شهدت جزيرة بالما دي مايوركا الاسبانية في 20 و21 نيسان ابريل الماضي اجتماعات المنتدى الأوروبي المتوسطي الخامس، بحضور وزراء خارجية 11 دولة عربية وأوروبية. وهذه الدورة هي الخامسة في عمر هذا المنتدى، الذي بدأ فعالياته بدورة الاسكندرية عام 1994، بهدف خلق مساحة جغرافية من التعاون والحوار. وكان الاتفاق بين تلك الدول على ان يتم عقد الاجتماعات التالية بالتبادل بين دول شمال البحر المتوسط وجنوبه، اي ان يجري عقد دورة في دولة تنتمي الى منطقة دول جنوب المتوسط العربية، ودورة في دولة اوروبية متوسطية. ناقشت الدورة الجديدة العديد من المواضيع المهمة لكل البلدان المطلة على البحر المتوسط شمالاً وجنوباً، وفي مقدمتها مكافحة الارهاب الذي يعتبر من اخطر التحديات، التي تواجهها كل دول العالم تقريباً، اضافة الى بحث الوضع المتردي الذي آلت اليه "عملية السلام" على المسار الفلسطيني - الاسرائيلي، التي وصلت الى طريق مسدود يهدد بعودة العنف الى منطقة الشرق الأوسط. دارت المناقشات في هذه الدورة الجديدة بين مسؤولي الدول المشاركة في المنتدى على ثلاثة مستويات: وزراء الخارجية، والخبراء في المجالات المختلفة، ولقاءات بين كبار موظفي الادارات في وزارات الخارجية في الدول المشاركة. وأكد اكثرهم بعد اللقاءات ان الاهداف التي وضعها لقاء الاسكندرية عام 1994 لخلق منطقة من التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي، كانت مدار بحث الحاضرين الذين بذلوا الجهود من اجل وضع الاهداف موضع التنفيذ، خصوصاً وانه تم التحضير للمنتدى بشكل جيد في الاجتماعات الأربعة التي شهدتها مدينة الاقصر التاريخية في صعيد مصر، في شباط فبراير الماضي. وتضمن البيان الختامي عدة نقاط اهمها: - دعم مجموعة عمل الخبراء التي كانت تتناول الجانب الاقتصادي في المنتدى، التي وضعت خططاً لتطبيقها في الدول الأقل تقدماً في المنتدى، وتشمل الدول العربية المتوسطية، وذلك من خلال مشاريع مشتركة برؤوس اموال تقدمها دول الاتحاد الأوروبي، تمهيداً للوصول الى منطقة للتبادل التجاري الحر. - رفض الارهاب ونبذه على كل المستويات والعمل على التعاون من اجل مكافحته في المناطق التي يمارس فيها انشطته المدمرة. - العمل على دعم الحوار والتعاون بين الدول التي يضمها المنتدى لخلق منطقة أمن وسلام وحسن جوار، يكون الحوار طريقها الوحيد لحل المشاكل العالقة بينها. - التأكيد على جوانب الأمن والاستقرار والعمل على خلقهما ودعمهما من خلال التنمية الاقتصادية في الدول الأقل تقدماً. - دعم مسيرة السلام على المسار الفلسطيني - الاسرائيلي، من خلال التشجيع على الحوار بين الجانبين لتخطي العقبات التي تحول دون التوصل الى اتفاق. ويبدو ان كل التحليلات التي خرجت عن الدورة الجديدة لدول المنتدى المتوسطي الأوروبي تدور في الاطار الذي تمت فيه الحوارات السابقة من الاسكندرية الى هذا اللقاء في جزيرة بالما دي مايوركا. ويمكن مقارنة البيانات السابقة الصادرة عن تلك الاجتماعات بالبيان الاخير، لا فارق في المحتوى الى اعادة التأكيد على النقاط نفسها، بينما على أرض الواقع لم يتحقق شيء يذكر يمكن ان يشجع حتى على مجرد التفاؤل في امكان التوصل في يوم الى تحقيق بعض الأمل الذي كل شعار لقاء الاسكندرية الأول، وهو "تحويل البحر المتوسط الى بحيرة