الواصل الى مدينة بصرى الشام التاريخية من المدخل الشمالي القادم من دمشق تدهشه ورشة الاعمار الواسعة التي تشمل معظم مرافق هذا المنتجع السياحي المهم، والذي يضم مجموعة من الآثار الرومانية والبيزنطية والاسلامية التي لا مثيل لها في معظم انحاء بلاد الشام. وبعد جولة قصيرة في اطراف المدينة يتبين لنا ان ورشة الاعمار والترميم تشمل جوانب عدة وليس المدخل الرئيسي من جهة العاصمة السورية. ولعل الموقع الاستراتيجي الذي تحتله بصرى الشام على مفترق الطرق بين سورية وفلسطين والاردن ومنها الى السعودية يفسر الثروة الهائلة من الآثار والمعالم التاريخية المنتشرة في المدينة نفسها وفي العديد من القرى والبلدات الواقعة في الجنوب السوري الذي شهد في مراحل تاريخية متعاقبة الكثير من الامارات والممالك والامبراطوريات. غير ان ورشة الاعمار التي شهدناها في بصرى الشام، وتمثلت اساساً في شق الطرقات العريضة وتبليط الارصفة وزرع الاشجار المورفة على جوانب الطرق وتحسين الخدمات السياحية والترفيهية، لا تقتصر على هذه المدينة التاريخية وانما هي جزء من اتجاه عام تعيشه سورية حالياً ويعكس التركيز الذي يوليه القطاعان الخاص والعام للشأن السياحي بوصفه المجال الاكثر نمواً في الاقتصاد المحلي في هذه المرحلة. وفي موازاة الورشة الاعمارية التي تبدو بوضوح في الانشاءات العامة في بصرى الشام، فإن التحسينات ملحوظة ايضاً في فندق بصرى الشام التابع للشركة العربية السورية للمنشآت السياحية التي تعتبر الشركة السياحية الرائدة في سورية وتغطي نشاطاتها معظم المحافظات السورية وقاربت قيمة استثماراتها الفعلية حوالى 15 بليون ليرة سورية حوالى 300 مليون دولار، وأصبح لها خلال السنوات العشرين الماضية وجود فاعل وقوي في المناطق السياحية والآثارية كافة. ومع ان حصة سورية من السياحة العالمية لم تصل بعد الى المستوى الذي يتناسب والثروة الآثارية والترفيهية والسياحية في البلاد، فإن الشركة العربية السورية للمنشآت السياحية المالكة لسلسلة فنادق الشام في سورية استطاعت خلال السنوات القليلة الماضية ان تزيد من عدد السياح الاجانب الذين تستقدمهم في رحلات منظمة متكاملة، وبالتالي تمكنت من ان ترفد الاقتصاد السوري بمداخيل مهمة من العملات الأجنبية. وفندق بصرى الشام وهو أفخم فندق في جنوب سورية واحد من الفنادق التابعة للشركة، والتي تشهد الآن عمليات توسيع وتطوير جذرية الهدف منها زيادة القدرة الاستيعابية للسياح وتقديم افضل الخدمات وفق المواصفات العالمية. ولا يقتصر الامر على الفنادق فقط مثل فندق الشام في دمشق وآفاميا الشام في حماه وشهباء الشام في حلب وغيرها من الفنادق الفاخرة وانما يشمل كذلك الخدمات المساعدة كتأجير السيارات السياحية والباصات الفخمة وتنظيم الرحلات والمؤتمرات وما الى ذلك. وتعكس النتائج التي اعلنتها الشركة في دمشق اخيراً طبيعة النجاح الذي تحقق، وفي الوقت نفسه تؤشر الى الاتجاه المستقبلي الساعي الى تعزيز السياحة العربية البينية وكذلك زيادة اعداد السياح الاجانب الذين يقصدون المنطقة وجذبهم الى سورية المنفتحة على السوق السياحية العالمية بصورة متسارعة. فقد اعلنت الشركة العربية السورية للمنشآت السياحية ان ارباحها في العام الماضي بلغت 244 مليون ليرة سورية حوالى 5 ملايين دولار قررت توزيع نصفها على المساهمين بواقع 25 في المئة من القيمة الأسمية للسهم الواحد. وكانت الشركة عقدت اجتماع الجمعية العمومية السنوي في قاعة الامويين في "فندق الشام" برئاسة الدكتور عثمان عائدي رئيس مجلس ادارة الشركة، رئيس مجلس ادارة مجموعة فنادق "رويال مونصو" في فرنسا، وذلك في مناسبة الذكرى الثانية والخمسين لعيد الجلاء في سورية. وأكد الدكتور عائدي في كلمته ان مجلس الادارة عمل جاهداً منذ تأسيس الشركة لتغطية سورية بالمنشآت السياحية، وقام خلال اثنتي عشرة سنة بانجاز هيكلية متكاملة للمناطق الاثرية والترفيهية والسياحية واصبح للشركة وجود ونشاط فعلي في اكثر من ثلاثة ارباع المحافظات السورية. وأشار الى ان إحداث شركة منشآت سياحية تدعم السياحة الداخلية شجع القطاع الخاص على القيام بدوره الضروري والاساسي بايجاد اماكن اضافية لإقامة السياح بمستويات مختلفة وبشكل يتكامل معها. وشدد على الدور الحقيقي لشركات القطاع المشترك السياحي الذي يدعم القطاع الخاص ليأخذ دوره المرتقب في انفتاح سورية على السياحة العالمية والعربية والداخلية وذلك لانجاز وتحقيق خطة التنمية السياحية التي تقوم على التعاون ما بين القطاعات الثلاثة. وتوقع الدكتور عائدي تنامي السياحة العالمية من 550 مليون سائح العام 1996 الى حوالى البليون سائح بنهاية القرن العشرين، اما نصيب العالم العربي فتوقع له ان يزداد من 16 مليون سائح حالياً الى حوالى 35 مليوناً بنهاية هذا القرن. وابرز دور الشركة بعد ازمة الخليج الاخيرة، وتمثل ذلك باعادة الثقة للافواج السياحية التي كانت تزور سورية من خلال حملات الدعاية والمشاركة في الاسواق والمعارض السياحية الخارجية اضافة الى الحملات الاعلامية في الصحافة العالمية واستقبال البعثات الصحافية ووسائل الاعلام الأخرى بمناسبة إقامة معرض للآثار والثقافة السورية في معهد العالم العربي "سورية: ذاكرة وحضارة"، دام خمسة أشهر وجرى تمديده مرتين. وهذه الصورة التي رسمها الدكتور عائدي بالارقام التفصيلية، يجدها الزائر الى سورية ماثلة على ارض الواقع في معظم المناطق الآثارية والسياحية والترفيهية من بصرى الشام في الجنوب الى تدمر في الشرق مروراً بدمشق وحماه وحمص وآفاميا وصولاً الى اللاذقية وحلب في الشمال والشمال الغربي. ومما لا شك فيه ان مشاريع البنى التحتية تسير بوتيرة ملحوظة مترافقة مع مشاريع تكاملية تنفذها شركات القطاع الخاص او القطاع المشترك مثل الشركة العربية السورية للمنشآت السياحية. وليست بصرى الشام التي دخلناها ودهشنا لحركة الاعمار فيها الا النموذج المعبر عن مشاريع مماثلة في مختلف انحاء البلاد.