بصفتك رئيساً للجمهورية العراقية، قائداً أعلى للقوات المسلحة وحاكماً بأمره اتوجه اليك بهذه الرسالة المفتوحة لاقترح عليك مخرجاً من القفص الذي دخلت فيه بغزو الكويت يوم 2 آب اغسطس 1990. لا اجهل ما يقال عن مسْعاك لمصالحة واشنطن وطي صفحة حرب الخليج الثانية وعن محاولات الملك حسين، على ذمة "هآرتس" توسيط اسرائيل لاقناع الولاياتالمتحدة بضرورة المصالحة معك. فرضية انفتاح واشنطن عليك ليست مستحيلة، لكن المعطيات الظاهرة لمن لا علم لهم باسرار الكواليس مثلي تناضل لصالح الفرضية النقيضة القائلة بأن هزيمتك في أم المعارك ما زالت لم تتمَّ فصولاً. إذعانك مؤخراً في الاتفاق مع كوفي أنان للأساسي من المطالب الاميركية "دون قيد أو شرط" أجَّل الضربة العسكرية الاميركية - البريطانية لكنه لم يلغها. لأن واشنطن، المصممة على قيادة العالم دون شريك، مصرة لاسباب اقليمية وعالمية، على جعلك عبرة لكل من تسوِّل له نفسه تحديها وذلك باذلالك المرة بعد الاخرى وارغامك دائماً على الاذعان لشروطها المملاة سلماً أو حرباً. كذاتي منفصل عن مبدأ الواقع انت غير مؤهل للعمل السياسي على رأس دولة بمكانة العراق، لأن السياسة فن الممكن لا فن التخييل، والتفاوض مع الآخر لا التفاوض مع النفس كما تفعل انت. ولانها ايضاً وخصوصاً فن قراءة موازين القوى بين الدول والطبقات. وقد برهنت الوقائع منذ 18 عاماً على انك أمي في هذا الفن مما جعلك سيد الرهانات الخاسرة: راهنت في ايلول سبتمبر 1980 على هزيمة ايران، النَّشوى باسقاط عرش الشاه، في أقل من اسبوع لمجرد ان جيشها كان مفككاً وشبه أعزل فدامت الحرب ضدها 8 سنوات أوشكتَ فيها على الهزيمة اكثر من مرة. راهنت في آب اغسطس على عدم رغبة أو استطاعة الولاياتالمتحدة حُسبانك التدخل لطردك من الكويت فتدخلت بسرعة وبقوة لم تكونا في حسبانك وراهنت اخيراً على هزيمتها في أم المعارك وكنت واثقاً من تكبيدها "20 ألف قتيل على الأقل و100 ألف قتيل على الاكثر لتأتي وتفاوضني على شروطي حرفياً. فماذا كانت النتيجة؟ النفق المظلم الذي تجد نفسك فيه الآن دونما أمل جدي في الخروج منه، في عراق بدون دور اقليمي، مدمَّر، جائع وظامئ، تحت الحظر وتحت الوصاية الدولية اي الاميركية ومهدد بمزيد من الدمار والاذلال. لكنك، كأي مزاجي، عاجز عن الاعتراف بالواقع ما زلت تحتفل سنوياً بذكرى "استرداد المقاطعة التاسعة عشرة" وبانتصاراتك الغراء في أم المعارك! بعض انتصارات أم المعارك حقاً لا بد ان يكون المرء صدام حسين ليصر بعناد وكُذاب مرضيين على انه انتصر على الولاياتالمتحدة في الحرب وانه ما زال الى اتفاق الاذعان في 22/2/98 يجني الانتصار بعد الآخر. لا بأس فلنعدَّ تفاصيل انتصاراتك منذ أم المعارك: حسب تقديرات احد قادة أركان الجيش الفرنسي سابقاً سقط في حرب الكويت 400 ألف جندي عراقي قتلى، يموت سنوياً نصف مليون طفل لنقص الغذاء والدواء، نصف العراقيين عاطلون عن العمل وقد كان العراق قبل مغامرتك يستورد اليد العاملة، تفاقم بؤس العراقيين حتى بات ثمن جريدة يومية "بذخاً بعيد المنال، كما كتبت مبعوثة الاسبوعية الفرنسية لونوفيل ابسرفاتور شانتال دودر، لانه يعادل أجرة متوسطة ليومي عمل"، "نوعية العلاج الصحي عادت، كما