لمحة عامة يشكل لبنان وسورية القسم الشمالي لمنطقة بلاد الشام. ويتمتع البلدان بموقع جغرافي يجعل منهما أحد أهم نقاط العبور بين منطقة المشرق العربي وأوروبا. كما يشكلان وحدة جغرافية شبه متكاملة. فسلاسل لبنان الجبلية تجد امتدادها في الأراضي السورية. وكذلك الأمر بالنسبة للسهول الساحلية والوسطى السورية التي تتابع انبساطها على شاطئ المتوسط وعبر سهل البقاع اللبنانيين. ويتمتع لبنان وسورية بسوق مهمة تمتد على مساحة 195880 كيلومتر مربع يعيش عليها نحو 20 مليون شخص. وتتميز سورية بأنها من البلدان التي تتمتع بثروات طبيعية وبشرية وفيرة نسبياً. فثلث الأراضي السورية صالح لزراعة مختلف المحاصيل وعلى رأسها الحبوب والقطن. كما أن لدى البلاد ثروات طبيعية كالنفط والفوسفات والغاز بكميات لا بأس بها. وتتوافر فيها قوة عمل مؤهلة بشكل جيد نسبياً. وإذا كان لبنان فقير بالثروات الطبيعية المعدنية والنفط فإن لديه مقومات لزراعة متنوعة من الخضار والفواكه. كما أن قوة العمل اللبنانية تعتبر من أفضل قوى العمل العربية من حيث مستوى التأهيل والكفاءة. البنى الاقتصادية يعتبر كل من لبنان وسورية من البلدان ذات الدخل المتوسط. فاجمالي الناتج المحلي لكلا البلدين يبلغ فقط 26.7 بليون دولار أميركي، 16.6 بليون دولار 62.2 في المئة لسورية و10.1 بليون دولار 38.8 في المئة للبنان. ومما يعنيه ذلك أن نصيب الفرد من اجمالي الناتج المحلي في لبنان يفوق مثيله في سورية، 2519 مقابل 1039 دولار أميركي. وعلى رغم هذا الاختلاف إلا أن الناتج المذكور يعكس تدني مستوى أداء القطاعات الاقتصادية خصوصاً قطاعي الصناعة التحويلية. فمساهمة هذين القطاعين في اجمالي الناتج المحلي لا تتجاوز حدود ال 12 في المئة. وكما نرى فإن هذه النسبة لا تزال بعيدة عن مثيلاتها المتحققة في البلدان الصناعية والتي تتجاوز حدود ال 20 في المئة من ناتجها المحلي الاجمالي. ومن جملة ما ينطوي عليه ذلك أن هناك مجالاً كبيراً للنشاط في القطاعين المذكورين في كلا البلدين. وعلى صعيد القطاع الزراعي الذي يغلب عليه الطابع التقليدي فإنه ما يزال يساهم بنحو 30 في المئة من اجمالي الناتج المحلي لسورية. أما في لبنان الذي يساهم القطاع الزراعي بأقل من 8 في المئة في ناتجه المحلي الاجمالي، فإن القطاعات الخدمية تشكل أهم دعائم اقتصاده، حيث تقدر مساهمتها في الناتج المذكور بأكثر من 70 في المئة. وكان موقع الزراعة اللبنانية في الناتج المذكور يفوق ذلك بكثير قبل اندلاع الحرب اللبنانية منتصف السبعينات. ومع انتهاء الحرب فإن الظروف أصبحت مهيأة لاستغلال الأراضي التي تم التوقف عن زراعتها أيام الحرب وتطوير طرق الانتاج الزراعي. وهذا ما سيساهم في إعادة دور القطاع المذكور الى سابق عهده على الأقل. أما بالنسبة لسورية فإن زيادة الانتاج الزراعي فيها مرتبط بالدرجة الأولى بتحديث طرق الانتاج المذكور وتطوير الصناعات التي تعتمد على تصنيع المنتجات الزراعية. وفي كلا البلدين فإن قطاعات البنية التحتية لا تزال بحاجة الى مزيد من التطوير كي تواكب متطلبات نمو اقتصادي متوازن. وتعاني أطراف المدن الكبرى والأرياف بشكل خاص من تخلف البنى المذكورة. وعلى صعيد التجارة الخارجية فإن الصادرات الزراعية من الخضار والفواكه ذات الأصناف المتشابهة تلعب دوراً مهماً في تجارتهما الخارجية. كما أن عدداً كبيراً من منتجات الصناعة التحويلية متشابهة أيضاً. غير أن سورية تصدر بالاضافة الى ذلك القطن والحبوب والنفط ومشتقاته والفوسفات. ويستورد كل من البلدين الآلات والتجهيزات من البلدان الصناعية في أوروبا الغربية ومن اليابان وكوريا الجنوبية بالدرجة الأولى. مستوى التعاون الاقتصادي على رغم غلبة عناصر التشابه على اقتصاد كل من لبنان وسورية، إلا أن هناك امكانات متعددة لتبادل