كرر لبنان رفضه رسمياً للصيغة الإسرائيلية لتنفيذ القرار الدولي الرقم 425. وفيما وصفت الولاياتالمتحدة الخطوة الإسرائيلية بأنها ايجابية، اعتبرها الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان بأنها مشجعة وتتطلب محادثات بين الأطراف المعنيين، ملاحظا ان "هناك زاوية سورية لا يمكن تجاهلها في موضوع الانسحاب الاسرائيلي"، في حين أن باريس أشارت إلى أن القرار "لا يستبعد امكان البدء بمحادثات". راجع ص 2 ففي بيروت، ردّ مجلس الوزراء اللبناني اعلان المجلس الوزاري الاسرائيلي المصغر قبول القرار 425 يشترط مفاوضات وترتيبات أمنية تضمن أمن حدود اسرائيل الشمالية وشمول "جيش لبنانالجنوبي" المتعامل معها بالحل، ببيان من خمس نقاط، فنّد الموقف الاسرائيلي، في اطار رفض لبنان للاقتراحات التي تضمنته. واعتبر مجلس الوزراء اللبناني ان الطرح الاسرائيلي يحمل اسباب رفضه في ذاته لتعارضه مع مضمون القرار 425، مؤكداً الاستعداد لإحياء مفاوضات السلام من النقطة التي انتهت اليها على قاعدة مؤتمر مدريد والقرارات التي تؤول الى الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب والبقاع الغربي والعودة الى حدود حزيران يونيو العام 1967 في الجولان. وتوالت ردود الفعل اللبنانية الرسمية والسياسية على قرار مجلس الوزراء الاسرائيلي المصغر رافضة اياه وبينها تصريح للأمين العام ل "حزب الله" السيد حسن نصرالله الذي اعتبره "مفخخاً"، فيما تواصلت المشاورات اللبنانية - السورية امس، فزار دمشق رئىس المجلس النيابي نبيه بري حيث اجتمع مع الرئىس حافظ الاسد لتقويم الموقف والبحث في الاحتمالات مع القيادة السورية. وفور عودة بري ليلاً الى بيروت قالت مصادره ان الاجتماع مع الرئىس الاسد استمر 4 ساعات واستكمل على غداء عمل مع نائب الرئيس السوري السيد عبدالحليم خدام ومن ثم مع رئيس جهاز الأمن والاستطلاع في القوات السورية العاملة في لبنان اللواء الركن غازي كنعان. ونقلت المصادر عنه قوله ان "المحادثات مع الاسد تناولت اولاً الوضع الطارئ في الجنوب وموقف اسرائيل من القرار 425، وتم التأكيد على ضرورة وقوف لبنان صفاً واحداً في مواجهة المؤامرة التي لا تستهدف لبنان وسورية فقط وانما كل العرب". وأضافت "تم البحث في ضرورة تراجع كل القضايا والمواضيع الخلافية الداخلية، امام تحديات المرحلة الراهنة، خصوصاً ان ما هو قائم الآن ليس شأناً عادياً، فالاقتراح الاسرائىلي هو كناية عن ظرف مختوم عنوانه القرار 425". ولفتت الى "وجود مخاوف من قيام اسرائيل بعمل عدواني وان هذا الامر لا يزال قائماً وان الديبلوماسية الوقائية التي تعتمدها اسرائيل للإلتفاف على عملية السلام تهيئ لتوجيه ضربة عسكرية الى لبنان". وفي وقت تعامل الوسط السياسي والرسمي اللبناني مع القبول الاسرائيلي بالقرار الدولي مشروطاً، على انه قنبلة سياسية - اعلامية اكثر منه اعلاناً عملياً للتنفيذ، ابلغ مصدر ديبلوماسي غربي "الحياة" في بيروت ان القرار الاسرائيلي هو "التطور الأكثر أهمية في مجرى عملية السلام الخاضعة للجمود منذ مدة غير قليلة". واضاف المصدر "اذا كان الجمود على المسار الفلسطيني ما زال مستمراً، ولا يمكننا القول ان منسّق عملية السلام الديبلوماسي الاميركي دنيس روس لم يستطع اثناء جهوده الاخيرة في اسرائىل اختراقاً، يمكن وصف القرار الاسرائيلي في شأن ال 425 بأنه اختراق، قياساً الى الجمود الذي تشهده عملية السلام منذ نحو سنة، اي منذ ما بعد الاتفاق على اخلاء مدينة الخليل من جانب القوات الاسرائيلية"، معرباً عن الاعتقاد بأن "الدول الكبرى المعنية بعملية السلام، تأمل بأن ينتج هذا التطور شيئاً جديداً ايجابياً، وهذا ما تأمل به واشنطنوباريس". وسئل هل دعوة وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت الى مفاوضات بين الحكومتين اللبنانية والاسرائيلية بعد الاعلان الاسرائيلي الاخير، لتطبيق القرار 425 تطور في الموقف الاميركي الذي كان يميل الى الاكتفاء بمراقبة الوضع، فأجاب: "لا اعتقد ان هناك تغييراً في السياسة الاميركية نتيجة تصريح اولبرايت، فالانطباع الذي أعطته، انها ما زالت تتعاطى في حذر مع هذا التطور، على رغم ان من الطبيعي ان تعتبر تبني