يقول تقرير منظمة الصحة العالمية، 50 عاماً الى الوراء" والمستشفيات العامة تتدهور بسرعة كما تقول مراسلة الاسبوعية الفرنسية المذكورة نتيجة نقص المال والمعدات، وايضاً بسبب موت الأمل في العراق الذي اثخنته بالجراح ودفعته للسير على غير هُدى الى الهاوية، تقرير منظمة الزراعة العالمية يؤكد: "لا بد من عشرين عاماً لاعادة القطاع الزراعي الى ما كان عليه قبل غزوك للكويت اذا رفعت العقوبات غداً"، "الاطفال، كما عاينتْ شانتال دودر، يهيمون على وجوهم في الشوارع بحثاً عن بعض القروش. يبيعون في ملتقيات الطرقات السجائر بالوحدة، حبة الحلوى أو عود البخور، يهربون من النظام المدرسي الذي كان العراق يعتز به أيما اعتزاز لأن كل شيء غدا مفقوداً فيه بما في ذلك الدفاتر والاساتذة" وتضيف الصحافية الفرنسية: "في مدينة صدام ... المراهقون عكساً لآبائهم أميون بنسبة 90 في المئة لأنهم غادروا المدرسة في سن العاشرة"، اذعانك اخيراً لقرارات مجلس الأمن "الذي هو الاسم الحركي لوزارة الخارجية الأميركية" بتفتيش جميع المواقع "الحساسة" اي التي تحس بوقع جروحها كالبرلمان، قيادات الجيش، الحرس الجمهوري وحرسك الخاص وايضاً غرف نومك متى عَنَّ ذلك ل "الكلب المسعور" ريتشارد بتلر كما تسميه وسائل اعلامك. هذه بعض انتصاراتك في أم المعارك. اما العراقي العادي الذي سحقته هذه "الانتصارات" سحقاً فقد بات يعرف اسمها الحقيقي: أم الهزائم. قال معلّم عراقي يتقاضى دولارين في الشهر لاعالة عائلته للصحافية الفرنسية المذكورة: "الى متى ستفرضون علينا هذه الهزيمة الأبدية؟ السنة الماضية بعتُ ثلاجتي. وهذه السنة سجادتي. وبعد ذلك لم يبق لي الا ان أمد يدي متسولاً في الشوارع. لقد خسرنا كل شيء في هذا الحظر بما في ذلك الشرف". كمصاب بالمركزية الذاتية جعلت من نفسك مركز العالم فانك تعتبر ان مجرد بقائك في الحكم انتصار على رعاياك الذين حرمتهم من الحق في التعليم، الكساء، الغذاء، الدواء، الماء والحياة بفضل الحظر الذي جرَّته عليهم انتصاراتك في أم المعارك. أكيد ان الحظر هو انتصارك الشخصي الوحيد الذي يحق لك ان تفخر به. يقول ديبلوماسي غربي في بغداد: "الحظر قوىَّ حُكمه الضمير يعود اليك لقد أعفاه من أقل لفتة نحو السكان. كل ما ليس على ما يرام يستطيع تعليقه على مشجب العقوبات اي على الغرب. وهو ما لم يقصِّر فيه أبداً". وهو نفس ما همس به عراقي في اذن الصحافية الفرنسية: "صدام عنيد لا ينقصه شيء، القصور، النساء والأمن" أما الحظر، هذا العقاب الجماعي الأعمى، فمسلط على رؤوس العراقيين التعساء. يلاحظ معلم عراقي: "لا شيء في الاسواق غير الخردة. اما في السوق السوداء فكل شيء متوفر باسعار خيالية" يكسب منها كل من الشريكين الظريفين ابنك عدي وياسر رفسنجاني نصف مليون دولار في اليوم كما تؤكد ذلك الاسبوعية "الوطن العربي"! ربما كان ذلك بعض ما يفسر عدم حماستك لرفع الحظر. ألم تتذرع مثلاً لخرافة "السيادة الوطنية" لتماطل 13 شهراً قبل قبول قرار مجلس الأمن رقم 986، النفط مقابل الغذاء والدواء، فيما كان طفل عراقي يموت كل 6 دقائق بسبب الحظر! انتصاراتك التخييلية تلحق بالعراق أذى كبيراً وتجعلك تدخل التاريخ كأغبى حاكم لا يرفع الحجر الا ليقع على قدميه. لماذا؟ لأن هيبتك، كرامتك وسيادتك مجرد اعراض مرضية لمريض هاذٍ وعاجز. أما هيبة الدول الكبرى فهي الضامن المعنوي لمصداقيتها في الذود عن مصالحها الاقتصادية ومواقعها الاستراتيجية. وكلما حاولت بهذائك المنفصل عن الواقع الثرثرة عن انتصاراتك اياها لتنال لفظياً من تلك الهيبة اعادتك واشنطن الى أم الهزائم بتدابير اكثر فأكثر اذلالاً للعراقيين واضراراً بهم. وتلك هي احدى مهام الحشد العسكري الاميركي - البريطاني المرابط في الخليج الذي يبدو ان الادارة الاميركية بدأت تفكر في احتمال تدفيعك نفقاته الباهظة لمزيد من تذكيرك بانك خرجت من مغامرتك الكويتية مهزوماً. في أتون فوضى دامية مؤشرات عديدة تشير الى ان الحشد العسكري سيظل في الخليج على أهبة تسديد الضربة العسكرية الموعودة في أول فرصة سانحة. عنادك المرضي، مزاجك المتقلب وولعك السقيم بافتعال الأزمات لتتحدث عنك وسائل الاعلام ويتظاهر جمهورك الهستيري في العالم العربي رافعاً صورتك ونابحاً باسمك، تجعل منك حليفاً موضوعياً لواشنطن لتسدد للعراق الضربة العسكرية المؤجلة التي قد تفكك ركائز نظامك: الحرس الجمهوري، حرسك الخاص، مراكز القيادة العسكرية والأمنية التي تمسك بها وسط العراق. بتفكيكها سيزداد العراق تفككاً عرقياً وطائفياً وفراغاً سياسياً قد يدخله في أتون فوضى دامية من الطراز الصومالي أو الافغاني. لم تع بعد انك منذ 2 آب اغسطس 1990، الذي رقص له طرباً جمهورك ومثقفوك العرب الذين يفكرون بتخييلاتهم لا بعقولهم، قد دخلت قفصاً لن تخرج منه على الارجح الا قتيلاً أو خادماً مطيعاً لواشنطن اذا رضيت بك لتخيف بك دول الجوار. ومع ذلك فلا اتوقع ان ترضى بك واشنطن طويلاً لاسباب منها انك مزاجي من الصعب التنبؤ بقراراتك الفجائية والمتقلبة من النقيض الى النقيض وهو ما لا تحتمله أية قوة كبرى يهمها ان تعلم سلفاً بقرارات مواليها عندما لا تمليها عليهم كما كان الحال في حقبة الحرب الباردة. رفض واشنطن حتى الآن فتح حوار علني معك مؤشر على ما ينتظرك من مزيد الهزائم والمذلات. رهانك على قدرة روسيا وفرنسا على اخراجك من قفصك رهان آخر من سلسلة رهاناتك الخاسرة ودليل اضافي على انك مازلت عاجزاً عن قراءة خارطة موازين القوى الدولية المقروءة على أرض الواقع: الولاياتالمتحدة تجد نفسها اليوم في منزلة لم يعرفها العالم منذ خمسة قرون: القائدة الوحيدة لعالم ما بعد الحرب الباردة وربما لعقدين مقبلين اي الى ان يتشكل قطب أوروبي منافس لها بقيادة ألمانيا. والى ذلك الحين فلن تقبل ان يشاركها في قيادة العالم شريك. وكل محاولة ارادوية اي تستبق التاريخ هي بالنسبة لك بالانتحار أشبه. في الواقع القرارات الانتحارية، التي تشكل حصيلة حكمك الكارثية على العراق والشرق الأوسط، هي الاكثر تعبيراً عن شخصيتك النفسية البارانوية. تتجلى البارانويا في انك مسكون بالثلاثية المرضية: هُذاء العظمة، هُذاء الاضطهاد وهُذاء الانتقام من المضطهدين المتوهمين لك ولرسالتك التي أوكلتها لك الاقدار لانقاذ الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة من "المؤامرة" الصهيونية! قطعاً لست رئيس الدولة البارانوي الوحيد المعاصر. فحتى في الدول الديموقراطية يوجد رؤساء