الأيام الأولى لعملية "عناقيد الغضب". والحادثة التي سبقت مجزرة قانا بثلاثة ايام، سقطت فيها ست ضحايا من قرية المنصوري، عندما طاردت سيارة الاسعاف التي نقلتهم الى صور هرباً من القصف الاسرائيلي، طائرة هليكوبتر اسرائيلية اطلقت على السيارة قذيفتين أصابتها احداهما مباشرة ولم تنفجر الثانية. وصادف وجود كاميرا فيديو مع صحافية من وكالة "رويترز" في مكان الحادث، فالتقطت المشاهد المروّعة التي عرضها فيسك من دون قطع، كما حدث لدى نقلها على شاشات التلفزيون الأوروبية، ومن دون ردع كما كانت الحال بالنسبة الى الشاشات الاميركية. حمل فيسك شظية من القذيفة القاتلة وأخذها الى مصنع الأسلحة المنتج في الولاياتالمتحدة. وأورد بالتفاصيل مسار الحوارات العبثية مع تجار السلاح الاميركيين ومصنعيه. وكشف اخيراً ان تلك القذيفة لم تكن مباعة لاسرائيل، بل مهداة اليها من البحرية الاميركية وجزءاً من 98 الف قذيفة مماثلة انزلت في ميناء حيفا بعد حرب الخليج لتنضم الى الترسانة الاسرائيلية. ثم كشف كيف "تغرف" اسرائيل بلا حساب من الترسانتين الاميركية والأوروبية. وفي مقارنة لم تخلُ من سخرية لاذعة، اظهر فيسك مدى انحياز الاعلام الاميركي الى اسرائيل ولو على حساب اصول المهنة وأساسيات المنطق. وأجرى مقارنة اخرى لتأكيد النقطة نفسها تناولت مجازر الاتراك للأرمن عام 1915، وكيف يعرضها الاميركيون وفق الاستراتيجية التركية الهادفة الى طمس الحقيقة والتسويف في المسؤولية، لمجرد كون تركيا "الحليف الثاني لواشنطن في المنطقة". وانتقد فيسك "التذبذب" العربي حيال محرقة اليهود في العهد النازي، وعرض مقطعاً من حلقات برنامجه "من بوسنيا الى بيروت" حذفه التلفزيون اللبناني، ثم عاد فعرضه بعد اصرار فيسك شخصياً. والمقطع يوازي بين ما حصل لفلسطيني على ايدي الصهاينة وليهودية على ايدي النازيين. وفاجأ فيسك الحشد بقوله ان كتابه عن حرب لبنان "ويل لأمة" ممنوع من التداول في لبنان، بينما اعيد طبع "كفاحي" لأدولف هتلر وتوزيعه. وعرض على الشاشة مشهداً من داخل بيت احد الساسة اللبنانيين، وعلى المكتب صورة "الفوهرر" بالأبيض والأسود!