لا أرى - بوصفي ممثلاً - أفقاً للتطور والتنوع في ظل سياسة السوق التلفزيونية العربية. صحيح انها دفعت بجسم الدراما السورية الى الامام، لكنها كبلت بالتالي روحها الحرة، وصار انتظار الممثل لدور متميز اشبه بانتظار العانس لعريس متميز، وأخطر ما في الامر الاعتقاد بأن الدراما السورية رائعة ورائجة ومستقبلية، لا لأن هذا بريق مرحلة وظرف فني هبط عند الآخرين فقط، بل لأن صناعها قوم بائسون. فمنتج هذه الدراما يحمل في تلافيف مخه فكر بائع متجول، يبكي قروشه وبضاعته الخاسرة دائما ! وعلى الرغم من هذا يأبى ان يتحول عن هذه التجارة... ولا ننسى بعض الكتبة وهم يغوصون بجهالة وفخر في قصص مفبركة يزيد من حماقتها حبهم لخيال أبله اسموه فن تيزيا، وتراهم يلعبون تلك اللعبة المملة، بايحائهم ان أبطال اعمالهم الشرفاء يشبهون بسلوكهم بعض الزعماء العرب... وإذا ما تململوا من فنهم هذا، ومسّهم حب التغيير، فلن ننال منهم سوى اعمال، تبقى مثلجة حتى بعد طهوها؟! اما نحن الممثلين، فهناك اصرار على جعلنا ببغاوات لكل ما سبق، لنحمل وهماً ان ادوارنا هذه ستجعلنا من ألمع نجوم عصرنا، وأن الفن سيسمو بفضلنا....!! وآخر الامر تطل علينا رقبة الرقابة بعينيها البوميتين ليس لترى ما سبق، فهو لا يعنيها، بل لتحدق في الاعمال التي تدعي الجدية - والتي تتراوح قيمتها الفنية بين المتوسط او الجيد ان توافر - لا لتصرخ بمشتغلي الدراما البائسين ولتحدّ من نشاطهم المتلكئ اصلاً... بل لتحمي المتفرج المسكين من رؤية ما يعيشه ويتنفسه ويمارسه خوفاً عليه اما من انحدار اخلاقه، او من البكاء على ما هو عليه. ننظر الى السينما علها تنشلنا، فنرى مؤسستها العجوز وقد زادت خرفاً... اما المسرح وهو الحمام الروحي للممثل من أدران ما سبق، فتراه وقد انبثق في عروقه دم جديد لكنه فاتر لأنك لست حاراً ولست بارداً تقيأتك نفسي. وإذا كان الأمل في تلفزيون القطاع العام فسرعان ما سيخيب حين نعرف انه يبحث عن موقع قدم في سوق العرض التجاري. في هكذا احوال، ينكمش الحلم ليصير امنية والمشروع فكرة. لم يبق لنا الا ان نتمنى على شرطة الفن - التي نعلم اننا لا نستطيع مطالبتها! - ان تفهمنا، لعلها تخفف يدها عن أرواح وعقول المؤلفين والمخرجين والممثلين وبالتالي المتفرجين، لئلا يقال ان المشتغلين في الدراما مستمتعون بكونهم ببغاوات لفكر متحجر... يا الله... كم احب ان تنعتق روحي من جسدي وأبقى حياً.