مصابون بما انت مصاب به كفرانسوا ميتران الذي توقع بعد انتخابه في 1981 ان يقوم جاك شيراك بانقلاب عسكري مماثل لانقلاب بينوشيه. لكن دولة القانون والمؤسسات الراسخة تحيِّد مخاطر هزائهم على مواطنيهم وعلى العالم فلا ينتقلون من النية الى الفعل. اما عندما تكون الدولة توتاليتارية يحكمها حزب واحد، رأي واحد وزعيم أوحد فعندئذ تقع الكارثة كما في روسيا ستالين، صين ماو، ايران الخميني، كوريا كيم ايل سونغ وعراقك، لأن الانتقال من هذاء الاضطهاد الى مطاردة الاعداء الوهميين سهل لغياب الكوابح المؤسساتية وهذا ما يفسر، على الصعيد النفسي، ويلات المغامرات والحروب الخارجية والداخلية التي خضتها بضراوة: خلال عقد واحد أعلنت الحرب على ايرانوالكويت، قصفت طهران بالاسلحة الكيماوية، هددت بحرق نصف اسرائيل ب "الكيماوي المزدوج" وفي 16 آذار مارس 1988 أمرت بقصف مدينة حلبجة الكردية حياً فحياً لمدة 15 ساعة بالاسلحة الكيماوية بما فيها x 7 المدمر للجهاز العصبي. ولابادة اكبر عدد من السكان كان القصف الأول بالقنابل التقليدية لدفع المدنيين الى الملاجئ لتحويل الملاجئ الى مقابر في القصف الثاني بالقنابل الكيماوية مما أسفر عن خمسة آلاف قتيل وأكثر من 30 ألف جريح في مدينة لا يزيد عدد سكانها عن 50 ألف نسمة! ومازال اطفال حلبجة يموتون حتى الآن بسرطان الدم وأمراض اخرى يسببها هذا السلاح الجهنمي. بالتأكيد توجد دول كثيرة تمتلك أو تسعى لامتلاك اسلحة الدمار الشامل مما قد يؤدي الى انتحار النوع الانساني اذا ما استخدمت هذه الاسلحة ذات يوم وذلك ممكن. لكن وضعك بين هذه الدول خاص. لأنك تنتقل من النية الى الفعل وتلعب بها كما يلعب طفل بلعبة. مقال بجريدة لوموند 24/2/98 يؤكد انك استخدمت السلاح الكيماوي ضد المدنيين الايرانيين والاكراد العراقيين 8 مرات بين 1983 و1988! أعراض أربعة للبارانويا تتجلى ملامح شخصيتك البارانوية الخطيرة في أربعة اعراض: الحذر المفرط، تضخم الانا، خطأ الحكم والعجز عن التكيف مع الواقع الاقليمي والدولي مما يجعلك غير مؤهل للحكم. لان الحكم بالنسبة لك مجرد اندفاع الى التدمير. - الحذر المفرط أو هذاء الاضطهاد أوقع في روعك ان الناس اشرار لا هم لهم الا الكيد لك، ولا يسعك دفاعاً شرعياً عن نفسك الا ان تبادلهم كيداً بكيد: تؤذيهم قبل ان يؤذوك، تضطهدهم قبل ان يضطهدوك، تقتلهم قبل ان يقتلوك وتحاربهم قبل ان يحاربوك... مما أدى الى عزلتك داخل العراق، الشرق الأوسط والعالم. في العراق لم تعد قادراً على اعادة انتاج النخبة التي تحكمها وتحكم بها التي باتت تتقلص تدريجياً من الحزب، الى الجيش، الى القبيلة وأخيراً الى العائلة المضيقة التي تحيط بها دائرة قبلية لا تقل عنها ضيقاً لأن القبائل التي كانت تواليك غدت اليوم تعاديك. لكن حتى عائلتك دب اليها التفكك. وما تمرد صهريك الا بداية القطْر. الميليشيات التي حمتك من السقوط بعد هزيمتك في 1990 تتفكك هي الاخرى تحت ضربات الازمة الاقتصادية الخانقة، في الشرق الأوسط: غدا عراقك رمزاً قبيحاً للغدر، لجنون الانتقام، لنكث العهود وعدم الوفاء بالوعود، في العالم: اصبحت رمزاً للعربي البشع، منبوذاً سياسياً واعلامياً ومن الصعب اعادة تأهيلك فيه ذات يوم. - تضخم