عندما ولد الطفل عدنان نيفيك في ساراييفو سنة 1999، أعلنت الأممالمتحدة، أن المولود الجديد بمثابة رمز إنساني لبلوغ عدد سكان العالم ستة بلايين نسمة. وفي آخر تشرين الأول (أكتوبر) 2011، احتفل الأمين العام للمنظمة بتخطي عدد سكان العالم عتبة السبعة بلايين نسمة. وحذّر من التبعات الاقتصادية والغذائية المترتبة على سكان الكرة الأرضية نتيجة تكاثر الشعوب. واغتنم في حينه مناسبة قمة مجموعة العشرين التي التأمت في جنوبفرنسا، لينبه إلى التحديات المقبلة. وقال في كلمته إن المسألة ليست أرقاماً فحسب، وإنما هي قضايا إنسانية وتربوية، مع كل ما يواجه الحكومات من صعوبات لتأمين فرص عمل لملايين الشبان المحرومين الذين يعبرون عن حرمانهم بتفجير الانتفاضات والثورات. وفي الرسالة التي حملها بان كي مون إلى تلك القمة، تحدث أيضاً عن الأعباء التي يطرحها الرقم سبعة بلايين، ثم استعرض أهمية تأمين الغذاء والدواء والطاقة والمدارس والمستشفيات وكل ما يتمناه المرء لنفسه، وإنما مضاعفاً سبعة بلايين مرة. وفي التقرير الأخير الذي أصدره صندوق الأممالمتحدة للإسكان، يتوقع أن يستمر عدد سكان العالم بالتزايد حتى يبلغوا تسعة بلايين ونصف البليون نسمة سنة 2050، أي بعد نحو 40 سنة. وتتوقع الأممالمتحدة أن تصبح الهند بحلول سنة 2025 البلد الذي يضم أكبر عدد من السكان في العالم، يتبعها بلد آسيوي آخر هو الصين. أما اليابان، فهي مضطرة لمواجهة شيخوخة سكانها. تماماً مثل أوروبا التي يتزايد فيها معدل الأعمار ليصل إلى ثمانين سنة، مقابل 54 سنة في أفريقيا. ويرى الخبراء أن الدول الصناعية المتقدمة تعاني مشاكل اجتماعية حول تحديات الشيخوخة، بسبب اضطرارها لتأمين الرعاية الطبية لملايين المتقدمين في السن. وتتفاوت التكهنات، في حين تشير التوقعات إلى أن عدد سكان العالم سيبلغ ذروته عندما يصبح تسعة بلايين نسمة بعد ستين سنة تقريباً، ثم يبدأ الهبوط بسرعة شديدة. ويقول دانيال كوتلر، خبير السكان في البنك الدولي: إن التراجع في الخصوبة ذهب إلى أبعد مدى داخل الدول الصناعية المتقدمة، لكنه ينخفض بسرعة في معظم الدول المتوسطة الدخل. وفي رأيه، أن بحلول سنة 2030 سيكون معدل أعمار سكان الدول الغربية، إضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية، أكثر من 65 سنة. وقد يسير على النهج الذي تطبقه الصين – أي طفل واحد لكل زوجين – بعض الدول الذي يفتقر إلى الموارد المالية اللازمة لسداد تكاليف الرعاية الصحية ورعاية الأطفال. وفي آخر تقرير صدر عن الأممالمتحدة، تحذير لكل حكومات العالم، بأن الوقت يضيق أمام الباحثين عن حلول ناجعة. والسبب أن المتطلبات الأساسية كالغذاء والمياه والطاقة، لم تعد كافية لمواجهة النمو السريع، ولتجنب دفع ما لا يقل عن بليون نسمة إلى مستنقعات الفقر والحاجة. إضافة إلى هذا، فإن الخبراء يتوقعون تضاعف الطلب بعد وصول عدد سكان العالم إلى سبعة بلايين نسمة. وهذا يعني ازدياد عدد المستهلكين