تعرفت الى نزار قباني شخصياً لأول مرة في ملتقى الشعر الحديث الأول سنة 1970 في بيروت. كنت آنذاك شاعراً شاباً قدم الى بيروت من القاهرة حيث كنت أعيش. شخصية جذابة تصافحني وتشدّ على يدي بعد ان ألقيت قصيدتي في الملتقى. نجلس نحن الشعراء الخمسة في صالة فندق نابليون في الحمراء نزار وأدونيس وحاوي وصلاح عبدالصبور وأنا. استمع اليه وهو يشكو ويتألم من حال الشعراء وحال الكتابة في الوطن العربي. أفرح لشهادته بشأن شاعريتي أمام الشعراء، فتمنحني شهادته قوة اضافية، يعلق المرحوم خليل حاوي مازحاً: "نزار يا عزالدين بخيل في الإدلاء بشهادات حول الشعراء، لهذا فإن شهادته مهمة، عليك ان تسجلها ونحن شهود". ذلك هو لقائي اليتيم الشخصي معه. لكنني كنت من قرائه الذين يحفظون معظم قصائده في الستينات. كان نزار الشاعر العربي الحديث الأكثر شعبية في الوطن العربي، لقد أوصل القصيدة الحديثة الى الشارع، بينما - اذا قورن مع بدر شاكر السياب - بقي السياب في اطار النخبة. أهم ما في نزار تلك البساطة المدهشة توليد الخصوصية المكانية، حيث نشم رائحة قاع الشام. وهو الشاعر العربي الأول الذي نقل موضوع المرأة من مرحلة عمر بن أبي ربيعة الى مرحلة عولمة المرأة. أما النقد العربي الحديث الهيروغليفي - كما كان يسميه فقد أنكر الاعتراف بحداثة نزار التي هي الأهم من بين الحداثات الأخرى. رحيل نزار، خسارة كبرى لقصيدة الحداثة.