اذا أردنا ان نعطي وصفاً لقبائل الفايكنغ الاسكندينافية يكون قريباً من أذهان القارئ العربي لقلنا انهم أشبه ما يكون بقبائل المغول التي روعت العالم الاسلامي وأقساماً من أوروبا في القرون الوسطى… مع فارق وحيد وهو ان الفايكنغ لم يصلوا الى العالم الاسلامي وظلت غزواتهم مقتصرة على أوروبا الشمالية وبعض انحاء أوروبا الغربية. انطلقت القبائل الاسكندينافية الأولى التي عرفت باسم "الفايكنغ" بحدود القرن السابع الميلادي من أقصى الشمال الأوروبي. والواقع ان اسم الفايكنغ يعني "الذي يقاتل في البحر" أو بتعبير أوضح "المقاتل البحري". وهم متحدرون من قبائل متعددة توحدت تحت شعار الغزو البحري وراحت منذ العام 700 ميلادية تهاجم المناطق المجاورة مباشرة لموطنها الاسكندينافي في ما عرف لاحقاً بالسويد والدنمارك. وأول هجوم تسجله المصادر التاريخية ضد الجزر البريطانية كان في العام 793 عندما هاجم الفايكنغ جزيرة لينديسفادن الانكليزية ودمروا ديرها التاريخي المشهور. واعتمدت هذه القبائل على محاربيها الأشداء والمتوحشين ذوي المهارات الملاحية الواسعة وعلى سفنها الخفيفة والسريعة وذات القدرة المذهلة على المناورة، وبهذه الطريقة وصلت غزواتها الى معظم المناطق الأوروبية والجزر البريطانية وبعض سواحل المتوسط الغربية، بل وحتى الولاياتالمتحدة الأميركية… طبعاً قبل وصول كولومبوس الى الأرض الجديدة! ومن عادات الفايكنغ انهم كانوا ينظمون بعد عودتهم من غزواتهم البحرية ما يشبه السوق الشعبي المفتوح ويعرضون فيه كل الأدوات والأغراض والثروات التي نهبوها في هجماتهم. وفي هذا السوق كان التبادل يتم بين المنهوبات الخارجية والانتاج المحلي. وعلى هامش هذه العملية التجارية البسيطة، كانت تجري احتفالات ومنافسات بين المقاتلين الفايكنغ كجزء من احتفالاتهم الصاخبة بالعودة المظفرة. ويبدو ان المعجبين المعاصرين بتاريخ الفايكنغ المثير ما زالوا يواظبون على احياء تقاليدهم بعد مرور أكثر من الف سنة على آخر غزواتهم التاريخية. ومن حسن حظ المدن الأوروبية ان احياء التقاليد هذه يتم بصورة سلمية ويشارك فيه هواة من الدنمارك وبريطانيا وهولندا والسويد وألمانيا ينظمون سوقاً سنوياً يشبه السوق الشعبي الذي كان يقيمه الفايكنغ بعد الرجوع من غزواتهم. وبدأت هذه العادة المعاصرة في العام 1977 في مدينة آرهوس أكبر المدن الدنماركية بعد العاصمة كوبنهاغن، وهي مستمرة سنوياً. ويلتقي هناك الألوف من المتحمسين المرتدين ازياء الفايكنغ والمتمنطقين بأسلحتهم والمبحرين في سفن مشابهة لسفنهم، كي يتبادلوا الخبرات ويقدموا الاستعراضات المعبرة عن مهارات الفايكنغ القدماء… وفي الوقت نفسه التمتع بالمؤكولات والمشروبات والرقصات والمغامرات على طريقة الفايكنغ الطيبي الذكر! والصور المنشورة الى جانب هذا الكلام التقطت في السوق الشعبي الذي أقامه الفايكنغ المعاصرون قبل أسابيع في آرهوس الدنماركية، وكأن التاريخ يعيد نفسه، لكن من دون دماء ولا قتال.