لكل الاحتياجات الضرورية. ومع حلول سنة 2030 – أي بعد أقل من عشرين سنة – سيحتاج العالم على الأقل، إلى زيادة 50 في المئة من الغذاء و30 في المئة من الموارد المائية، و45 في المئة من الطاقة. وإذا أخفق العالم في التصدي لهذه المشكلات، فإن الحكومات تجازف بزج نحو من ثلاثة بلايين نسمة في دائرة الفقر. في هذا السياق تقول التقارير الأخيرة، إن أعداد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع، تراجعت إلى 27 في المئة مقابل 46 في المئة سنة 1990. كما زاد عدد الأشخاص الذين يعانون سوء التغذية عشرين مليوناً مقارنة بأعدادهم سنة 2000. كما يخسر العالم خمسة ملايين هكتار ونصف المليون من الغابات سنوياً، كذلك تدنت نسبة الثروة السمكية 85 في المئة، من فرط استغلالها لسد حاجات المستهلكين. سياسة عالمية وقالت اللجنة التي قدمت 56 توصية لتحقيق التنمية المستدامة، إن هناك حاجة ملحة إلى وضع سياسة عالمية جديدة تأخذ في الاعتبار كل المتغيرات. ووضعت في سلم الأولويات ضرورة البحث عن حلول أخطار ارتفاع منسوب مياه البحار بسبب ارتفاع ثاني أوكسيد الكربون 48 في المئة. وذكرت توصيات اللجنة أن الإصلاحات الهامشية لا تحقق الهدف من تحقيق إصلاحات كبيرة. لذلك دعت إلى الاهتمام بالدول التي تتعرض لمواجهة أكبر معدلات الزيادة لسكان المناطق في الصين والهند ونيجيريا وإندونيسيا والولاياتالمتحدة. وتشير توقعات الأممالمتحدة إلى أن خلال الفترة الفاصلة بين سنة 2012 و2050 ستسجل مدن الهند زيادة سكانية مقدارها 496 مليون نسمة، ومدن الولاياتالمتحدة 103 ملايين نسمة، ومدن نيجيريا 200 مليون نسمة، ومدن إندونيسيا 92 مليون نسمة. وقالت شعبة السكان في إدارة الشؤون الاقتصادية – الاجتماعية التابعة للأمم المتحدة، إن عدد سكان المناطق الحضرية في العالم يبلغ أكثر من بليونين ونصف البليون نسمة، ولكنه سيرتفع بعد 35 سنة إلى ستة بلايين ونصف البليون نسمة. وأكدت تقارير الأممالمتحدة، أن نصف عدد سكان العالم، يعيش في المدن. كذلك حذرت من ضغوط هجرة أبناء الأرياف إلى المدن المكتظة بالسكان والمملوءة بالتلوث البيئي. ولكن في الوقت ذاته، عددت حسنات المدن الكبرى بالقول إنها مراكز الابتكار ومحركات الاقتصاد العالمي. وقال بان كي مون إن إصدار هذه التوقعات السكانية، هدفه مساعدة الحكومات على إعداد سياسات علمية لمواجهة النمو السكاني المضطرد. ولفت إلى إن المدن الكبرى تتعرض لتحديات متواصلة في ما يتعلق بتوفير فرص العمل والإسكان وتأمين الطاقة. الهوة تتسع صدر قبل خمس سنوات أول كتاب يحذر من أخطار اتساع الهوة بين الذين يملكون والذين لا يملكون. وقال المؤلف راج باتل إن هناك أكثر من 800 مليون نسمة لا يجدون ما يؤمن لهم لقمة العيش، في حين أن هناك بليون نسمة يعانون التخمة. ومن المؤكد أن هذا الرقم قد ارتفع في شكل مذهل. ولكنه في نهاية الأمر يعود إلى نظرية الكاتب الشهير جورج برنارد شو الذي اختصر في أيامه