لم تكن ليلة الجمعة 9 نيسان ابريل عام 1948 ليلاً سكَناً لأهالي دير ياسين البالغ عددهم 750 نفساً. بيد انه لم يخطر ببال أحد منهم انها ستكون آخر ليلة سيأوون فيها الى فراشهم بين أهليهم ووسط كرومهم في قرية آبائهم وأجدادهم أو ان العديد من أقرب الأقربين اليهم لن يروا غروب الشمس التالي، ولفّ البلدة جو جمع بين دكنة الليلة والحزن على عبدالقادر، وشدّ القلوب شعور بالانقباض وهواجس مصدرها التحسب وضيق النفس. ويطلب حسن رضوان من زوجته عثمانه الا تنام الليلة مع الأولاد في منزلهما الواقع في أطراف البلدة الغربية 131 وأن تذهب للمبيت في منزل والدها صالح رضوان 90 وسط القرية، فتفعل، وتمضي هزيع الليلة في أحاديث مع والدها الذي يسرّ اليها مخاوفه، خصوصاً ان يهودياً من معارفه زاره ظهر اليوم الخميس في كسارة العائلة A بالقرب من غيفعات شاؤول ليحذره بلغة عربية ركيكة "يا خاج روخ من هون بدهم يضربوا من شانك". وتشاهد عزيزة عطية زوجة محمود رضوان من منزلها ليلاً 130 تجمعاً يهودياً مريباً في غيفعات شاؤول فتخبر أحد جيرانها فينصحها بالسكوت حتى لا تخيف القرية، وتقرر ان تذهب الى فرن القرية D في ساعة مبكرة هي الثانية صباح الجمعة على غير عادتها حاملة صينية العجين على رأسها وتترك أولادها نائمين: جمال سنة ونصف ثريا 4 سنوات سكينة 9 سنوات أحمد 11 سنة فاطمة 12 سنة ورفقة 14 سنة وتغلق عليهم الباب وتأخذ معها المفتاح وفي نيتها العودة قبل ان يستيقظوا، ويستمع زوج ام عيد الى نعي عبدالقادر من آلة الراديو في منزله 71 وهي احدى ثلاث آلات راديو في القرية تعمل على بطاريات السيارات ويقوم ليستحم وينام فتتولى تنظيف البيت وتخرج الموقد خارجه وتشعر في الظلام ان شيئاً ما لمسه فتهرب الى داخل البيت مذعورة وتطرق الباب بشدة ايقظت زوجها وتروي له ما حدث فيهدأ من روعها ويطلب منها الخلود الى النوم فترضع ابنها وتنام.
قرابة الواحدة صباحاً من يوم الجمعة 9 نيسان ابريل تحركت شراذم مشاة المهاجمين الثلاث من قواعدها حتى تكون في مواقعها المحددة لكل منها في أطراف القرية وفق خطة الهجوم عند ساعة الصفر في الخامسة والنصف من الصباح. وللتذكير نعيد ما أسلفنا: اقتضت الخطة ان تنطلق شرذمة ليحي شتيرن من مستعمرة غيفعات شاؤول غرباً لتقتحم القرية من الشمال الشرقي في منطقة بئر الجوزة C عند المنازل 16 - 24، والمنازل قبلها على يمين الطريق وتنطلق شرذمتان للايتسل ارغون من مستعمرة بيت هاكيريم احداهما تقوم بحركة التفافية من الجنوب لتقتحم أعالي القرية الغربية عند المنازل 136 - 139 والثانية تقطع الوادي الفاصل هبوطاً وصعوداً لتقتحم القرية عند منطقة جامع الشيخ ياسين 44 ومدرسة البنات 43، أما المصفحة فتنقل قسماً من الشرذمة الرابعة المختلطة 10 مقاتلين من ايتسل وليحي ويتبعها الباقون سيراً على الأقدام وتسرع على الطريق الرئيسية لتصل الى وسط القرية عند المنزل 60 - 67 على ان يتزامن وقت انطلاقها مع انتهاء تمركز الشراذم الثلاث الأخرى المسبق في مواقع بدء هجومها عند ساعة الصفر لقصر المسافة التي على المصفحة