اسرائيل للقرار 425 خطوة ايجابية ورحبت بها. وحين تدعو اولبرايت الى التفاوض فهي تعني صيغة مؤتمر مدريد لأن ما يهم واشنطن على الدوام السعي الى دفع عملية السلام ككل الى الامام، وصولاً الى حل شامل في المنطقة". وتابع المصدر الغربي "الرغبة الاميركية في ان يؤدي القرار الاسرائيلي الى تطور ايجابي، في اطار عملية السلام والترحيب بهذا القرار، يعودان الى ان واشنطن تريد مساعدة كل الاطراف على إحداث تقدم في الحل الشامل لكن هذا يجب ألا يخلف انطباعاً بأن القرار الاسرائيلي الاخير هو مبادرة اسرائيلية - اميركية. انه مبادرة اسرائيلية منفردة وليس من خطة اميركية لتطوير هذه المبادرة الاسرائيلية". وعرض المصدر أسباب حذر اولبرايت في التعاطي مع المبادرة في الوقت نفسه الذي رحبت فيها بالقول "ان الجانب الاميركي لا يريد الوقوف في وجه الايجابيات لكنه يفضل الحذر حتى لا يأخذ السعي الى تنفيذ هذه المبادرة منحى لا يحقق ما تصبو اليه واشنطن لجهة تحقيق الحل الشامل. لذلك سترون الاميركيين يتحركون ببطء وحذر ويراقبون التطورات عن قرب، وهذا منطقي". في نيويورك اصدر الناطق باسم الامين العام للامم المتحدة كوفي انان بياناً قال فيه ان الاخير "يشعر بالتشجيع نتيجة اتخاذ الحكومة الاسرائيلية، اخيراً، قرار الانسحاب من لبنان وان تنفيذ الانسحاب سيتطلب محادثات مع جميع المعنيين كي يكون فاعلاً كلياً". وقال ان انان "يحض جميع الاطراف على التعاون في هذه العملية". وذكر ان الامين العام ورئيس الوزراء الاسرائيلي تحدثا هاتفياً في اعقاب "القرار الرسمي الذي اتخذته حكومة اسرائيل بسحب قواتها من جنوبلبنان. والامين العام سبق ان طرح مسألة امتثال اسرائيل لقرار مجلس الامن الرقم 425 خلال اجتماعاته مع رئيس الوزراء نتانياهو ووزير الدفاع اسحق موردخاي، كما مع اطراف اخرى معنية، اثناء زيارته الاخيرة للمنطقة". واضاف ان "الامين العام يعرب عن ارتياحه الى ان قراراً تبناه مجلس الامن منذ اكثر من عشرين سنة اصبح اخيراً على وشك التنفيذ". ولم يأت بيان الامين العام على ذكر شروط اسرائيل لتنفيذ القرار، لكن انان كان واضحاً في دعم الموقف الاسرائيلي الداعي الى محادثات مع جميع المعنيين كي يكون تنفيذ الانسحاب فاعلاً كلياً. في واشنطن عقد السفير مارتن انديك قبل ظهر امس اجتماعاً مع السفراء العرب المعتمدين في العاصمة الاميركية وعرض لهم تطورات عملية السلام في ضوء الجولة الاخيرة على المنطقة والتي قام بها المنسق الاميركي لعملية السلام دنيس روس، واطلعهم على نتائج المحادثات التي اجراها المسؤولون في الادارة مع وزير الدفاع الاسرائيلي اسحق موردخاي في شأن فكرة الانسحاب الاسرائيلي من جنوبلبنان. وقال مسؤول في وزارة الخارجية، في معرض شرح السياسة الاميركية ازاء القرار 425، ان الولاياتالمتحدة تدعم تنفيذه وترغب فيه، وفي هذا المجال "ترحب بقرار الحكومة الاسرائيلية ونعتبره خطوة ايجابية". واوضح المسؤول ان الادارة لا تزال "تعتقد بأهمية حل شامل للنزاع العربي - الاسرائيلي بما في ذلك التوصل الى اتفاق سلام بين لبنان واسرائيل وسورية واسرائيل". وعن الدور الاميركي للمساعدة على تحقيق ذلك قال المسؤول: "نؤيد فكرة قيام محادثات مباشرة بين الاطراف المعنية. ومنذ ايام مؤتمر مدريد، وبينما نحافظ على مبدأ الحل الشامل كهدف لنا، فاننا سعينا الى تشجيع تقدم على كل مسار من المسارات". وذكرت مصادر مطلعة ان الادارة تحاول اعتماد الحذر والدقة في تعاطيها مع الاقتراحات الاسرائيلية في شأن تنفيذ القرار 425، وخصوصاً انها تشكك في العرض الاسرائيلي وتعتقد ان المسألة قد تكون خطيرة جداً سواء بالنسبة الى الامن والسلام في المنطقة وللمثلث اللبناني - السوري - الاسرائيلي من جهة، ومن جهة اخرى تريد ان تكون حريصة على عدم "تفشيل" الاقتراح الاسرائيلي علناً. في باريس أ ف ب، اعتبرت الحكومة الفرنسية أن "حلاً ثابتاً ودائماً للمشاكل الامنية" في الشرق الاوسط "لا يمكن التوصل اليه فعلا إلا عبر تسوية شاملة". لكن الناطقة باسم الخارجية الفرنسية آن غازو - سوكريه قالت ان القرار 425 "لا يستبعد امكان البدء بمحادثات تتناول اجراءات تطبيقه"، مضيفة انه "يعود للاطراف أن يقرروا ذلك".