يعتقد خبراء اعلاميون ان انتشار القنوات الفضائية لا يهدد التليفزيونات الوطنية بالافلاس. وأكد رئيس "قناة الافق" Canal Horizon الفرنسية سرج عدة ان سبرا للآراء اجرته القناة في الجزائر اخيراً بالتعاون مع المعهد الفرنسي الشهير "سوفريس" اظهر ان نسبة 53 في لمئة من الاسر تملك هوائيات دش جماعية او فردية. إلا ان الاستطلاع اثبت ان المشاهدين الجزائريين يركزون على خمس قنوات من بين القنوات ال 300 التي يستطيعون التقاط برامجها. وأتت القناة الوطنية الجزائرية في الطليعة ثم القناتان الفرنسيتان تي اف 1 TF1 واف ار 3 FR3 فقناة اي ار تي ثم MBC. وكان عَدَّة - وهو تونسي الجنسية - يتحدث في ندوة "حقوق الانسان بين العولمة والخصوصية" التي اقامها المعهد العربي لحقوق الانسان وأنهت اعمالها حديثاً في تونس. وهو شدد على ان الميل الجارف الى مشاهدة برامج القنوات الفضائية لا يعني ان القنوات الوطنية ستموت على رغم كونها "مرتبطة بقطاع عام خانق وبيروقراطي". وتوقع خبراء تحدثوا في الندوة ان تحفز المنافسة المتزايدة القنوات العمومية على تحسين برامجها وتنويع الانتاج المقدم الى المشاهدين. إلا ان استاذ الاعلام في المعهد العالي للصحافة في تونس عبدالكريم الحيزاوي حذّر من أن الامكانات الهائلة للقنوات الفضائية تتيح لها استقطاب المشاهدين وإغراءهم بالمنوعات والافلام والمسلسلات والبرامج الرياضية ما يؤدي الى نوع من الديكتاتورية. وحض على التفكير في استخدام آليات من الواقع لتربية الذوق العام على حرية الاختيار وتدريب المشاهدين على نوعيات اخرى من البرامج. وفي هذا السياق طُرحت افكار في الندوة في شأن استثمار المدرسة والنوادي والجمعيات نوافذ على ثقافات اخرى غير الثقافة الغربية الطاغية على القنوات الفضائية ما يساعد على تنشئة اجيال مهيأة لتقبل خطاب اعلامي مغاير. لكن الانتشار السريع للقنوات المرقمة بات يتيح للمشاهد فسحة اكبر من الحرية ويزعزع ديكتاتورية القنوات الفضائية التي تكرس نمطاً محدداً من الثقافة. وأظهر خبراء تحدثوا في الندوة مخاوف من ان القنوات الاكثر قدرة على الدفع للمنتجين والمخرجين هي التي تشتري المسلسلات والمنوعات الباهظة وتستأثر تالياً بالمشاهدين، ما يهدد القنوات "الفقيرة" بالموت ومعها الثقافات الوطنية والمحلية. الا ان فريقاً آخر من الخبراء اعترض على هذا الرأي مشيراً الى ان القنوات الوطنية تحصد ايرادات عالية من دافعي الضرائب ان بطرق مباشرة او غير مباشرة. وكشف سبر للآراء أجراه الفرع العربي لمؤسسة "سوفريس" الفرنسية اخيراً ان الجزائريين يفضلون القناة الاذاعية الاولى الجزائرية على الاذاعات الاجنبية لأنهم يبحثون عن أخبار بلدهم في ظل تصاعد المواجهات بين القوات النظامية والجماعات المسلحة وانتشار المذابح على نطاق واسع في الفترة الاخيرة. وأتت اذاعة البحر الابيض المتوسط MEDI1 المغربية - الفرنسية مقرها في طنجة شمال المغرب في الرتبة الثانية اذ يسمعها اكثر من 88 في المئة من الجزائريين مرة على الاقل في الشهر. ومعلوم ان الجماعات المسلحة اعلنت غير مرة مسؤوليتها عن عمليات تفجير او اغتيال في بيانات ارسلت الى اذاعة البحر المتوسط. ورأى خبير اليونيسكو وممثلها في الندوة مارسيلينو فارغا ان عنوان المرحلة الراهنة في البلدان النامية هو الوصول الى شبكة انترنت والتقاط اكثر ما يمكن من القنوات التلفزيونية. واعتبر هذا الاستحقاق شكلاً من اشكال تكريس الديموقراطية كونه يتيح لكل فرد الوصول الى مصادر المعرفة بحظوظ متساوية مع الآخرين. الا انه شدد على ان هذه الرؤية ما زالت احتمالاً نظرياً لأن اوضاع التربية والتعليم في بلدان العالم الثالث وحتى في البلدان الصناعية تكرس تفاوتاً بين الفئات الاجتماعية في القدرة على الوصول الى التعليم الذي هو ضروري للدخول الى عالم انترنت والاستفادة منه. قصارى القول ان انتشار القنوات الفضائية اضر بهيئات التلفزيون العمومية في العالم العربي والبلدان النامية عموماً كونه استحوذ على قطاعات واسعة من مشاهديها. الا انه حفزها في الوقت نفسه على تطوير برامجها لمجابهة استحقاقات المنافسة الخارجية المتزايدة ما جعلها امام احد خيارين لا ثالث لهما: تغيير تعاطيها مع المشاهد او الموت البطيء.