أنتجت المصالحة بين ترويكا الحكم اللبناني برعاية وضمان سوريين، اثناء قمة اللاذقية اول من امس اتفاقاً على مخارج لمعالجة الخلافات التي اندلعت خلال الاسابيع الماضية وعلى البحث في الملفات العالقة خصوصاً في المجال الاقتصادي، وعلى سحب موضوع استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية من التداول، في شكل يتيح التفرغ لتحرك لبناني خارجي، بالتنسيق مع سورية في مواجهة التحرك الاسرائيلي الهادف الى تسويق مشروع وزير الدفاع الاسرائيلي اسحق موردخاي لتنفيذ قرار مجلس الامن الرقم 425، مشروطاً بمفاوضات على ترتيبات امنية يرفضها لبنان وسورية معاً. واجتمع وزير الخارجية اللبناني فارس بويز في باريس امس، مع نظيره الفرنسي هوبير فيدرين، الذي دعا في تصريح الى عدم تجاهل الاقتراح الاسرائيلي بتطبيق القرار 425 وطمأن الى ان تعديل هذا القرار غير مطروح في مجلس الأمن. وأكد مصدر فرنسي لپ"الحياة" ان الوزير الفرنسي نصح الجانب اللبناني "بالتقرب من الامين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، للتحقق من طبيعة موقفه وربما توضيح هذا الموقف". راجع ص2 وتحصّن رؤساء الجمهورية الياس الهراوي والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة رفيق الحريري بالصمت حيال مضمون ما توصلوا اليه نتيجة المصالحة بينهم، وأكدت مصادرهم ان جلسة مجلس الوزراء اليوم ستشهد ترجمة بعض ما اتفقوا عليه، اذ ستشهد الجلسة نفسها بداية البحث في خطوات التحرك الخارجي لتسويق الموقف اللبناني من الاقتراحات الاسرائيلية في شأن تنفيذ القرار الرقم 425، وتقويماً للرسالة التي تلقاها بويز من وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت التي دعت فيها لبنان الى التفاوض مع اسرائىل في شأن تنفيذ القرار. وعلمت "الحياة" في هذا الاطار ان رسالة اولبرايت اشارت الى اعتبارها ان تنفيذ الپ425 يفترض ان يكون "خطوة في اطار السلام الشامل". وقالت مصادر رسمية لبنانية ان هذا الامر كان مدار نقاش في قمة اللاذقية، وان المسؤولين اللبنانيين ينوون استيضاح واشنطن ما تقصده بذلك، في ظل خشيتهم ان تكون الدعوة الى التفاوض مع اسرائىل نوعاً من التوريط للبنان في اتفاق اوسلو جديد، كالذي حصل على المسار الفلسطيني الذي يواجه تنفيذه عقبات بسبب غموض نقاطه. وينتظر ان يستكمل البحث في خطوات التحرك في مواجهة الموقف الاسرائيلي، خلال اجتماع ثنائي يعقد غداً الخميس في دمشق بين نائب الرئيس السوري السيد عبدالحليم خدام ووزير الخارجية السيد فاروق الشرع من جهة والحريري وبويز من جهة اخرى. وفي الوقت الذي بررت اوساط رسمية، تكتم الرؤساء الثلاثة على ما دار في قمة اللاذقية بأنهم اتفقوا على عدم اتاحة المجال لپ"خردقة" الاتفاق عبر التسريبات الاعلامية، فان الاوساط نفسها والمراقبين لمجريات الأمور اعتبروا ان البيان الذي صدر عن الناطق الرئاسي السوري ليل اول من امس حمل دلالات مهمة. فهو رأى في الطرح الاسرائيلي مناورة، وأشار الى ان الجانب اللبناني اعتبر هذا الطرح تفريغاً للقرار الرقم 425 من مضمونه ويرمي الى تخريب عملية السلام وإلى ان الشعب اللبناني رفض الشروط الاسرائيلية جملة وتفصيلاً بكل فئاته ورفض اي ترتيبات امنية لأن الأمن لا يمكن ضمانه إلاّ في اطار سلام عادل وشامل. لكن الأهم، بحسب هذه الأوساط والمراقبين، ان "البيان تطرق للمرة الأولى الى الوضع الداخلي اللبناني حين اشار في وضوح الى ان القمة ناقشت بالتفصيل اسباب ما تعرضت له الساحة اللبنانية في المرحلة الاخيرة وتم الاتفاق الشامل على كل ما من شأنه تعزيز مسيرة السلم الأهلي ودعم صمود الشعب اللبناني"، مسجلاً شكر الجانب اللبناني للرئىس الأسد "لدعمه الجبهة الداخلية والوحدة في لبنان لمواجه المهامات الوطنية المقبلة". ورأت هذه الاوساط