كيف يتعامل الذين ثبتوا في مقاطعتهم الانتخابات النيابية في دورتي العامين 1992 و1996، مع الانتخابات البلدية والاختيارية التي ستبدأ مرحلتها الأولى، في الاسبوع الاخير من ايار مايو المقبل؟ لن يقاطعوا. هذا اولاً. اما مشاركتهم فوفقاً لبرنامج ومبادئ تتجاوز الاشخاص وليس هدفها عرض القوة او الوصول الى السلطة. فالتيار العوني وتيار الرئىس امين الجميّل، ومعه المعارضة الكتائبية، وحزب الوطنيين الاحرار التي انضوت منذ اكثر من سنة تحت لواء "التجمع الوطني"، شكلت منسقية للاستحقاق البلدي اوكلت امرها الى المسؤول الكتائبي السابق مسعود الاشقر. وحزب الكتلة الوطنية ينسق في كثير من المناطق مع "التجمع" وقوى اخرى، على رغم الخصومة الحادة بين عميده ريمون اده والرئىس الجميّل والعماد ميشال عون. وتيار "القوات اللبنانية" المحظورة الذي ترجح في الانتخابات النيابية عام 1996 بين المقاطعة والمشاركة ينشط في الانتخابات البلدية ولو من دون تنسيق ظاهر بين كوادره وعناصره. فالتهيؤ للانتخابات البلدية بدأ منذ اشهر، وعمل لها "المقاطعون"، على رغم تشكيكهم في امكان اجرائها، "كأنها حاصلة غداً"، وحجتهم في ذلك كما قال العماد ميشال عون غير مرة ورئىس الاحرار دوري شمعون "كي لا يتعرضوا لغدر السلطة". اما سبب مشاركتهم في الانتخابات البلدية، بعدما قاطعوا النيابية، وما الفارق بين الامرين، فالجواب لدى السيد الاشقر الذي قال ل"الحياة" ان في الانتخابات النيابية "مجال الزعبرة" اكبر، فتأتي السلطة بعدد كبير ممن لا يمثلون الشعب الى الندوة النيابية، فضلاً عن ان قانون تلك الانتخابات لم يكن سليماً. اما البلدية فهي "الخبز اليومي للمواطن"، وبمثابة "حكومة محلية"، وامكان تدخل السلطة في انتخاباتها يبقى محدوداً، نظراً الى عوامل عائلية ومراكز قوى داخل كل قرية، ليس من السهل اختراقها لمصلحة جهات اكبر. وفي الاطار نفسه يقول المنسق العام للتيار العوني اللواء نديم لطيف ان "ليس للمجالس البلدية طابع سياسي، وهي لا تقرر على المستوى السياسي او ترهن للقرار السياسي، والقرار الاول والاخير لأهل كل قرية او مدينة". ويضيف "ليس هدفنا الوصول الى السلطة، ونعمل على مساندة من تتوافر فيه شروط الكفاية والنزاهة والأخلاقية وعدم الرضوخ للأمر الواقع، ونرى في الانتخابات البلدية ترفعاً عن الصراعات العصبية والعشائرية والعائلية والمذهبية". "التيار الوطني اللبناني" انطلق من شعارين للعماد عون "لكل تغيير بداية" و"لا تعمر مدينة بغير اهلها ولا تعمر مدينة لغير اهلها". وأعد كراساً مفصلاً تضمن تعريفاً بالبلدية وأهمية دورها وصلاحية رئيسها ومجلسها، مقدماً اقتراحات لمعالجة ازمات عدة تعانيها المناطق اللبنانية، وقد تجد حلولاً سريعة اذا ما تسلمت زمام الامور بلديات نشطة تعي دورها وتحقق الانماء المتوازن. وإلى توزيع الكراس بآلاف النسخ على المدن والبلدات والقرى شكل التيار العوني لجاناً في كل بلدة، وبدأ منسقه العام اللواء لطيف جولات على المناطق لشرح وجهة النظر العونية من هذا الاستحقاق الذي غاب عن لبنان 34 عاماً، فضلاً عن انه اقام مكاتب في عدد من المناطق تصدرتها صور وشعارات للعماد عون وكان اولها في محلة مار مخايل القريبة من الاشرفية. وإذا كانت مساحة انتشار التيار العوني هي مساحة الوطن، وينشط فيها كلها، وإن بنسب متفاوتة، فتيار الرئىس الجميّل والمعارضة الكتائبية يركّز اساساً على بيروت والمتن الشمالي وبعض مناطق الشمال. وتدعو المعارضة الكتائبية، برئاسة الدكتور ايلي كرامة، مناصريها وأصدقاءها الى المشاركة الفاعلة والكثيفة في الانتخابات البلدية، وتركز على انتخاب الاكفياء والقادرين على الخدمة العامة. وتنطلق من اعتبار اساسي هو ان "افضل طريقة للتمثيل الشعبي الصحيح اعتماد الدوائر الانتخابية الصغرى"، متخوفة من طغيان فئة على فئة، في حال لم يتم التوافق في بعض المدن الكبرى، مثل العاصمة. لكنها، في المقابل، تعلن رفض "الائتلافات المشبوهة والمزيّفة التي تشوّه صحة التمثيل". وثمة "معركة حقيقية" منتظرة في بعض مناطق المتن الشمالي، المعقل الرئيسي للجميّل، الذي ينازعه الآن