السيد رئيس التحرير، الياس فريج رئيس بلدية بيت لحم - مسقط رأس يسوع الناصري - رجع إلى بارئه راضياً مرضياً. هذا الخبر قرأته على الانترنت صباح اليوم وسرعان ما امتدت يدي لتتناول مفكرتي لعام 1984 لاستعيد العالم الصغير الذي نعيش فيه. منذ عام 1948 وأنا في اشتباك لبناني إنساني ضد القيادات التافهة بين العرب والإسرائيليين. الياس فريج لم يستمع إلى نصائح جيش أبو حنيك الذي كانت مهمته التفريغ والتسليم ل "عصابات" الهاغاناه، نواة جيش العدوان الصهيوني. في هذه الأيام الصعبة تعرفت بحكم عملي إلى أنواع مختلفة من قياديين ديماغوجيين إلى مقاتلين حقيقيين، وإلى منظرين من كل الطبقات، كما عجبت لبقاء رئيس بلدية بيت لحم وهي رأس البلديات المفتوحة على العالم أجمع وفي أزقتها الضيفة تشارك القدس ونابلس قمة المآسي الانسانية في الصراعات التي لا يعرف رأسها من كعبها. هذا الرجل الذي صمد في بيت لحم وتقلبت على إدارته التناقضات والأنظمة المتصارعة من دولية وإسرائيلية وعربية وشوارعية، بقي من عام 1972 رئيساً لبلدية بدأ فيها عضواً في الستينات يدافع عن بقايا أهلها وأهله الذين فقد منهم من فقد بالموت أو بالهجرة. وهنا وفي نيويورك أنا التائه الآخر التقي بعض ذلك الرجل في مطعم ايطالي في الشارع الخامس من منهاتن. التفت نحوي فتاة تسألني: هل أنت من الشرق الأوسط؟ فهززت برأسي مبتسماً، فضحكت وقالت بلهجة مكسرة: آربي؟ فوسعت ابتسامتي على اعتقاد ان محدثتي إسرائيلية، وإذا بها تسارع إلى القول: وأنا كمان من "بالستاين". ولما شعرت ان صديقها انزعج من تدخلي أوضحت له أني أعرف أهلها ثم راحت تطرح عليّ الأسئلة بعد أن عرفت اني صحافي لبناني اعرف عمها رياض البندك الموسيقي المشهور في الاذاعة اللبنانية. وكم كانت دهشتها كبيرة عندما قلت لها اننا نكتب دائماً عن خالها الياس فريج رئيس بلدية بيت لحم الذي يحترمه الجميع. وقالت لصديقها بصوت مسرحي: يا لطيف شو صار العالم زغير.