يشكل الاختلاط الثقافي الذي يعيشه عالمنا المعاصر مسألة تستحق التوقف عند ادواتها، أو قراءة اساليب الابداع بعد ان اصبحت تأثيرات العولمة أمراً محتماً على خصوصية المجتمعات. ويبدو هذا الأمر واضحاً عند اية محاولة لممارسة نشاط ثقافي مشترك بين دولتين، فتظهر عملية الثقافة وكأنها اللون المسيطر على التكوين الابداعي للمثقفين. وخلال الحفلات الموسيقية التي أقامها المركز الثقافي البريطاني في سورية كان من الصعب تمييز مجال الخصوصية البريطانية في ما قدم. فالتواصل الذي حققته الحفلات مع المشاهدين اضافة للنمط الموسيقي شكلا نموذجاً لما كان يسمى بالمثاقفة. وأصبح اليوم حالة يومية تعيشها الحضارات نتيجة التمازج الذي اتاحته تقنيات الاتصالات. ان اختيار فرقة dona & kbb كان خطوة جريئة تطرح الموسيقى البريطانية كما تبدو في نهاية القرن العشرين. وتم ادخال العود مع الغيتار والدرامز في الاغاني المقدمة مع استخدام اللغتين اليونانية والفرنسية اضافة للانكليزية، وظهرت جمالية الاغنية في توظيف هذه التأثيرات بشكل متوازن مكونة لوناً موسيقياً خاصاً. أقامت الفرقة أربع حفلات بدأت في حلب ثم حمص وختمت جولتها في دمشق بحفلتين اقيمتا في مكتبة الأسد. والفرقة مؤلفة من عازفتي غيتار هما ماراثا لويس وايف أدم وهما من أصل قبرصي - يوناني لكنهما مولودتان في بريطانيا. وهما تغنيان ايضاً وتقدمان على المسرح عرضاً يتمازج فيه الغناء مع الكوميديا. وقد حصلتا على جائزة الموسيقيين من أصل يوناني وقبرصي في الغناء الثنائي الكوميدي. ومنذ العام 1992 ركزتا نشاطهما على موسيقى الفرق الحفلات المشتركة واكتسبتا خبرة واسعة في الحفلات سواء في النوادي أو قاعات الموسيقى في لندن. وخلال حفلتي دمشق فقط شاركهما الفنان السوري جوان قرجولي العزف على العود، وكانت الاغنيات المقدمة تندرج في شكلين: الأول هو اعادة لبعض الاغنيات المشهورة مثل اغاني الفنان الفرنسي جاك بريل والثاني هو الاغاني التي كتبتها الفنانتان باللغتين اليونانية أو الانكليزية. وكان تأثير الايقاع الشرقي لهذا الشكل واضحاً وجاءت مشاركة العود لتضفي تمايزاً على الالحان. ولكن التأثيرات المتبادلة للثقافات تتجاوز عملياً الالحان لتدخل في طبقات الصوت للفنانتين، فنلاحظ استخدام تقنيات صوتية مختلفة داخل الاغنية الواحدة اضافة لتباين الطبقتين عند كل منهما، مما استرعى انتباه الجمهور الذي كان ايضاً مزيجاً من مختلف الاعمار والسويات الثقافية. تركت هذه الحفلات انطباعاً خاصاً في الموسم الثقافي السوري لهذا العام، خصوصاً ان المركز الثقافي البريطاني يشارك في معظم الفعاليات الموسيقية ابتداء من الاوبرا وانتهاء بموسيقى الجاز عبر "قافلة الجاز الاوروبية". وجاءت هذه الحفلات مختلفة في شكلها ومضمونها وقدمت صورة عن بعض أشكال تطوير التكوين الموسيقي في بريطانيا، وطرحت في الوقت نفسه مسألة التأثيرات الثقافية المختلفة في عملية الابداع الموسيقي. والنموذج الذي شاهدناه نقل تعاوناً ما بين المعهد العربي للموسيقى وفرقة Jona & kbb وكان ناجحاً في طرح ابداع يستند لتأثيرات مختلفة وبالاعتماد على تقنيات موسيقية متطورة. كلام الصور: - مارثا لويس وايف آدم في احدى الحفلات