امن وسلام". وكان وزير خارجية الجزائر احمد عطاف اشار الى هذا خلال الزيارة التي قام بها حديثاً الى اسبانيا، حين اعلن ان أوروبا ترمي من اللقاءات مع دول جنوب المتوسط الى الحفاظ على امنها من دون النظر الى حاجة الآخرين الى اشياء اخرى يمكنها ان تحقق الأمن للطرفين. ويعتقد المحللون ان تصريحات الوزير الجزائري لها ما يبررها، لأن الكل يتفق على ان الازمة الاقتصادية في الجزائر ومصر تعتبر السبب الرئيسي لانتشار التطرف الذي يشجع على الارهاب. والدول الأوروبية لا تفعل شيئاً لمساعدة تلك الدول سوى اطلاق التصريحات والكلمات المنمقة من دون ان يصل ذلك الى وضع الخطط المتفق عليها موضع التنفيذ. فدول جنوب المتوسط لا تزال تنتظر ان تفرج اوروبا عن 4 آلاف و600 مليون ايكوس العملة الأوروبية المعمول بها حالياً، التي تم الاتفاق عليها في لقاء برشلونة عام 1995. وعلى رغم ان أوروبا تملك هذا المال في بنوكها، فان الدول الأوروبية المشاركة في المنتدى عادت الى ترديد النغمة ذاتها في محاولة للتملص من تنفيذ وعودها بادعاء الاجراءات البيروقراطية التي تعرقل خروج هذا المال من مكمنه على رغم مرور اربع سنوات على الاتفاق. فأوروبا تنتظر من دول جنوب المتوسط ان تتعاون مجاناً للحفاظ على امنها. ويتكرر الموقف نفسه من قضية السلام في الشرق الأوسط. فالوضع اصبح خطراً على كل المستويات، والجميع وفي مقدمتهم الدول الأوروبية يدرك من يعرض المنطقة للخطر. وعلى رغم ان الاتحاد الأوروبي له دور في الاقتصاد الاسرائيلي، ويمكنه ان يساهم في التخفيف من غلواء بنيامين نتانياهو لينفذ ما تم الاتفاق عليه مع الفلسطينيين، ووقع عليه هو شخصياً بالموافقة، تسوف الدول الأوروبية في مواقفها، ولا تريد ان تتخذ موقفاً حازماً من اسرائيل الطرف المسؤول عن ما آلت اليه الاوضاع بالنسبة لمسيرة السلام. ولا نسمع من الجانب الأوروبي سوى اعذار غير مقبولة. فهي مسؤولة عن تحقيق الأمن الاقتصادي والعسكري لاسرائيل، ومساعداتها مكملة للمساعدات الاميركية غير المشروطة، لذلك فان أوروبا تملك في يديها أوراقاً للضغط على اسرائيل، حتى لو رفضت الولاياتالمتحدة ممارسة هذا الضغط، لأن الانفجار في الشرق الأوسط سوف تصل نيرانه وشظاياه الى أوروبا قبل ان تصل الى الولاياتالمتحدة. وعلى رغم ان الدول الأوروبية تشدد دائماً على ان يكون مبدأ الحوار طريقاً وحيداً لحل المشاكل العالقة من المبادئ الرئيسية في التعامل بين الدول، ليس بين الدول الأعضاء في المنتد المتوسطي فقط، بل تعتبره مبدأ عاماً في السياسة الدولية، وتطالب الجميع الالتزام به، الا ان أوروبا تتجاهل هذا المبدأ عندما يتعلق الامر بقضية يمكن ان تضعها في موقف النقيض مع الحليف الاميركي. وقضية "لوكربي" التي تمس دولة عربية متوسطية لا تزال تجد الدول الأوروبية حساسية من التعامل معها من خلال الحوار، وفي اطار المنتدى، بل ان تلك الدول استطاعت ان تفرض على الدول العربية الاخرى تغييباً قسرياً لليبيا كعضو في المنتدى، على رغم ان مساحة سواحلها على البحر المتوسط أكبر من مساحة اي دولة اوروبية متوسطية. يكشف هذا الموقف عن النظرة المزدوجة التي تتعامل بها اوروبا مع غيرها من الدول. وهذه النظرة يمكن ان تضع كل الجهود الأوروبية من اجل خلق منطقة سلام وأمن وتعاون في البحر المتوسط محل شك الشركاء.