الأنا: يتجلى في مركزيتك الذاتية الصبيانية، في عشقك لذاتك الى درجة انك أمرت بأن لا توصف في الاغاني التي تمجدك الا بالأسد، في غرورك الذي تحاول احياناً تمويهه بالتواضع الكاذب، في تنصيب نفسك محامياً للدفاع عن حقوق العرب المهضومة، في احتقارك للانسان، في عجزك عن ممارسة نقدك الذاتي اي الشك في منظومتك الفكرية بشعاراتها السهلة وتقنياتها الميتافيزيقية التي تتغير الدنيا ولا تتغير، في جمودك الذهني الذي جعل منك متسلطاً، طاغية، متعصباً وعنوداً عاجزاً عن وضع نفسك موضع الآخر الذي هو الشرط الشارط للتعايش السلمي معه اي مع شعبك، مع جيرانك ومع العالم. مما جعلك تعيش في عالم بديل عن العالم الحقيقي: عالم من صنع تخييلاتك الجامحة تتفاوض فيه مع نفسك لا مكان فيه للآخر المغاير لك فكراً، سلوكاً ومصالح. لا تستطيع ان تنظر للعالم الا من خلال أناك المتورمة مما يجعلك عاجزاً عن فهمه وعن التكيف معه في آن. شعورك العميق والساحق بالتفاهة والدونية انقلب بحيلة نفسية لاشعورية معروفة الى غرور أسطوري وظمأ لا يرتوي الى الشهرة والنجومية. عاملان متضافران يدفعانك بانتظام الى افتعال الازمات والتورط في المغامرات الدموية: تنفيس الغضب الاجتماعي المتراكم لدى العراقيين المحبطين الذين سلبتهم جميع الحقوق بما فيها الحق في الحياة وجنون البحث عن النجومية الذي يدفعك دفعاً الى البحث عن المتاعب لتضع نفسك دائماً في بؤرة المشهد الاعلامي العالمي لتشعر بأنك موجود. اذا لم يبق لك، كأي مصاب بالمركزية الذاتية سوى اهتمام الاعلام بك كتعويض بائس عن تحقيق الرغبات الايروسية في الحياة الحق. سأل مثقف عربي ذات يوم في جلسة خاصة مساعدك طارق عزيز عمَّ كسبه العراق من غزو الكويت فاجابه: "لقد دخلنا به التاريخ فعشرات الكتب في العالم تتحدث عنا"! انها الرغبة الهاذية في الشهرة، في التعري حقيقة لا مجازاً امام عدسات المصورين. اما مئات ألوف الجنود الذين قتلوا بوحشية اثناء فرارهم، نصف المليون عراقي الذين يموتون كل عام بسبب الحظر، ال 135 بليون دولار التي خسرها العراق بسبب حرمانه من تصدير نفطه، ال 200 بليون دولار التي سيعاد بها اعمار ما دمرته حرباك خلال عقد واحد فضلاً عن تعويضات الحرب الباهظة للكويت وربما ايضاً لايران، وضعُ العراق الى اجل غير مسمى تحت الوصاية الدولية اي الاميركية، اضف الى كل ذلك الآلام البشرية التي لا تقدر بثمن التي كابدها العراقيونوالكويتيونوالايرانيون... كلها تهون امام "دخول التاريخ" دخولاً لا تحسدان عليه أنت وطارق عزيز. - خطأ الحكم: انت ايضاً، كأي بارانوي هاذ، سيد اصدار الاحكام الخطئة الذي هو البنية الاساسية للشخصية البارانوية. كيف؟ بالعناد الذي لا يتزعزع، بالجمود الذهني بما هو تسمُّر في الثوابت ورفض هاذ للمتغيرات، بالاستخدام اللاشعوري للأغلوطة = الاستدلال المضلِّل هذه الاهواء عطلت لديك ملكة التفكير المنطقي محولة المشاكل التي تتطلب تحليلا وحلولا عقلانية الى هواجس معطلة تعريفاً للفاهمة. عندئذ لا تعود المعطيات الموضوعية بل المخاوف البارانوية هي التي تملي عليك أحكامك الاستراتيجية الغبية كما وصفها بدقة خصمك في حرب الكويت جيمس بيكر. اصدارك للاحكام الخاطئة جعلك غير مؤهل لاتخاذ القرار لانه لن يكون الا خاطئاً وكارثياً كما جعلك عاجزاً عن فهم الحقبة التي تحيا وتحكم فيها سواء على صعيد بلدك الذي توشك ان تحوله الى مقبرة كبرى، على صعيد جيرانك الذين اعلنت عليهم الحرب مرتين خلال عشر سنوات أو على صعيد العالم حيث راهنت على هزيمة الولاياتالمتحدة وحلفائها في حرب الكويت... احكامك وقراراتك خاطئة لأنك تؤسسها على احكام قبلية سابقة على التجربة السياسية ومنافية لمنطق السياسة ذاتها اي وضع الذات في موضع الآخر لفهمه وتفهم وجهة نظره. في الحقيقة قراراتك الاستراتيجية مجرد انفعالات طاغية تبرر بها تلقائياً قناعاتك القبلية. وبما انك عاجز عن ممارسة النقد الذاتي الذي يتطلب مرونة ذهنية وذكاء تاريخياً لا يمتلكهما البارانوي فانت عاجز عن مراجعة احكامك. لان كل نقد لها أو تراجع عنها يجعلك تتهاوى من الداخل كأسد من ورق. فما قررته قد قررته، مرة والى الأبد. لذلك يقول طبيب نفسي: "من يحاول اقناع بارانوي بخطأ احكامه هو كمن يحاول عبثاً اقناع صاحب رسالة بخطأ رسالته". - العجز عن التكيف: طباعك البارونية وعجزك عن التكيف مع القانون، مع مبدأ الواقع المحلي، الاقليمي والدولي يتجلى في ردود فعلك المزاجية المفرطة في عنفها وقسوتها كالتسلط على الآخرين والتمرد على القانون وسفك الدماء بسهولة لا تحسد عليها. قد تسألني: كيف أُصبتُ بهذا المرض اللعين الذي جعل حياتي وحياة رعاياي وجيراني جحيماً؟ الوراثة والتربية تضافرتا على اصابتك به. يقول علم النفس ان من يصاب بهذا يكون أبوه - أو من قام نفسياً مقامه - قاسياً عليه، وربما في لحظة ما احتقرته زوجته فأعاده احتقارها الى احتقار آخر ثاوٍ في اغوار اللاشعور. ترديدك شبه القهري لكلمات العزة والكرامة والسيادة دفاع لاشعوري ضد مشاعر الدونية والهوان التي تنخر صاحبها كالسوسة من الداخل. الحرب غسلاً للعار تذكر ما صرحت به في حزيران يونيو 1990 - قبل غزوك الكويت ببضعة اسابيع - لجريدة "وول ستريت جورنال": "حرب جديدة في الشرق الأوسط حتمية. لأن العالم وخاصة اميركا، بريطانيا واسرائيل يسيء تقدير العراق ويحتقر مكانته"! العراق هنا هو اسمك الحركي: عار احتقار العالم لك لا يمكن الا ان يثير جنون انتقامك ولا سبيل لغسله الا بحرب جديدة: حرب الكويت التي أكلت العراقيين وما ولدوا وتنتظر الجنين! بما ان المصائب لا تأتي فرادى فالى اصابتك المزمنة بالبارانويا الهاذية، التي تنزع عنك أهلية صنع واتخاذ القرار، أنت ايضاً شخصية سايكوباتية = مريضة ومؤذية مختلة التوازن ذهنياً ووجدانياً. تتجلى ملامحها في اضطراب السلوك اي العدوانية شغفاً بإذاء الآخرين بالقول والفعل. هذا الايذاء حباً في الايذاء تعطي به، شأن اي سايكوباتي، معنى لحياتك التي لا معنى لها خارج ممارساتك السادية التي وصلت بها الى ذروة الفظاعة تلبية لتخييلاتك الدموية الجامحة. يقول عنك شارل لامبروشيم في افتتاحية باليومية الديغولية، "لوفيغارو"،: "صدام رئيس عصابة أشرار لا يؤمن الا بالقوة. وبهذا الاسلوب يحكم: راشاً بالرشاش بعض الوزراء خلال انعقاد مجلس الوزراء" برئاستك! وقائع سيرتك الذاتية منذ الصبا ألهمت محمد عابد الجابري في عنفوان هيستيريا وهذيان أم المعارك الجماعيين ان لواء النصر معقود