قطعها، وهكذا كانت الخطة الا يباشر المهاجمون باطلاق النار قبل احكام الطوق على القرية من الشمال والشرق والجنوب والغرب على ان تكون اشارة البدء صلية ضوئية من مدفع رشاش تحمله شرذمة "يهودا سيغل" المكلفة بالاقتحام بالقرب من جامع الشيخ ياسين 42 - 44 ويروي يهودا لبيدوت قائد شرذمة ايتسل الثانية ان قوته صادفت على الطريق حراساً من الهاغانا "فقلت لهم: اننا ذاهبون لمهاجمة دير ياسين، باركونا قائلين، نتمنى لكم النجاح، نتمنى لكم النجاح".
في هذه الأثناء كان رجال دير ياسين وشبابها في حال تأهب شديد يتناوبون الحراسة ويساندون بعضهم بعضاً فيها فاسماعيل محمد عطية 37 سنة العائد لتوه من معركة استرداد القسطل يتوجه الى منزله ليتفقد أسرته ثم ينطلق الى أحد مراكز المراقبة أمام منازل العائلة 66 - 67 ليقف على مسافة من أخيه الأصغر وكلاهما يحمل بندقية، وينهي داوود جابر دوره في الحراسة في الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل وبدل ان يعود الى منزله يتوجه مع آخرين لدعم المجموعة المرابطة عند كسارة سحور B، وفي الساعة الثانية عشرة ايضاً يستلم أحمد رضوان البندقية من أخيه محمود الذي يكبره سناً ليقوم بدوره في الحراسة والمراقبة، ويأخذ في الوقت نفسه حسين زيدان البندقية من ابنه داوود… وهكذا… ويروي اسماعيل محمد عطية انه يشاهد في الثانية والنصف صباح الجمعة اضواءً كاشفة لسيارات يهودية تخرج من المستعمرات تارة وتعود تارة فيذهب مع آخرين الى الطريق الرئيسية الموصلة الى المستعمرات ليستطلعوا جلية الأمر فلا تلبث حركة السيارات ان تتوقف ويبدو كل شيء هادئاً وتغط المستعمرات في ظلام دامس. وتختلف الروايات عن بدء اطلاق النار فاسماعيل محمد عطية يروي انه فوجئ في الساعة الثالثة والنصف تقريباً بسماع رصاص من بندقية أخيه محمود فيطلب منه تفسيراً عن "هذا التصرف الطائش" فيرد محمود انه اطلق على يهودي يحاول التسلل. ويروي داوود جابر انه سمع مع رفاقه من موقعهم عند كسارة سحور B في الساعة الرابعة عياراً نارياً فيطلب منه حسين زيدان الذي كان في الموقع نفسه ان يذهب ويخبر القرية بعدم اطلاق النار. ويروي بن زيون كوهين ايتسل قائد الهجوم ان رجاله كانوا رابضين عند أطراف وسط القرية 42 - 44 "وكان الحراس العرب يتجولون بين المنازل ويتحدثون مع بعضهم البعض وفي الساعة 4.25 دحرج أحدنا حجراً بطريق الخطأ فسمعنا ضجة خطوات مسرعة ويخاطب أحد الحراس زميله منادياً: "يا محمد!، فيظن قائد جماعتنا ان واحدا من ليحي شتيرن يلفظ بداية كلمة السر: "احدوت" ومعناها وحدة فيعطي الجواب المتفق عليه: "لو حيمت" ومعناها قتالية فيصرخ الحراس العرب "يهود يهود" ولم يعد امامنا خيار وفي الساعة 4.30 قبل ساعة الصفر بساعة أصدرت أمراً الى جماعة يهودا سيغل الأمامية باطلاق رشقة طلقات ضوئية من مدفعه الرشاش مؤذناً ببدء الهجوم".
