تسارع حفنة من الباحثين الاميركيين، المتوزعين على انحاء بلادهم كافة، الى تطوير برنامج كومبيوتري لعقد مؤتمرات بواسطة الفيديو يكون بالغ التطور والرقي ويتيح لكبار المسؤولين في الشركات أو الهيئات العامة، المتوزعين على أربعة مراكز أو مكاتب، ان "يجلسوا" حول طاولة واحدة يتحادثون ويتباحثون فيما "يتبادلون" الوثائق اللازمة لمحادثاتهم ومناقشاتهم. لعل هذا اللقاء شبه الحقيقي هو اكثر البرامج العديدة التي يتم تصميمها حالياً طموحاً، والتي ستوضع في خدمة الجيل المقبل من انترنت، وهي البرامج التي أولاها الرئيس الاميركي بيل كلينتون كامل دعمه وتأييده في الخطاب الذي ألقاه اخيرا ً عن اوضاع بلاده. ويترأس هذه الجهود كلها باحثون ينشطون في اكثر من مئة جامعة اميركية بدعم من بضع شركات. ومن هؤلاء الباحثين دوغلاس فان هولينغ الذي كان من الذين انشأوا انترنت الحالية وهو الآن كبير المسؤولين التنفيذيين في جماعة "الهيئة الجامعية لأبحاث انترنت المتقدمة المتطورة" ورئيسها. ويذكر ان هذه الجماعة لا تسعى الى الربح وتحاول التنسيق بين الجهود التي تبذلها الجامعات والحكومة والشركات الاميركية في سبيل انشاء "انترنت 2"، كما يدعى المشروع، وفي سبيل تطوير البرامج اللازمة لتشغيل "انترنت 2" هذه. وتتناول خطة هولينغ اضافة خطوط طرق سريعة الى الطريق السريعة الراهنة المزدحمة التي اصبحت عليها انترنت اليوم. وبعدما تقوم الجامعات بتطوير هذه الطرق السريعة الجديدة وبتطهيرها في خلال العامين الى الخمسة اعوام المقبلة، قد تتولى تشغيل هذه الطرق الهيئات التجارية التي ستطالب ببدلات ورسوم لقاء استخدام خدمات "انترنت 2" الممتازة. انترنت 2 وفي تصورات هولينغ ان "انترنت 2" ستكون واسطة سريعة ويُعوَّل عليها لنقل كمية ضخمة من المعلومات بواسطة اجهزة الهاتف والبرق والاقمار الصناعية وشبكات لم تُخترع حتى الآن. وما المؤتمرات شبه الحقيقية التواصل والتفاعل بواسطة الفيديو الا تقدم واحد فقط سيكون متقدماً جداً جداً بالنسبة الى التكنولوجيات التي هي قيد الاستخدام حالياً. ويقول هولينغ، الذي ينشط من جامعة ميتشيغن في مدينة آن آربور في الولاية التي سُميت الجامعة باسمها: "تشبه انترنت الحالية طريقاً واسعة بدرب واحد فقط وتتفرع منها طرق لا تحصى ولا تعد وغير محدودة ولا يوجد فيها ما يضبط حركة السير وينظمها، ولن يوجد على هذه الطريق اشارة ضوئية حمراء تحول دون استخدام أي شخص لها، ولهذا عندما تزدحم حركة السير على هذه الطريق تبطيء الحركة فيها". ويذكر ان هولينغ هو استاذ في كلية المعلومات في جامعة ميتشيغن لكنه في اجازة مطولة حالياً. وستتضمن "انترنت 2" دروباً اضافية يدفع مستخدم أياً منها رسماً لقاء الاستخدام بغية تسريع حركة السير ويقول هولينغ: "ان ما نحاول فعله هو تمديد طريق واسعة سريعة فيها عدد من الدروب" وقد يُخصص درب من هذه الدروب لتحريك جبل من المعلومات بين الباحثين أو بين الشركات، وقد يُخصص درب آخر لعقد المؤتمرات شبه الحقيقية التي يتواصل فيها المشاركون ويتفاعلون بواسطة الفيديو، فيما يُخصص درب ثالث لنقل أو بث البرامج التلفزيونية. ويضيف هولينغ، مشيراً الى انترنت الراهنة: "بوسعنا تنظيم حركة السير وتحديد حجمها في كل درب خاص من هذه الدروب ضماناً للاداء الجيد. ومع ذلك ستبقى ثمة دروب بوسع أي شخص ان يستخدمها أو يستخدم احدها". نادي الباحثين يذكر ان الحكومة الاميركية الفيديرالية انشأت انترنت في الستينات والسبعينات على ان تكون في المقام الأول وكلياً تقريباً نادياً للباحثين والاكاديميين. ولا حاجة بنا الى القول ان انترنت تشعبت وكبرت منذ ذلك الزمن وصارت نوعاً من الحديقة العامة الالكترونية أو السوق العامة الالكترونية التي يستخدمها من يتقن استخدام الكومبيوتر في العالم كله وعدد كبير من الشركات التي تسعى الى التفاعل التجاري مع هؤلاء المستخدمين. لكن ميزة انترنت، وهي التي تنحصر في كونها متاحة للجميع و"مفتوحة" لهم، باتت من نقاط ضعفها بالنسبة الى الذين يحتاجون الى نقل كمية ضخمة من المعلومات بسرعة ولا يستطيع هؤلاء الآن أبداً ان يفعلوا ما يحتاجون اليه ويشاؤون اذ ان انترنت صارت بالفعل في خدمة الذين يرسلون بريداً الكترونياً في المقام الأول. وخبرة هولينغ الطويلة بانترنت تؤهله لأن يكون على رأس المرحلة التالية من انترنت، على حد ما يقول الذين عملوا وتعاونوا معه. ويقول ألن ويز، كبير المسؤولين التنفيذيين في هيئة "أدفانسد نتورك اند سرفيسز" التي تنشط من "أرمونك" في ولاية نيويورك ولا تسعى الى جني الارباح: "بالنظر الى ان هولينغ شارك على نحو كبير ووثيق في تطوير الجيل الأول من انترنت، بات يعرف الكثير من المطبات والسلبيات التي قد تحصل". ويذكر ان هذه الهيئة تنفذ برنامجاً مدته ثلاث سنوات ويكلف عشرة ملايين دولار ويتناول تطوير الطاقة على عقد مؤتمرات شبه حقيقية بواسطة الفيديو. ويقول ويز انه يأمل في ان تكون التكنولوجيا الجديدة قيد الاستخدام بحلول العام 2000، وان تكون قيد الاستخدام التجاري العام بحلول عام 2003. ومن المحتمل جداً ان تحتاج الشركات، التي ترغب في تعميم الخدمة تجارياً، الى الحصول على رخصة تخولها استخدام حقوق الملكية الفكرية من مختلف الجامعات التي تعكف حالياً على تطوير "انترنت 2". والمعروف ان "الهيئة الجامعية لابحاث انترنت المتطورة" التي ينتمي اليها فان هولينغ تضم 117 جامعة اميركية تساهم كل جامعة منها بمبلغ يراوح بين نصف مليون دولار وبين اكثر من مليون دولار سنوياً لتجديد اجهزة الكومبيوتر التي تستخدمها وجعلها تتماشى مع التطورات التكنولوجية وللمساهمة في تطوير البرامج الخاصة ب "انترنت 2". ووعد كلٌ من نحو 25 شركة دفع عشرة آلاف دولار رسماً سنوياً، وبتوفير خدمات. ومن هذه الشركات "سيسكوسستمز" و"ثري كوم" اللتان ستشاركان في تصميم مفاتيح وأجهزة توجيه متقدمة متطورة راقية للنظام الجديد، وشركة "آي. بي. ام" التي تنوي منح المشروع 5.3 مليون دولار، وشركة "ام سي آي" وشركة "ايه تي اند تي" وشركة "سبرينت"، وهي