لك منذ نعومة اظفارك. اما كاتب هذه السطور فلم ير فيها الا جنون انتقامك البارانوي وساديتك السايكوباتية. منذ سن السابعة كنت تحمل مسدساً لارهاب الأطفال في المدرسة والشارع ولاحقاً الكبار بمن فيهم الديبلوماسيون. يروي ميشيل فوزال، آخر مبعوث أوروبي التقاك قبيل حرب الخليج: "عندما قابلت صدام حسين لمدة أربع ساعات ونصف، كنت احمل قلماً وكان يحمل مسدسه الذي وضعه على الطاولة" لوبوان: 21/2/1998! وفي سن التاسعة قتلت عمك الذي تزوج أمك اي قتلت رمزياً اباك، في الرابعة والعشرين حاولت قتل عبدالكريم قاسم، رئيس الدولة، وبصفته تلك فهو رمز الأب اي القانون! ومازالت الرغبة السايكوباتية في القتل وانتهاك القانون ملازمة لك الى الآن لكن على نطاق أوسع تجاوز العراق الى دول الجوار! وككل سايكوباتي انت كَذُوب لا يُشق له غبار يخون عهوده ولا يحترم توقيعه على المواثيق الدولية: ألم تمزق على مرأى ومسمع من الملايين التي شاهدتك في التلفزيون العراقي في ايلول سبتمبر 1980 الاتفاق العراقي - الايراني الذي وقعته مع الشاه في الجزائر في 1975 لتعود وتعترف به سنة 1990 بعد حرب دامت 8 سنوات دمرت البلدين معاً؟ ألم تقلِّد أمير الكويت أرفع وسام عراقي ثم أرسلت دباباتك بعد ذلك لهدم قصره على رأسه واحتلال امارته؟ هذا السلوك المزاجي نزع عنك كل مصداقية دولية ونفر منك قطاعاً واسعاً من الجموع التي جرفها تيار الهيستيريا الجماعية اثر غزوك للكويت. العراقيون المطحونون بين سندانك ومطرقة الحظر واعون بالكابوس الذي سببته لهم مغامراتك كما يتضح ذلك من الشهادة المؤثرة التي نقلتها شانتال رودر: "عندما لا يعود للحيطان آذان تحل الثقة بين المواطن العراقي والمراسل الاجنبي فتتغير نبرة الاستسلام المعلن: "مصيرنا ليس بايدينا. العراق بالنسبة الينا سجن مزدوج، يحاصره من الخارج ومن الداخل اميركا والنظام معاً. اما نحن فلسنا اكثر من كرة مباراة لا نهاية لها يختصمان عليها. نحن لا نتوقف عن تلقي الضربات فيما هما يتسليان" لونوفيل ابسرفاتور 11/3/98. اما خارج العراق فلا يغرنك جمهورك المتحد معك وجدانياً لانه تعرف على نفسه المريضة فيك. اذ انه مسكون مثلك بجدلية جنوني الاضطهاد والانتقام من "المتآمرين الصهاينة". وكما يحدث عادة مع امثالك من المصابين بالهلوسة السمعية التي تخيل اليهم انهم يسمعون هواتف من السماء فان تباهي جمهورك بك زادك يقيناً على يقين بأن هواجسك وتفسيراتك البارانوية حقائق لا جدال فيها. وفي المقابل فان معارضيك لا يثيرون لديك الا جنون الانتقام لانهم ينكأون جراحك الدامية بوضعهم لك وجهاً لوجه امام حقيقتك المعرّاة من دفاعاتها اللاشعورية. الألوف الذي تظاهروا في اكثر من بلد عربي ليسوا بالضرورة من المتعاطفين معك بل مع مأساة الشعب العراقي المجوَّع ومن المستائين من سكوت واشنطن المتواطئ على استهتار اسرائيل منذ 30 عاماً بالشرعية الدولية فيما يدفع اطفال العراق ثمناً باهظاً لاستهتار صدام حسين بها. بل مكافأة حكومات اسرائيل على استهتارها بثلاثة بلايين دولار سنوياً وغض الطرف عن ممارستها لارهاب الدولة، عن ترسانتها النووية، الكمياوية والبيولوجية، عن الشعب الفلسطيني وتركه يواجه مصيره وحيداً أمام شبيهك الاسرائيلي