قبل خمسين عاما هاجر اهله من قريتهم لفتا غربي القدس الى الضفة الغربية كمئات آلاف الفلسطينيين في حينه. وبعد حرب 1967 انضم، كغيره من الشبان الذين فجعوا بالهزيمة، العام 1967 الى المقاومة الفلسطينية وسجنته اسرائيل وابعدته كالاف غيره ثم عاد مع عشرات الآلاف الذين عادوا الى الضفة الغربية وقطاع غزة بعد اتفاق اوسلو ليصبح محافظ رام الله وليس القدس او لفتا الا انه يقول "لن نجلس لنبكي على النكبة وانما الوطن هو ذلك الذي نبنيه". يتذكر مصطفى عيسى اللفتاوي الذي عرفه الفلسطينيون في الشتات وفي الداخل باسمه الحركي "ابو فراس" كيف كان يلعب في فناء بيته في يوم بارد في اواخر العام 1947 عندما دوى صوت رصاص وشاهد شابا يلبس معطفا يفر من امامه نحو الحي اليهودي المجاور ثم ذاع الخبر في البلدة ان شبانا يهود جاؤوا الى الحي بحافلة نزلوا منها وبدأوا باطلاق النار بشكل عشوائي على الجالسين في المقهى. ويقول: "كنت في العاشرة من عمري في حينه ولكني لا زلت اتذكر حتى اليوم وجه القتلى الثلاثة واحدهم ابن عمي بينما نجا والدي وشقيقي من المذبحة". واجتمع اهل البلدة التي لم يكن عدد سكانها يتجاوز خمسة الاف غير مسلحين وقرروا الاحتماء بشكل مؤقت في مناطق مجاورة. ويروي ابو فراس: "خرجنا مشيا على الاقدام من لفتا الى بيت حنينا شمال القدس ثم الى رام الله. كنا خمسين شخصا من عائلتنا بينما العائلات المتبقية قررت السير باتجاه مناطق اخرى. قال والدي سنحتمي عند عائلة خلف في رام الله حتى تهدأ الامور ونعود ولكن لجوءنا طال". كانت عائلة اللفتاوي تنتظر يوما بعد يوم العودة الى لفتا ولكن اللاجئين من انحاء مختلفة في فلسطين كانوا يتدافعون يوما بعد يوم الى رام الله ونواحيها، ينامون تحت الشجر وفي الحقول. ويقول ابو فراس "كان والدي من اصحاب الاموال والاراضي ككثير من الفلسطينيين في حينه ولكننا فجأة اصبحنا كغيرنا لاجئين نعيش بملابس ومؤن الصليب الاحمر الدولي". عندما طالت الهجرة استأجر والد "ابو فراس" منزلا ووضع ابناءه في المدارس ووضع مفتاح بيته في لفتا في مكان آمن حتى يحين موعد العودة. ويقول ابو فراس "كبرنا ونحن ننتظر جيوشا لتحررنا الى ان وقعت الكارثة وليست النكسة في العام 1967 وذهب أملنا بالعودة ورفض والدي الهجرة ثانية الى الاردن مع باقي العائلة واصر على البقاء في اقرب مكان الى لفتا حتى لو كان ذلك يعني موته". كان اكثر ما اثار "ابو فراس" عشية وقوع الضفة الغربية تحت الاحتلال الاسرائيلي هو "منظر اليهود يأتون سياحاً الى رام الله ليتفرجوا علينا ويغنون اغانينا ويأخذون الصور التذكارية امام سيارات اهالي رام الله الفارهة". عندها اتخذ قراره بالانضمام الى المقاومة وتحول من "لاجئ" الى "مقاتل" على يد مقاتل آخر يدعى ابو محمد. ويروي عن قصة التحول هذا: "كنا شبانا نبحث عن طريقة للمقاومة فعرفني صديقي هشام سعودي الى ابو محمد الذي كان ينظم شبانا في خلايا لمقاومة الاحتلال وتنقلنا معه سرا في انحاء الضفة الغربية الى ان القي القبض على هشام ضمن مجموعة فاطمة برناوي في ايلول سبتمبر 1967 وطلب مني ابو محمد التسلل الى الاردن والبقاء هناك ففعلت الى ان ارسل في طلبي من مكانه في دمشق". كان ابو محمد هو ياسر عرفات، وكانت رسالته العاجلة ضرورة تسلل "ابو فراس" بشكل عاجل الى الداخل ثانية لتنظيم العمل المسلح هناك فعاد الى ان القي القبض عليه بداية العام 1969 وقضى عاما في السجن ابعدته بعده سلطات الاحتلال الى الاردن. وكغيره من جيل النكبة عاش "ابو فراس" تجربة ايلول في الاردن ثم المقاومة في لبنان وعين مسؤولا عن العمل العسكري في منطقة القدس من موقعه في جهاز القطاع الغربي تحت امرة خليل الوزير ابو جهاد وعاش حصار بيروت مع المقاومة وخرج معها الى المعسكرات العربية ثم الى تونس الى ان عاد ثانية الى الضفة الغربية في العام 1995 وتحول "المقاتل" هذه المرة الى "عائد". قبل ان يعود "ابو فراس" الى رام الله قضى خمسة عشر شهرا في عمان عندما عاقبه الاسرائيليون على محاولة تسلله مع مقاتلين آخرين في سيارة الرئيس الفلسطيني الى غزة فكرسها للتأمل في مصير المدينة التي عين محافظا لها. وعندما عاد لم يجد كما يقول "الارض مفروشة بالورود". ولكن بعد ما يقارب عامين ونصف عام على تسلمه مهامه يقول ان 95 في المئة مما خطط له وهو في عمان قد تحقق. نادرا ما يرى "ابو فراس" جالسا الى مكتبه ولكنه كثير التحرك في المدينة بحثا عن مشروع في حاجة الى توصية او مشتك في حاجة الى من ينصره. يتفقد سير الامور بنفسه حتى اكسبه ذلك لقب المحافظ الاكثر شعبية من بين محافظي الضفة الغربية. اما العمل العسكري الذي تركه خلفه والذي ما زال اسرائيليون يحملونه مسؤوليته فهو قليل التحدث فيه ويفضل اعتباره جزءا من الماضي وان كان يصر على ان "لا ندم عليه فهو الذي ثبّت وجودنا في العالم". اما همه في الحاضر فهو العمل على تحويل "العائد" الى "مواطن". يقول مصطفى عيسى "بعد خمسين عاما من الشتات اصبحنا جوعى وطن حتى وان اقتصر هذا الوطن على الضفة الغربية وقطاع غزة فالمهم هو ان نبني وطنا بأسرع ما يمكن في اي مكان لنا جذور فيه، ان كان قرية لفتا او رام الله". ويتابع: "بعد خمسين عاما نحن لا نحتفل كما احتفل الاسرائيليون وانما نندب ما حدث لنا ولكن مع ذلك لن نجلس لنبكي على النكبة وانما نواصل ما بدأناه حتى الدولة المستقلة".