تجاري قوي بينهما. وقد مكنت الاتفاقات الاقتصادية الموقعة بين البلدين خلال الاعوام الستة من تحقيق بعض التحسن على صعيد تطوير التبادل المذكور 1 . فلبنان اليوم يسد قسماً مهماً من حاجاته للخضار والفواكه والحبوب والأنسجة والألبسة والنفط ومشتقاته عن طريق استيرادها من سورية. غير ان حاجة لبنان الى الخضار والفواكه السورية تقل بالتدريج مع استعادة زراعته لعافيتها. وبالنسبة لسورية فإن حاجتها الى السلع اللبنانية ضعيفة كونها تنتج وتصدر سلعاً مشابهة. وعلى العكس من ذلك فإن سورية تستفيد من تشغيل عدد كبير من الأيدي العاملة المحلية الفائضة والرخيصة في لبنان. ويقدر عدد العمال السوريين في لبنان بأكثر من نصف مليون تعمل غالبيتهم في قطاع البناء والتشييد الذي يتم تطويره وتحديثه في إطار إعادة بناء ما خلفته الحرب. كما ان مدينتي شتورة في البقاع اللبناني قرب الحدود السورية وبيروت تشكلان مركز الخدمات المالية والتجارية لعدد كبير من رجال الاعمال السوريين سيما الدمشقيين منهم والحلبيين. ومما ساعد على ذلك كون لبنان يعتمد سياسة الاقتصاد الحر أو اقتصاد السوق. كما ان لديه سوقاً مالية قادرة على تقديم الخدمات المذكورة عبر مختلف بلدان العالم. على العكس من ذلك فإن سورية لا تزال تعتمد سياسة الاقتصاد الموجه وليس لديها سوق مالية تتمتع بكفاءة السوق الموجودة في لبنان. فرص تطوير العلاقات الاقتصادية غير ان التحسن الذي شهدته العلاقات الاقتصادية سيما التجارية منها بين البلدين، لم يؤد الى تغيير جوهري في حجم هذه العلاقات التي بقيت في حدود مستوى العلاقات القائمة بينهما وبين بلدان عربية اخرى. وعلى سبيل المثال فإن حجم الواردات السورية من لبنان لم يتجاوز 1.2 في المئة من مجمل وارداتها. كما ان حجم الصادرات اليه لم يتجاوز حدود الپ8 في المئة من مجمل صادراتها. ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للبنان. وفي المستقبل المنظور يمكن تعزيز هذه العلاقات على اساس توسيع حجم التبادل التجاري من سلع متعددة وعلى رأسها المنتجات الزراعية والأنسجة. وبهذا الخصوص فإنه يمكن للبنان استيراد هذه المنتجات بكميات أكبر للاستهلاك المحلي أو من أجل تصنيعها واعادة تصديرها الى سورية وبقية البلدان. ويمكن للبنانيين من خلال ذلك الاستفادة من علاقاتهم وخبراتهم الجيدة في مجالي التسويق والتصدير. لكن تحقيق ذلك يتطلب إزالة المزيد من العراقيل الادارية والروتينية التي لا تزال تعيق تدفق هذه المنتجات عبر حدود البلدين. أما تحقيق التكامل الاقتصادي الذي تهدف اليه الاتفاقات الموقعة بين البلدين، فإن الطريق أمامه لا تزال طويلة. فاقتصاد البلدين لا تزال تجمعه عناصر التشابه والتماثل أكثر مما تجمعه عناصر التنوع والتكامل. وكي يتم تغليب هذه الأخيرة فإنه يتعين تنفيذ العديد من البرامج والخطط. ومن أهم ما ينطوي عليه ذلك: تحديث قطاعات البنية التحتية خلال السنوات المقبلة بشكل مشترك. وينبغي لهذا التحديث ان يتم بإشراك القطاع الخاص المحلي والاجنبي. فالقطاع المذكور لا يستطيع فقط توفير قسم مهم من رؤوس الاموال اللازمة لذلك وانما التكنولوجيا والخبرات الادارية الكفيلة بنجاح عملية التحديث المذكورة. تسهيل ودعم اقامة المشاريع الانتاجية والخدمية المشتركة التي تربط اللبنانيين والسوريين بمصالح مشتركة لا يمكن لهما الاستغناء عنها في المستقبل حتى في حال حدوث خلافات سياسية بينهما. وينبغي لهذه المصالح ان تقوم على اساس تصنيع وتسويق الموارد المتوافرة وتشغيل الأيدي العاملة. ويأتي على رأس المشاريع المذكورة في الظروف الراهنة تلك التي تنتج المواد الغذائية والانسجة والألبسة والكيماويات ومواد البناء. إن إرساء دعائم التكامل الاقتصادي بين البلدين يجب ايضاً ان تتم بالتوازي مع تنفيذ خطة تهدف الى