تُذكر العلاقة بين المفكر شكيب أرسلان والسياسي مصالي الحاج، لكون العلاقات القائمة الآن بين المثقفين والسياسيين في عالمنا العربي لا تقوم على أساس تصحيح الرؤى أو مد الجسور من أجل تغيير الواقع السياسي والثقافي، أو إعادة النظر في المواقف السياسية، وإنما هدفها التبعية والولاء، إذ كل ما يقوله السياسي في عالمنا العربي - واقصد هنا الذي يمتلك القدرة على إصدار القرار - على المثقف أن يأخذ به ويقوم بدور الشارح، مبتعداً عن مجرد التشكيك في صدقية الطرح أو الفكرة. وإذا سلمنا بهذا الواقع، فإن ما عاشته الامة العربية في الثلاثينات والأربعينات من هذا القرن يعد إنجازا مبكراً لمرحلة يصعب تكرارها طبقاً لمقولة إقليدس: "إنك لا تدخل النهر مرتين". ففي الاربعينات بدأت العلاقة بين المناضل الجزائري مصالي الحاج وبين هوشى منه من جهة، وبين مصالي الحاج وشكيب ارسلان من جهة أخرى، ويمكن القول إن الفكر النضالي الجزائري بدأ متأثراً بتيارين: اليسار من جهة، والفكر القومي الإسلامي من جهة ثانية. فالأول يعود لكون الإنطلاقة الأولى لمصالي الحاج كانت في اوساط القاعدة العمالية الجزائرية ثم المغاربية بعد ذلك في فرنسا. أما الثاني فيرجع لكون تلك القاعدة العمالية نفسها تنتمي في الأصل الى بيئة اسلامية، ونجح مصالي الحاج في إقامة نوع من التكامل بين الفكر الاشتراكي والدين الاسلامي، وإن كانت الغلبة في مواثيق "حزب الشعب" بعد ذلك لمصلحة الاسلام. ويرجع بعض الباحثين ذلك الى انفتاح مصالي الحاج على الفكرة العربية خصوصاً بعد اشتراكه في المؤتمر الاسلامي - الاوروبي الذي عقد في جنيف في ايلول سبتبمر 1935، وذلك بمبادرة من "أمير البيان" شكيب ارسلان. ويلاحظ أن البعد الاسلامي بالنسبة الى حزب الشعب بقيادة مصالي الحاج يبين التأثير المباشر للمشرق العربي على المغرب العربي، ذلك أن مصالي الحاج الذي ولد في تلمسان في أيار مايو 1898، درس في بداية حياته في زاوية دينية الدرقاوة لكنه اثناء حياته النضالية بدا أكثر تأثراً بالفكر الاشتراكي اليساري على وجه الخصوص، غير أنه لم يكن ذلك السياسي المغلق، لأنه أبدى استعداده من الناحية الفعلية للافكار الجديدة التي طرحها شكيب ارسلان. ويمكن القول إن هذا الاخير أعاد مصالي الحاج إلى دائرة الاسلام، وتحويل العمل النضالي الى عمل تغييري خارج أطر الفكر اليساري، لكنه استفاد في الوقت نفسه من اساليبه ومنهاجه في العمل النضالي، وهي حالة من التطوير للإسلام السياسي جذَّرت الصراع بعد ذلك مع فرنسا على أسس دينية بحتة. لقد تجلى العمل النضالي الوطني الجزائري من خلال الاسلام، ليس على مستوى مواثيق حزب الشعب فقط، ولكن على مستوى الممارسة والتنظير، لذلك جاء العلم الجزائري الذي صمَّمه مصالي الحاج مكوناً من النجمة والهلال، لابراز الدور الاساسي للاسلام واهميته في الكفاح الوطني. بل إن شكيب ارسلان أحس بأن أفكاره التي طالما آمن بها وطرحها لم تذهب سدى، لهذا نجده يقول عن مصالي الحاج: "لو كانت الشبيبة الاسلامية كلها على نمط مصالي الحاج لتحرر الاسلام من زمن طويل". كان من المتوقع أن يجد مشروع حزب الشعب الجزائري من يسانده، من التكتلات الاسلامية داخل الجزائر والتي من أهمها "جمعية العلماء المسلمين"، لكنها على العكس من ذلك وقفت ضده وضد الحركة الوطنية عموماً مؤيدة مجموعة فرحات عباس، التي كانت تطالب بالاندماج مع فرنسا، وهو موقف يحسب عليها. ومع ذلك فإننا لن نقف امامه كثيراً، لان المسألة هنا تتعلق اساساً بالبحث عن ضالته في كل أعماله، وكانت العلاقة بين مصالي الحاج وشكيب ارسلان نوعا من البحث عن الضالة المتمثلة في الحقيقة النضالية من جهة، والفكرية من جهة ثانية. ونتج عن ذلك تزاوج أعطانا فكراً نضالياً عملياً، أدى بعد عقود الى تجذير الاسلام، ورفعه من المستوى التنظيري والايمان الشعبي الى مستوى المطالبة بتحقيقه في كل مجالات الحياة. كل ذلك نتج عن تلك العلاقة التي قامت بين السياسي والمفكر، وبدأت مع نضالات الحركة الوطنية، لتتجسد في كل مواثيق الثورة الجزائرية، ولذلك لا غرو حين نجد كثيراً من ابناء جيل الاستقلال في الغرب الجزائري خصوصاً يحملون إسم شكيب تبركاً باسم المفكر الكبير شكيب أرسلان، وتعبيرآً أيضاً عن التأثير الفعلي للمفكر حين تكون العلاقة بينه وبين السياسي ذات أهداف تنويرية لتغيير أمة من خلال رجالها وهو ما يتعذر علينا أن نصادفه الآن، أو حتى نحلم بتكراره ثانية.