مشاكل العالم بالقول: إنها مثل صلعتي ولحيتي... غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع. ويبدو أن هذه النظرية لا تزال تطبق في كل العهود وكل البلدان. السنة الماضية، أعلن رئيس برنامج الخليج العربي للتنمية (أجفند) الأمير طلال بن عبدالعزيز، أن عدد الفقراء في العالم العربي يقدّر بنحو سبعين مليون فقير. وقال أيضاً إن عدد سكان الوطن العربي يقدر بنحو 351 مليون نسمة بينهم 19.7 في المئة يعيشون تحت خط الفقر. وأشاد بمشروع إنشاء «بنوك الفقراء» بدليل أن هذه أثبتت جدواها من خلال برامجها الفاعلة وأهدافها التنموية الشاملة، وتطبيقاتها الحية في الكثير من البلدان العربية. يقول سيرغي شيربوف الذي يقود مجموعة بحثية في معهد فيينا لعلم السكان: عالمنا سيكون أكبر سناً ولكنه أكثر تقدماً وعلماً. وبذل هذا الخبير جهوداً مضنية في المعهد الدولي المهتم بتطبيق الأنظمة، من أجل التكهن بمستقبل سكان العالم خلال القرنين المقبلين. ومع أنها مهمة شبه مستحيلة، إلا أنه جازف بإصدار سلسلة توقعات تشير إلى ظهور عالم غريب جداً. بالمقارنة مع العالم الذي نعيشه، فإن سكان هذه الأرض قفزوا خلال ال300 سنة الماضية أكثر بكثير من القفزات التي تحققت خلال ثلاثة آلاف سنة ماضية. ففي سنة 1800 كان معدل الأعمار لا يتجاوز الثلاثين سنة، إلا في حالات نادرة، بسبب الأمراض وشظف العيش. وكانت السفن تحتاج إلى أسابيع كي تعبر الأطلسي. وكانت الديموقراطية حلماً غامضاً لا يمارس في أي بقعة تقريباً. وبالمقارنة مع ذلك الزمن، فإن عدد الرحلات الجوية التي تنطلق سنوياً يزيد على 30 مليون رحلة. كما أن العلماء يطرحون في الأسواق آلاف الأجهزة المتطورة بدءاً بالهواتف الجوالة وانتهاء بالتكنولوجيات المعقدة. صحيح أن وكالة «ناسا» نجحت في إيصال إنسان إلى القمر... ولكن الصحيح أيضاً أن الشعوب لم تتقدم في مجال حقوق الإنسان، خطوة واحدة. كما أن النمو الاقتصادي ما زال يشكل أزمة حادة، بينما يشعر ملايين الشبان بالحرمان من الفرص ويضطرون لمجاراة المنظمات الإرهابية في اقتراف الجرائم والأخطاء. تقول المعلومات إن الإنسان في المناطق المتقدمة يتخطى الستين من العمر. ويشير صندوق الأممالمتحدة للسكان، إلى أن عدد الأشخاص الذين يعيشون بأقل من دولار ونصف الدولار في اليوم، انخفض من بليوني نسمة سنة 1990 إلى بليون ونصف البليون سنة 2011. كذلك انخفضت نسبة الأشخاص الذين يعانون الجوع. ولكن وفق الأرقام، فقد ارتفع عدد هؤلاء من 850 مليوناً قبل عشر سنوات إلى 950 مليوناً اليوم. إلى ذلك ما زالت الفروقات الاجتماعية تتزايد. في سنة 1960 كانت نسبة الأغنياء لا تزيد على عشرين في المئة من أشخاص يحصلون على سبعين في المئة من العائدات. وفي سنة 2005 كان هؤلاء يملكون 77 في المئة من الثروات. وتختتم هذه الدراسة بعبارة قالها بان كي مون: هناك وفرة في الأغذية، ولكن كل مساء يذهب بليون شخص إلى النوم وهم جياع! * كاتب وصحافي لبناني