شركات عملاقة ناشطة في مجال الاتصالات كافة، وشركة "ستاربيرست" المستقلة التي تبيع برامج الكومبيوتر. وربما شاركت في عضوية "يونيفرسيتي كورب" الهيئة الجامعية التي تجري محادثات مع شركة مايكروسوفت حول احتمال المشاركة في العضوية، مراكز ابحاث خاصة وعامة مثل "المؤسسات الوطنية للصحة العامة" ومختبر "واتسون" التابع لشركة "آي. بي. ام". اما المشاركة الحكومية الرئيسية في تطوير "انترنت 2" فتأخذ شكل شبكة "الخدمة الفقرية الشبكية ذات الاداء الممتاز" التي تربط ما بين الكومبيوترات الضخمة والمصارف الكومبيوترية الاخرى المتوزعة على طول الولاياتالمتحدة وعرضها، والتي تديرها "ام سي آي" وتمولها "مؤسسة العلوم الوطنية". ويقول فينتون سيرف، أحد كبار نواب رئيس قسم هندسة انترنت في شركة "ام سي آي"، ان هذه المشاركة مثال جيد عن المشاركة بين القطاع الصناعي والجامعات والحكومة الاميركية". والفكرة الكامنة وراء التعاون الوثيق في سبيل تطوير التكنولوجيا الجديدة، هي انه بوسع الشركات المساهمة في ضمان وجود تطبيقات تجارية لهذه التكنولوجيا. وهذا يختلف عن تطوير انترنت الاولى التي تطورت ببطء من كونها كانت مكرسة في الاصل للاغراض العسكرية والبحثية. ويقول فان هولينغ: "ننطلق هذه المرة من تصميم اكيد على العمل مع الشركات الرئيسية الناشطة في قطاع الكومبيوتر. والتطبيقات تشكل الاساس في ما نفعل فنحن لا نرغب في انشاء طريق واسعة سريعة لسيارات لن تصل أبداً الى مقاصدها". ويعترف سيرف بانه لا يعرف كم من مشاريع جماعة هولينغ سيوضع في الخدمة التجارية الفعلية لكنه يعرب عن التفاؤل حيال هذا الامر، ويقول: "كلما ازداد عدد المهتمين فعلياً بالتكنولوجيا الجديدة ازدادت سرعة اكتشافنا لحسناتها ومنافعها". وبات المعنيون يتوقعون ان تتمكن "انترنت 2" من جمع المعلومات الموجودة في عدد من قواعدها الموزعة على طول الولاياتالمتحدة وعرضها بغية تحليل هذه المعلومات واكتشاف الانماط المتكررة فيها، ما قد يسهل مهمات شركات التأمين والشركات المنتجة أدوية، ما قد يمكن من التدقيق في سجلات المراكز الطبية الرئيسية في الولاياتالمتحدة لاكتشاف انماط الامراض وكيفية انتشارها وبالتالي معالجتها. وبوسع الشركات الصناعية ان تستخدم "انترنت 2" لنقل المعلومات الفنية الخاصة بتصميم السيارات وقطع غيارها بأمان وذلك بين المكاتب وحتى بين موردي هذه القطع والسيارات. والمعلوم ان شركات السيارات بدأت تفعل هذا حالياً لكنها تضطر الى شراء برامج باهظة الثمن والى ارسال المعلومات بواسطة شبكات داخلية مركبة في بعض المواقع. لكن في المستقبل سيكون بوسع أي كومبيوتر يتصل "بانترنت 2" ان "يصل الى" او يحصل على هذه المعلومات. ولا يمكن ان تستخدم "انترنت 2" تجارياً وعلى نطاق واسع الا بعد انقضاء أربعة أعوام على الاقل، على حد ما يقول العاملون في المشروع. ولكن بعد ان توضع "انترنت 2" في الخدمة ستكون المهمة التالية "الاعداد لانترنت 3" على حد ما يقول فان هولينغ. خدمة نيويورك تايمز