ويروي حسين عطية 28 سنة، وهو الذي كان من أعضاء وفد القرية الذي ذهب الى مصر لشراء السلاح كما اسلفنا، ان دوره كان في مركز أمامي على تل يشرف على الطريق الرئيسية بالقرب من كسارة سحور B، وانه في الساعة الرابعة من فجر يوم الجمعة سمع ورفاقه في الموقع بوقع اقدام من الجهة الشمالية الشرقية شرذمة ليحي القادمة من غيفعات شاؤول، ولكن الصوت كان بعيداً ولم يروا شيئاً، وكانت مهمتهم حراسة الطريق الرئيسية، ولم يأت أحد على هذه الطريق بعد، ثم سمعوا صوت المعركة قائمة خلفهم وسط البلد شرذمة ايتل بقيادة بن زيون كوهين "عند مركز ابن العم اسماعيل عطية وابنه محمود" 66 - 67، وما لبث ان شاهد مجموعة ثانية يهودية "طلعت علينا من الشمال عند المدرسة" مدرسة الصبيان 6 خلفهم أيضاً و"بدأت المعركة بيننا وبين اليهود شرذمة ليحي الذين احتلوا المدرسة كما استعرت في حارات وسط البلد". وينتقل حسين ورفاقه الستة من التل الى سطح منزل الحاج أحمد رضوان 4 المشرف على الخندق المموه وتأتي المصفحة تتقدم الشرذمة الرابعة وتتوقف عند الخندق ويحاول من فيها عشرة مقاتلين ومن خلفهم شرذمة ليحي وايتسل المختلطة ردم الخندق وتجري معركة عنيفة لمنعهم من ذلك وتسقط المصفحة في الخندق ويستمر تبادل اطلاق النار الى ان تنفد ذخيرة المدافعين ويضطرون الى الانسحاب من سطح المنزل عبر أشجار الزيتون الى أعالي القرية الغربية 130 - 144 حيث ينضمون الى المقاتلين الذين تمركزوا هناك. ويروي جمعة زهران الذي كان يقطن مع أقاربه من آل زهران في المنازل 19 - 22 انه خرج من منزله 20 لوضوء صلاة الفجر حوالى الرابعة وان حرس القرية أخذوا ينهرون بأصوات عالية قائلين "سمعنا قرقعة تتقدم نحونا شرذمة ليحي القادمة من الشمال من غيفعات شاؤول ولكنهم لم يردوا علينا". ويتابع جمعة: "اننا لم نتحَّر مصدر القرقعة لأول وهلة بسبب الظلام اذ كان الجو غائماً وبدأ رذاذ المطر" حتى انطلقت اشارة "ملونة" حوالى الخامسة وبدأت المعركة. كان جمعة عند باب بيته 20 من دون سلاح اذ ان السلاح كان مع والده الحاج محمد ومع أخيه علي وابن أخيه محمد الذين كانوا يحرسون منازل العائلة ويصاب الوالد بعد الطلقات الأولى فيأخذ جمعة البندقية الايطالية منه واذ به يفاجأ باليهود شرذمة ليحي "تماماً أمام بيوتنا". وكان أخوه وابن أخيه يقاومان من ناحية الشمال ويجد جمعة نفسه وجهاً لوجه أمام يهودي في ممر قريب من منزله فيستحكم كل منهما خلف جدار ويضربه اليهودي عبوة من رشيشه ويخطئه ويضربه هو طلقة ويخطئه ويتقدم اليهودي من خلف السور ويمسك ببندقيته يريد سحبها منه وبعد شد وجذب يتغلب على اليهودي الذي ينقلب على ظهره فيطلق عليه عياراً يصيبه به وتنصب على جمعة النار من جهات عدة فينسحب الى خلف منزل يوسف عليا 23 ومنه الى أعالي القرية الغربية 130 - 135 و144 حيث ينضم الى المقاتلين الذين تمركزوا هناك ويكون هذا آخر عهد له بمجموع أفراد عائلته وأقاربه كافة ناهيك عن منازلهم. ويروي خليل سحور أخو المختار محمد سحور الذي كان يقاتل الى جانب الحاج محمد زهران والد جمعة انه نصح الحاج الجريح بالعودة الى منزله 19 ثم يذهب الى منزل يوسف عليا 23 لاخراج الذخيرة التي كانت هناك وينضم اليه ابناء يوسف عليا: علي وأحمد ومحمد ويستحكم الأربعة خلف جدار عند قائمة