نتانياهو بدلاً من تحمل مسؤولياتها والوفاء بالتزاماتها المعلنة: الأرض مقابل السلام. أما جمهورك المؤيد لك الذي هو من طينتك النفسية اي الذي تعرف على هواجسه، طباعه وتخييلاته فيك فهو أقل من 5 في المئة كما اتضح ذلك من استطلاعات معهد القدس بين الفلسطينيين الذين تظاهروا احتجاجاً على سياسة واشنطن ازاء العراق، والنسبة قابلة للتعميم على البلدان العربية الاخرى. ها أنت اخيراً بطل مهزوم ومعزول وسط شعبه وجمهوره وعاجز عن ممارسة الحكم فماذا تبقى لك؟ مجازفة بالدعوة الى الاستقالة رغم استحالة اقناع بارانوي عنود وانتحاري تعريفاً بالانسحاب من حلبة الصراع حياً فاني مع ذلك اجازف بدعوتك الى الاستقالة لانه في البلدان الحديثة حسب الزعيم السياسي ان يخسر معركة انتخابية ليعتزل الحكم والسياسة اصلاً. عشرات الامثلة منها مثال شارل ديغول وأخيراً الرائع محمد بوستة زعيم حزب الاستقلال المغربي. فكيف حال من خسر حربين دمويتين مثلك وادخل بلاده الى نفق مظلم وبقاؤك على رأسها قد يجرها الى مزيد من التفكك والدماء والدمار؟! لعلك تعلم منذ الآن ان سياسة واشنطنالعراقية تكاد تنحصر في خيارين احلاهما مُرّ بالنسبة لك: تصفيتك، واذا لم تستطع ذلك الآن، ارغامك بالسياسة أو بالحرب على قبول شروطها المذلة للتعايش مؤقتاً معك: وضع العراق تحت وصايتها العسكرية، السياسية والاقتصادية، اقامة قواعد عسكرية في شمال العراق وجنوبه على حدود ايران لتطويقها ووضع حد لحكم الملالي فيها، فرض خبراء عسكريين اميركيين لاعادة هيكلة جيشك ومراقبة تسلحه، تلزيم الشركات الاميركية بدلاً من منافسيها الاوروبيين واليابانيين اعادة اعمار العراق واخيراً ارغامك على احترام حقوق الانسان واجراء انتخابات تعددية مما سيعني دفعك ونظامك الى الانتحار بشق البطن. اما بقاء الوضع الراهن لبضع سنوات اخرى فكفيل بتفكيك آخر ما تبقى من النسيجين القومي والاجتماعي، تعميق انفصال الشمال والجنوب عن الوسط لانضاج شروط إلحاقه بالأردن، تدمير البنى الاجتماعية العائلية والعشائرية التي لاذ بها العراقيون بعد ان حولت الدولة الى دولة عائلية حصراً. استعداد روسيا لتكون لك ملاذاً آمناً من المحاكمة الدولية ومن السحل في شوارع بغداد جرياً على التقليد البعثي المعروف حافز اضافي على الاستقالة التي ستحررك ايضاً من كابوس الهاجس الأمني الذي يلاحقك وهو يجعلك كما يصفه مدير سابق للمخابرات الاميركية قائلاً انك: "لا تنام في مكان واحد ليلتين متتابعتين بل انك احياناً تقضي نصف الليلة في مكان والنصف الآخر في مكان آخر"! استقالتك فيها ايضاً ما يغري مركزيتك الذاتية المولعة بالشهرة والنجومية: اقدامك على الاستقالة سيدخلك الى التاريخ كما لم يدخله حاكم عربي أو مسلم قبلك قط قلما غادر كرسي الحكم الا الى المنفى، السجن أو القبر. وسيكون لك من الوقت ما يكفي لتكتب في موسكو بهدوء مذكراتك... اما اذا سلمت السلطة الى حكومة مؤقتة متوازنة تشارك فيها جميع مكونات الشعب العراقي من اكراد، شيعة، سنة ومسيحيين لاشراك جميع الاقليات في صنع واتخاذ القرار الذي يرفع الغبن عن الجميع فستكتب بذلك آخر وأجمل صفحة في سجلك العراقي والشرق أوسطي الذي كتبت فيه حتى الآن صفحات بالغة الضراوة.