في الاعلان السوري الصريح والنادر عن التطرق الى الوضع الداخلي الذي، وإن كان يبحث عادة من دون ذكره في البيانات الرسمية، ان الرعاية العلنية من القيادة السورية للمصالحة عنصراً ضاغطاً على الرؤساء الثلاثة وسائر الأفرقاء من اجل اطالة امد "اتفاق نيسان" بينهم بعدما سقطت الاتفاقات والمصالحات السابقة المتعاقبة وأبرزها ورقة الاصلاحات الاقتصادية التي توصلوا اليها في تشرين الاول اكتوبر الماضي، بفعل التجاذبات، على الأمل العودة عليها بعد مصالحة اول من امس. وعلمت "الحياة" ان اجتماع اللاذقية كان بمثابة الاسفنجة التي امتصت كل ما في صدر كل من الرؤساء الثلاثة حيال الآخر فأفرغ كل منهم ما في جعبته ضد الآخر من مأخذ، وتدخل الرئيس السوري ناصحاً ومقترحاً المعالجات التي كان بعضهم اقترحها او ألمح اليها. وأكدت مصادر مطلعة ان التوافق شمل وضع مخرج للخلاف على مشروع قانون الزواج المدني الاختياري الذي أقرّه مجلس الوزراء، يعلنه وزير الاعلام باسم السبع مساء اليوم اثر جلسة مجلس الوزراء، والتريث في اي بحث في الاستحقاق الرئاسي "من دون حرق للمراحل"، فيتأجل حديث تعديل الدستور لإتاحة المجال للموظفين الكبار بالترشح الى الانتخابات الرئاسية او للتمديد للرئىس الحالي، الى مطلع الخريف المقبل، وأن تجرى الانتخابات البلدية والاختيارية حكماً في موعدها منتصف الشهر المقبل وأن يتم ايجاد مصادر تمويل للمشاريع الانمائية التي كانت مدار اخذ وردّ. وفي حين انتهت قمة اللاذقية بتنفيس الاحتقان الذي ساد بين الرؤساء الثلاثة، فان صيانة الوضع الاقتصادي اخذت حيزاً واسعاً من البحث. وعلى صعيد لقاء فيدرين - بويز، قال مصدر فرنسي مطلع لپ"الحياة" ان الوزير الفرنسي غير متفائل بنجاح الحوار الاوروبي - المتوسطي في ظل توقف مسيرة السلام. وأضاف ان بويز عبّر عن اقتناع عربي مفاده ان هناك مجالاً اكبر لدور اوروبي على صعيد مسيرة السلام نظراً الى الوضع الراهن في الولاياتالمتحدة وأن الاميركيين انفسهم يرغبون في وجود اكبر للأوروبيين وأن فيدرين وافق على هذا الرأي، لكنه اشار الى "ان الوضع الاوروبي مرهون ببعض الحدود، وفرنسا تبذل كل الجهود لحمل اوروبا على اداء دور اكبر لكنها تتساءل عن المدى الذي يمكن ان تذهب اليه اوروبا في دورها على صعيد مسيرة السلام في ظل بعض التناقضات في المواقف الاوروبية". وأشار الى ان زيارة وزير الخارجية البريطاني روبن كوك لجبل ابو غنيم "تمت بتشجيع كبير من فرنسا، لكن فرنسا وحدها تقريباً التي دعمت كوك في خطوته". وبالنسبة الى الضغوط الاقتصادية على اسرائىل ذكرت المصادر ان فيدرين "اطلع نظيره اللبناني على ان الرأي العام والأحزاب الفرنسية اليسارية واليمينية طالبت بتأجيل اقرار اتفاق الشراكة مع اسرائيل في اطار البرلمان الفرنسي، في حين ان اي دولة اوروبية اخرى لم تقدم على مثل هذا الموقف". وقال المصدر ان بويز "سأل فيدرين عن انطباعه عن تصريحات انان، وأن الوزير الفرنسي اجاب انه يتفهم صعوبة هذا الملف وكرر الموقف الفرنسي القائل ان كل ما يؤدي الى انسحاب من لبنان واحترام وحدته وسيادته ينصب في الاتجاه الصحيح، ولكن لا ينبغي حمل الطرف اللبناني على موقف لا يرغب فيه ودفعه على الدخول في نهج مع اسرائيل يتعدى نطاق مجرد الانسحاب". وأضاف ان الوزيرين "اهتما بإجراء قراءة للقرار 426 الذي ينص على محادثات محصورة في الاجراءات المتعلقة بالانسحاب وتدور بين قوة حفظ السلام في جنوبلبنان وبالتالي الامين العام للامم المتحدة واسرائىل ولبنان". وأشار الى "ان فيدرين اشار الى وجوب اعطاء الانطباع بأن القرار الاسرائيلي ينصب في الاتجاه الصحيح، واذا كان لا بد من اجراءات تقنية تتعلق بالانسحاب فان القرار 426 يفي بهذا الغرض، ووجهات النظر اللبنانية والفرنسية متطابقة على هذا الصعيد".