الزاوية بين الطريقين عند بئر الجوزة C بالقرب من منزلي آل عليا 23 - 24 وتكون شرذمة ليحي قد مرت وتقدمت الى وسط القرية باتجاه المنازل 45 - 46 فيجري تبادل عنيف بالنار بين الفريقين ويبدأ مقاتلو دير ياسين في أعالي القرية 130 - 135 و144 باطلاق النار على منطقة بئر الجوزة ويتابع خليل "أصبحنا بين نيرانهم ونيران اليهود وحاولنا ان نلفت انظارهم ولكن عبثاً". كانت الساعة حوالى الخامسة والنصف صباحاً وبعدها بقليل يأتيه من يقول ان بعض نساء وأطفال آل سحور ما زالوا في منزل عبدالحميد سحور 52 فيذهب معه ويخرجهم من شباك خلفي ويصعد الى منزل عارف سحور 59 حيث يستحكم على سطحه ويعيق مع رفاقه تقدم اليهود على الطريق الرئيسية التي يشرف عليها المنزل. وتروي الروايات السالفة للمدافعين سير القتال في الطرف الشرقي للقرية عند الكسارات والخندق رواية حسين عطية وعند زاوية الطريقين القائمة روايتا جمعة زهران وخليل سحور. وننتقل الآن الى وسط البلدة قرب منازل آل عطية 66 - 67 ثم الى أعاليه الغربية عند المنازل 136 - 139 ثم نصعد الى أعلى منازل القرية 130 - 135 - 144، ويلاحظ ان شرذمة ليحي القادمة من الشمال من غيفعات شاؤول نجحت في اقتحام منطقة المنازل 5 - 23 وتقدمت نحو وسط البلد من بئر الجوزة C باتجاه المنازل 45 - 47 اما الشرذمة الثانية المختلطة القادمة من الشرق على الطريق الرئيسية والتي تقدمتها المصفحة فقد تعثر مسيرها بسبب الخندق والمقاومة من سطح المنزل 4 ولاحقاً من خليل سمور ورفاقه ومن المقاتلين في اعالي القرية 130 - 135 - و140. واصطدمت الشرذمة الثالثة المهاجمة من بيت هاكيريم عبر الوادي بمقاومة شديدة من وسط القرية وكان احد المواقع المقاومة منزل الحاج اسماعيل عطية 67 وهو يطل على الوادي بأسره وعلى ساحة في الطرف الآخر من الشارع 42 في حائطها بوابة كبيرة للعبور الى الوادي ومنه. وكان المنزل يتألف من ثلاثة طوابق ولسطحه حائط سميك وكان يُصعد الى المنزل على سلم فيه 26 درجة كما يذكر عزمي ابن الحاج اسماعيل، الصبي حينذاك 10 سنوات "اذ كنت أعدها طالعاً نازلاً". وكان في المنزل من الرجال الحاج اسماعيل 90 سنة وابنه ربحي 22 سنة وحفيده محمود 20 سنة وكان الابن الأكبر محمد 45 سنة خارج المنزل وما ان همّ محمد بدخوله حسب رواية عزمي حتى صرخت اخته سعاد: "محمد محمد اليهود اليهود" اذ رأت عدداً منهم يحاولون عبور بوابة الساحة المقابلة من الوادي فأطلق محمد عليهم النار من رشيشه Sten وتراجعوا وصعد السلم بسرعة بينما كان ربحي ومحمود يغطيانه واتخذ محمد زاوية من السطح وابنه محمود زاوية اخرى بينما كان موقع ربحي عند احدى النوافذ المطلة على الوادي والسلم وطلب محمد من عزمي وسائر العائلة تعبئة أمشاط الستن والبنادق له وللآخرين واستمر اطلاق النار بشدة من المنزل ومن منازل قريبة دون ان يتمكن المهاجمون من اقتحام البوابة، واذا تعثر هجوم شرذمة الايتسل في هذه الناحية فإن هجوم الشرذمة الرابعة الالتفافي الذي كان القصد منه الوصول الى أعالي القرية الغربية من الجنوب عند المنازل 136 - 