إلغاء ما تبقى من القيود الجمركية وايجاد أرضية قانونية موحدة للأنظمة الاستثمارية والضريبية، وبالنسبة لسورية فإنه لا بد من الاسراع في تحديث سوقها المالية والمصرفية العاجزة عن مواكبة تطورها الاقتصادي ومتطلبات المزيد من التنسيق الاقتصادي بين البلدين. وعلى السوريين هنا الاعتماد على خبرات لبنان في هذا الشأن والتي تعتبر من أفضل الخبرات في منطقة الشرق الأوسط. كما أن الفكرة التي ينادي بها العديد من الاقتصاديين في البلدين لجعل بيروت مركزاً لبورصة مشتركة يجب أن تحظى بالاهتمام الجاد لحكومتي البلدين. فمما لا شك فيه أن تحقيق ذلك يساعد على تطوير الشركات والمشاريع المختلفة في كلا البلدين وتأمين رؤوس الأموال اللازمة لها. خاتمة إن تحقيق التكامل الاقتصادي بين لبنان وسورية لن يغنيهما عن ضرورة العمل على قدم وساق لتحقيق التكامل الاقتصادي مع البلدان العربية الأخرى. فكلاهما يملك امكانات محدودة لناحية الموارد المتوافرة وحجم السوق وامكانات التطور وغيرها. كما أن التكامل المذكور لا يغنيهما عن تعزيز التعاون الاقتصادي مع التكتلات الاقتصادية العالمية. فهذا التعاون ليس ضروري فقط للتبادل التجاري وانما أيضاً لنقل المعارف والتكنولوجيا التي يحتاج إليها البلدان بشكل أكثر من أي وقت مضى. من جهة أخرى ان نجاح تجربة التكامل الاقتصادي في تطوير البنى الاقتصادية للبنان وسورية رهن بوضع سياسات اقتصادية مشتركة تتجاوز التعارضات والتناقضات القائمة بين سياستي البلدين بهذا الشأن. ففي الوقت الذي يتبع لبنان نظام الاقتصاد الحر، فإن سورية لا تزال تتبع نظام الاقتصاد الموجه. ولا يغير من جوهر ذلك حقيقة أن سورية اتخذت خلال السنوات العشر الماضية خطوات ليبرالية تعتبر الأعمق والأشمل منذ أكثر من أربعين عاماً. وشملت هذه الخطوات بالدرجة الأولى تحرير واسع لقوانين التجارة الخارجية وأنظمة الاستثمار التي كانت تعيق أنشطة القطاع الخاص. كما أن النجاح المذكور رهن بادخال تغييرات تدريجية على البنى السياسية القائمة. وينبغي لذلك أن يتم على أساس إشراك المواطنين تدريجاً في الحياة السياسية بشكل أكثر فعالية. فالفئات الصاعدة اقتصادياً لن يكتمل دورها الاجتماعي من دون دور سياسي يضمن اشراكها في اتخاذ القرارات المتعلقة بمستقبلها على قاعدة احترام الدستور ونبذ أعمال العنف. وقد أثبتت تجربة التنمية الاقتصادية في بلدان جنوب شرق آسيا ان التطور الاقتصادي يكون هشاً في حال عدم تدعيمه بتطور سياسي يكون ضامناً لاستمرار ايجاد الأطر اللازمة لدفعه الى الأمام. وأخيراً فإن خطط التكامل الاقتصادي بين لبنان وسورية ينظر إليها بعضهم خصوصاً في لبنان من دون حق على أنها تحقق لسورية مصالح أكبر من تلك التي تتحقق للبنان. فمثل هذه النظرة تنطوي على أفق قصير المدى. فإذا كان التبادل التجاري يميل حالياً لمصلحة سورية فإن لبنان يستفيد كثيراً من الخدمات التي يقدمها للسوريين. وفي المستقبل المنظور فإن الوضع سيتغير بحيث يتحقق المزيد من المصالح المشتركة لكلاهما. ومن جانب آخر فإن المعطيات المحلية والاقليمية التي تنطوي على اقامة محاور اقتصادية متعددة بزعامة اسرائيل تتطلب تنفيذ مثل هذه الخطط. كما أن التجارب التي مر بها لبنان خلال تاريخه أثبتت أن ازدهاره واستقراره مرتبطان بمدى قوة علاقاته الاقتصادية وغيرها مع سورية. فهي ليست فقط مجاله الحيوي لجهتي الشرق والشمال وانما أيضاً نقطة عبوره الى بقية أسواق منطقة المشرق العربي التي تعتبر من أهم أسواقه حاضراً ومستقبلاً. 1 أهم هذه الاتفاقات تلك التي وقعت في اطار اتفاقية التعاون والاخوة والتنسيق بين البلدين في أيار 1992. وقد سمح على أساسها بحرية تنقل المواطنين بين البلدين. كما سمح بحرية انتقال البضائع بينهما شرط أن تكون منتجة في أحد البلدين أو في كليهما.