"ظلامٌ أينما توجهت"، قال. وأردف: "لكن، سوف أظل عاشقاً ذلك الضوء المعذّب، الشّاحب، البعيد". لا ماءَ يغسل جسدَ الواقع، كماء الحلم. ماتت مخيلةُ صديقي، فامتلأ عقلهُ بالتّعاليم والتّوابيتِ والمُسُوخِ. ليست المتعة وصفاً يضافُ الى عاداته، - المتعة نفسُها هي العينُ التي ينظرُ بها الى الحياة والأشياء. لا يُعتّق الطّغاةُ إلا خمرتَهم المفضلة: دمَ الحرية. الغبطة الوحيدة الباقية في هذا العالم القائم على القواعد والتعاليم، هي الحياة والخلقُ خارج القواعد والتعاليم. .... ... "عالمٌ أعيش فيه، وأعيد خلقَه يمنعني هو نفسه من أن أخلق نفسي" ليوناردو دافنتشي ..... عالمٌ "أريدُ حياته ويُريد موتي". إن كانت هناكَ أبديةٌ فهي التي تؤسس لها الهشاشةُ التي تَعْمرُ الأرض. لا أريدُ أن أقرأ من كتاب الحياة إلا تلك الصفحات التي تشع بيقينِ الرغبة. قُوّتي الكُبرى هي في هذا الطين الذي لا يَفنى، والذي جُبلتُ منه. سَفري في شرق الرغبة وشُموسها لا يتطلّعُ الى نهاية: سَفري تطلّعٌ بلا نهاية. فيما وراء النجاحِ والفشل، النّور والظّلام، أُمسكُ بخيط أرْيانَ كالطّفل، وأُنزّه خطواتي في متاهاتِ أيامي. الفكرةُ، أياً كانت، هي دائماً بَعدُ والحياةُ، أياً كانت، هي دائماً قَبلُ: قَبلُ - أولاً، وثانياً، وأخيراً. كلا، لن تتحرّر إلا إذا حرّرت عملكَ: لكن، ألديك عملٌ؟ ثمّةَ عربٌ، مواطنون، جيرانٌ، مَشغولون بصحةِ البطلِ العظيم المال: هل أكلَ اليوم، هل شربَ، هل نامَ، هل استيقظَ مع الفجر، هل سارَ، هل تكلّم، ماذا قال، ما حالُه، وما صِحّته؟ وكلُّ شيءٍ منذورٌ له، وكلّ شيءٍ لكي يوفّر له الراحة، والتنقلَ، والمَرْعى. وكل شيءٍ لتمجيده، والخضوع له، وتقديم الطاعة. لو أنَّ المتنبي لا يزال حيّاً لرأى نفسه غير قادرٍ على الحركة: يُطوّقه من كل جهةٍ عبيدٌ - كلٌّ منهم، في يُمناهُ عصاً وفي يُسراهُ صَوْلجان. يجب ان تُولي عنايةً خاصةً وفائقةً لأعدائك، يجب ان تُعيدَ خَلقَهم باستمرار: ما أسوأ العدو المهترئ الغبّي. أنتَ لا تتجدد بمجرد انتمائكَ لفكرة جديدة، أو بمجرّد الكلام عليها: التجدّد هذيانُ جَسَدٍ، وهُيامُ أحشاء. بالحبِ، جماعاً وحَبَلاً، تُولد الحياةُ وتتجدّد، بعد قولي هذا، أحبُّ ان أضيف: "في البدء كانت الكلمة". من رَحِم الحواسّ، يجب أن يجيء الفكر، - الفكرة اُلمحيية جسدٌ وحب ليست نَسْراً في جبل المعنى، بل يمامةٌ في حديقة الحب. أنتمي الى عالم انتهى، غير انه عالمٌ لا يعترف بنهايته، على العكس، يُريد ان يولد من جديد - وأين؟ داخل أنقاضه ذاتِها، ومَلءَ سرابه وأشباحه. "غبارٌ هي أيامنا"، تقولُ ما قالهُ المعرّي السيّد. لكن، ليس وراءَ هذا الغبار أو تحته، إلا َنْبضُ الحياة. الطفولةُ أجملُ الطرق الى نفوسنا، وهي، في آنٍ، أقربُ الطرق وأبعدها، أينما كنّا، وفي أية مرحلةٍ من عبورنا على هذه الأرض. الموتُ نفسُه غبارٌ في طين طفولةٍ آتية. جنسٌ بلا حبٍ رقصٌ بين جدران الموت - خَوفاً منه أو هَرباً، حبٌّ وجنسٌ معاً انْخِطافٌ في أحضان الحياة، احتفاءً بها. أكتبْ - لا تكتبْ أيُّها الشاعر، إلا لكي تزرعَ في خلايا الكلماتِ غاباتِ الرّغبة.