عليه حزب الكتائب بقيادة الدكتور جورج سعادة، ومسؤولون كتائبيون يقفون في الوسط بينه وبين قيادة سعادة، من مثل الدكتور بول الجميّل الذي يضع ثقله في بكفيا مسقط آل الجميّل. ودون تجاذب القوى هذا مخاطر على وزن الرئيس الجميّل، قد تفيد منه قوى اخرى ممثلة في السلطة. ووضع بكفيا ينسحب على قرى اخرى في القضاء. اما بيروت، فاللعبة الانتخابية البلدية اكبر من الرئيس الجميّل والمعارضة الكتائبية وحتى "التجمع الوطني"، لأن قوى عدة معنية بها. لكن ما هو في متناول اليد تقريباً، الانتخابات الاختيارية في عدد من احياء الاشرفية والمناطق المسيحية الاخرى في بيروت. اما حزب الوطنيين الاحرار الذي كان انتشاره الوطني واسعاً في ما مضى، فلم يفقد حضوره السياسي، وإن كان يجسده في قضاء الشوف اكثر من غيره. وفي هذا خصوصية، اذ ان انضواء "الاحرار" في "التجمع الوطني" لم يقطع تفاهم رئيسه دوري شمعون مع الوزير وليد جنبلاط. وهما يعملان على انتخاب مجالس بلدية توافقية في قرى الجبل، وفي خلفية تحركهما المساعدة على طي صفحة المهجّرين، وتأمين عودتهم الى قراهم وتثبيتها، بعدما عجزت الحكومات المتعاقبة منذ العام 1990 عن معالجة ملف العودة كما يجب. ويلخص السيد مسعود الاشقر ل"الحياة" خطة عمل "التجمع الوطني"، ويقول ان التحرك يشمل كل المناطق اللبنانية من دون استثناء، وقد شكلت لجان لكل الأقضية تنشط بين فاعلياتها، للعمل على انتخاب رئيس بلدية وأعضاء يتمتعون بالنزاهة والكفاية والصيت الحسن، حتى لو لم يكونوا من تيارنا، لكنهم يؤمنون بأهدافنا ومبادئنا". ويضيف "ان تعاطينا مرن ويدنا ممدودة الى الجميع، احزاباً وهيئات ومستقلين، من اجل الحوار، ومنفتحون على الجميع. اما التفاهم والتنسيق فمع من يؤمن بثوابتنا. وهذا لا يعني اننا نقيم حلفاً ضد السلطة". وعن دعوة رموز ومسؤولين في السلطة الى التوافق، يقول الاشقر "نسمع بالتوافق ولم نلمسه بعد، فللسلطة مرشحون في غير منطقة، وخصوصاً في المدن والبلدات الكبرى، وتريد ايصالهم. اما ما ننادي به نحن فهو ان ينتخب من يقدر فعلاً على الخدمة العامة". وينفي حصول ضغوط سلطوية على تحركات "التجمع"، ويؤكد ان "لا فيتو من جانبنا على اشخاص، انما نحن نعارض مشاريع". اما حزب الكتلة الوطنية فيقول مفوض الاحصاء والانتخابات فيه المهندس شربل الزعني ل"الحياة" ان الحزب يتعامل مع الاستحقاق البلدي "على غير الاساس الحزبي، لأن المعركة ليست حزبية، بل تتمتع بخصائص معينة، خصوصاً عائلية، الا ان ثمة محازبين يراجعون القيادة، فتوجههم الى ما ينبغي اتباعه". ويضيف ان الحزب "لا يتحفظ عن التحالف او التنسيق مع احد في كل المناطق، لأن هدفه ليس خوض معركة انتخابية، بل حصول وفاق وتشكيل لوائح ائتلافية". ويوضح انه شكل لجاناً في كل الاقضية لمتابعة الشأن البلدي، وان كان الثقل الكتلوي يتمثل في مدينة جبيل وقرى قضائها. يبقى تيار "القوات اللبنانية". فعناصرها الذين وجدوا انفسهم بين ليلة وضحاها خارج الاطار التنظيمي، بعدما سجن قائدهم الدكتور سمير جعجع في 21 نيسان /ابريل 1994 ووقّع كثر منهم تعهدات خطية بعدم العمل الحزبي، وجدوا في الاستحقاق البلدي مناسبة للتحرك. فهم ينشطون ترشحاً واقتراعاً. ويقول احد مسؤولي "القوات" السابقين، رافضاً الكشف عن اسمه، ل"الحياة"، ان هذا النشاط يتم من دون تنسيق او وفقاً لخطة او "كلمة سر" من "القائد"، ويصرّ على انه عفوي. ويعتبر ان "القواتيين"، ونفوذهم الاقوى في قرى شمالية وجبلية عدة، ان لم يكونوا الثقل الاساسي في بعض المناطق، فهم على الاقل "بيضة القبّان" لترجيح كفة هذا او ذاك من المرشحين. واندفاع "القواتيين" نحو الانتخابات البلدية يفسّر بتعويض حرمانهم العمل السياسي، ويسأل احدهم، متحفظاً عن ذكر اسمه "أليس هذا من حقنا؟ كنت سأتزوج في ايار مايو، لكنني أجّلت موعد عرسي شهراً، لأنصرف الى دعم من أراه مناسباً لخدمة بلدتي، خصوصاً انني شعرت ان ثمة واجباً وطنياً يدعوني، وعليّ تلبيته". وطلب آخر، سيترشح الى رئاسة بلديته في احدى بلدات الشمال الكبرى، اجازة من عمله في مؤسسة اعلامية كبرى، ليهيّئ معركته الانتخابية.