139 صد، ويعزو تقرير قدمه في 10 نيسان غداة المعركة مردخاي جيحون الذي كان ضابط مخابرات الهاغانا في المنطقة والمكلف كما أسلفنا بمساندة الهجوم باحتلال تل الشارفه جبل هرتسل الآن فشل المهاجمون في احتلال دير ياسين في الساعات الأولى من الصباح الى صد تقدم هذه الشرذمة بالذات ذلك انه لو استطاعت في وقت مبكر من الصعود الى أعالي القرية الغربية لكانت تمكنت من حسم المعركة في فترة وجيزة انتهى كلام جيحون. ويعود صد تقدم هذه الشرذمة وارغامها على الهبوط ثانية الى الوادي الى حفنة من مقاتلي القرية وعلى رأسهم علي قاسم الذي كان منزله 140 في أعاليها وقد أصيب علي خلال دحره المهاجمين اصابة خطرة نقل في اثرها الى عين كارم وهو من المحاربين القدماء من ثورة 1936 وهو الذي درب اهالي دير ياسين على السلاح كما أسلفنا. وورد في الروايات السالفة انسحاب بعض المقاتلين الى منطقة المنازل 130 - 135 و144 والواقع ان المرابطين في هذه المنطقة لعبوا دوراً أساسياً في القتال لا يقل عن دور علي قاسم بل قد يفوقه. ويروي حسن رضوان 131 انه استيقظ على أصوات اطلاق الرصاص وصراخ عال من أنحاء القرية. فيقف عند باب داره استطلاعاً للأمر فيشاهد جيرانه عند أبواب بيوتهم كذلك. ويأخذ بندقية من ابن جاره محمود لصغر سنه ويستحكم خلف جدار امام الدار يشرف على القرية بأسرها وعلى الطريق الرئيسية من غيفعات شاؤول وكانت بندقيته انكليزية من مصر يحتوي مخزنها على خمس طلقات وكان في منزله حوالى ثلاثين مخزناً اشترى ذخيرتها من هنا وهناك ومن بعض أفراد القرية. وعند بزوغ الشمس يرى اليهود يأتون من الشرق "عند بيوت زهران" 19 - 22 وكانت الساعة حوالى الخامسة فأخذ يطلق عليهم النار وهم يردون عليه وكانت أقرب طلقة منهم بعيدة عنه حوالى ثلاثة أمتار وبقي ثابتاً في موقعه "لا طالع ولا نازل" حتى الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر يطلق النار باقتصاد لقلة ذخيرته حوالى 20 طلقة في الساعة على أهداف مختارة ويحضر الى جواره حوالى السابعة جمعة زهران يتبعه خليل سحور 29 ثم عبدالمجيد سحور 51 وأخوه عبدالحميد 52 فيشاركون في القتال وكان عبدالمجيد قناصاً ماهراً، وفي هذا الأثناء كان أبو علي صلاح يطلق النار باستمرار من مدفع رشاش برن من منزله 144 ويشتد أزيز الرصاص وتدوي الانفجارات في عدد من احياء القرية ويحاول اليهود عبثاً الصعود الى أعالي القرية بسبب شدة النيران من هؤلاء المقاتلين، وتشهد جميع الروايات اليهودية اللاحقة بقوة مقاومة هذه المنطقة العليا وتصف خطأ منزل أبو علي صلاح بپ"منزل مختار دير ياسين" لعلوه وشدة مقاومته بينما منزل المختار هو 29 مقابل فرن البلدة D الذي كان المختار يملكه وتتمكن هذه المجموعة المقاومة مع سائر المقاتلين من تثبيت المهاجمين عند أطراف القرية الشرقية لساعات عدة مما أدخل اليأس الى قلوبهم.
وفي الساعة الخامسة تبدأ طلائع الجرحى من المهاجمين في الوصول الى غيفعات شاؤول ويكتب الضابط المناوب للهاغانا في قيادة ديفيد شلتئيل قائد الهاغانا بالقدس في دفتر العمليات اليومية "هوجمت دير ياسين في عملية مشتركة للايتسل وليحي، ليحي نجحت في عمليتها من جهة غيفعات شاؤول والايتل اصطدمت بصعوبات، هناك أخبار عن مقاومة لا بأس بها وهناك قتلى وجرحى بين المهاجمين". وفي السادسة يصاب بن زيون كوهين ايتسل قائد الهجوم بجراح خطيرة ولا يستطيعوا اخلائه، ويروي يونا بيتلسون "كنت مناوباً في هيئة الأركان للهاغانا في تلك الليلة ويسأل حراس الهاغانا في غيفعات شاؤول: ما العمل؟ المهاجمون عالقون ونصدر لهم الأمر بمساعدتهم". ويقول المؤرخ اليميني ملشتاين: "اشتركت رشاشات الهاغانا في الأحياء المقابلة لدير ياسين في العملية وأصيب الكثيرون من أهالي دير ياسين من جراء هذه النيران". ويضيف: "تقدم عدد قليل فقط من ايتسل تحت وابل النيران لملاقاة رجال ليحي وسط القرية" ويتابع ملشتاين "عندما نفدت الذخيرة من ايتسل وليحي اعطاهم قائد غيفعات شاؤول في الهاغانا ذخيرة قليلة وأخذوا من دون موافقته مدفعاً من طراز لويس Lewis. ويقول تعميم وزعه جهاز استخبارات الهاغانا على كبار القادة في 18 نيسان "مع سقوط الجرحى والقتلى الأوائل في أوساط المنشقين أي ايتسل وليحي دبت الفوضى في صفوفهم، كل وحدة صغيرة خاضت المعركة بمفردها ونُفذ الاحتلال بوحشية، عائلات بأكملها قتلت، وتكدست الجثث فوق بعضها البعض". وفي الساعة السابعة صباحاً يروي عزرا يخين ليحي: "جاء موفد من ايتسل الى القطاع الذي كانت فيه ليحي وقال ان رجال منظمته يبحثون في الانسحاب بسبب النقص في الذخيرة، وقال مردخاي بن عوزيهو قائد ليحي الذي لم يكن قد جرح بعد للموفد اذهب واقنعهم بعدم الانسحاب فنحن في داخل القرية". وفي الوقت نفسه يصل جريح الى غيفعات شاؤول حسب رواية ملشتاين ويصرخ "لماذا لا تخلون الجرحى؟". فتصدر الهاغانا الأوامر لسيارة اسعاف نجمة داوود الحمراء الى الذهاب الى دير ياسين لاخلائهم وتكرر زياراتها ذهاباً واياباً ولم يتمكنوا من اخلاء بن زيون كوهين الا في الساعة 11.30. وفي "وقت مبكر" يحضر ضابط الاتصال بليحي الى معسكر البالماخ في مدرسة شنلر حسب رواية ملشتاين ويقول ان رجال ايتسل منهكون ويطلبون المساعدة فتسرع مجموعة من البالماخ في تاكسي مع مدفع هاون بوصتين ودليل الى دير ياسين. وفي الساعة التاسعة يصل عداء من القرية الى قيادة مردخاي رعنان قائد الايتسل في القدس حسب روايته هو ويبلغه ان عدد المصابين عشرون وان القوة عاجزة عن التقدم وبن زيون وكوهين الجريح يطلب التعلميات فيذهب رعنان وبصحبته يهوشع غولدسميث الى القرية "تحت نيران القناصة" ويجتمعا بكوهين الذي يقول لهما "القرار لكما ولكن حسب رأيي لا توجد فرصة لاحتلال القرية وينبغي علينا ان ننسحب وكان يسود المكان جو من الكآبة". وفي هذه الأثناء حسب رواية المؤرخ ملشتاين اليميني يصل موفد من ايتسل الى قيادة اللواء عتسيوني للهاغانا في القدس قائلاً: "اذا لم تساعدونا فنحن هالكون". ويصدر شلتئيل امره الى قوات البالماخ المرابطة في مستعمرة كريات عنافيم بالقرب من القسطل بارسال ثلاث مصفحات الى دير ياسين ويقول في شهادة لاحقة: "اضطررت اصدار الأمر الى البالماخ لمساعدتهم لانقاذهم". ويشهد زيون الداد ضابط عمليات اللواء عتسيوني في وقت لاحق "لولا المساعدة التي قدمها البالماخ لما كانت ايتسل انقذت جرحاها ولما كانت استطاعت الاستمرار في العملية". لكن تدخل البالماخ لم يكن فقط لاخلاء الجرحى كما تشهد بذلك روايتا قائد القوة - النجدة يعقوب فوغ ونائبه ذاتهما اذ يقول فوغ: "اخبروني عن دير ياسين وعن وضعهم الباعث على اليأس وانه ليس في مقدورهم اخلاء جرحاهم وطلبوا سلاحاً وتغطية وأشخاصاً" ويتابع فوغ انه أعطى موفدي زطلر قائد ليحي في القدس 3000 طلقة وتوجه عند الظهر بعد الحصول على الأمر من شلتئيل الى دير ياسين مع مصفحتين وتندر ومدفعي 52 ملم وثلاثة مدافع رشاشة ويكون عدد الاصابات بين المهاجمين قد وصل الأربعين ويصاب قائد ليحي مردخاي بن عوزيهو كما يصاب يهدوا سيغل قائد القوة الأمامية في ايتسل ويطلب سيغل من مساعد قائد ايتسل يهودا لبيدوت ان يجهز عليه ويروي لبيدوت "مددته على باب وحمله اثنان من زملائه ولكنهما أصيبا فأرسلت آخرين ليعيدوا الثلاثة". وتصل قوات البلماخ الى القرية ويجتمع فوغ بقادة ايتسل وليحي ويطلب منهم شرحاً تفصيلياً على الخارطة ويتبين له انه اضافة الى الجرحى هناك في القرية 25 مقاتلاً يهودياً عاجزين عن الحركة بسبب القناصين ويخصون بالذكر منزلاً معيناً في غربي القرية يطلق القناصون النيران منه 131 - 144 "فاطلقت ثلاث قذائف على الجناح الشمالي للمنزل وتوقفت الطلقات منه". ويخبرنا مساعد فوغ، موشيه عيران ان المهاجمين والعرب في القرية كانوا متداخلين مع بعضهم بعضاً وكان يتعذر استخدام مدافع الهاون من دون تعريض رجال ايتسل وليحي للخطر انتهى كلام عيران. وهكذا دخلت جماعتان من البالماخ بقيادة فوغ وعيران لتصفية مصادر النيران"، ويروي كلمان روزنبلات احد أفراد قوة البالماخ "انتقلت مع ستة أشخاص من منزل الى آخر، القينا قنابل يدوية الى داخل المنازل قبل ان ندخلها وقابلنا رجال ايتسل وليحي في وسط القرية وانضم بعضهم الينا وقال الآخرون "حتى الآن قاتلنا نحن والآن قاتلوا انتم". ويضيف عيران "كانت النيران داخل القرية حامية وكان الجرحى من ايتسل وليحي قريبين من النيران وحاولنا الاقتراب منهم وعندئذ جاء نداء من طرف القائد شلتئيل وأمرنا بمغادرة القرية فوراً، أخذنا معنا عدداً من الجرحى وعدنا الى غيفعات شاؤول ولم نصل الى منزل المختار!!". ويروي ملشتاين ان جمهوراً يهودياً في حال انفعال تجمع في مستعمرة غيفعات شاؤول وكان هناك مصور من UP وأخذت النساء تملئ مخازن البنادق والمدافع الرشاشة لارسالها الى المهاجمين اليهود في دير ياسين ويروي شمعون مونيتا من مهاجمي ليحي "أزعجنا قناص كان يسيطر على المنطقة كلها من منزل المختار 131 و144 وكانت كل طلقة منه من مسافة 500 متر صائبة ودخلنا الى المنازل للاحتماء من القناصين". ويروي رؤوفين غرينبرغ من مهاجمي ليحي أيضاً "قاتل العرب كالأسود وتميزوا بقنص محكم وخرجت النساء من بيوتهن تحت النيران وجمعن الأسلحة التي سقطت من ايدي المقاتلين العرب الجرحى ونقلنها الى المواقع الداخلية".