لا شك في أن انترنت هي التكنولوجيا الأحدث التي أدت الى تبدلات شاملة وسريعة جداً. فقد استغرق انتشار استخدام الهاتف في نصف المنازل الأميركية 70 عاماً بعد بدء بيعه تجارياً عام 1876. واستغرق انتشار استخدام السيارة من نصف الأسر الأميركية نحو 29 عاماً بدءاً من عام 1895. لكن انتشار استخدام التلفزيون استغرق ثمانية أعوام فقط، بين 1946 و1954. وتبلورت فكرة انترنت في الولاياتالمتحدة عام 1969، وكان الهدف منها ربط المؤسسات العسكرية ثم الجامعات ببعضها بعضاً الكترونياً. ومنذ أقل من خمسة أعوام صارت في خدمة من يستطيع تحمل نفقاتها. ولا تزال الشبكة الدولية في طفولتها لكنها تستخدم اليوم مكتبة وسوقاً تجارية ومركزاً بريدياً وهاتفاً ومصدراً للترفيه والمعلومات. وازدادت نسبة الأسر المتصلة بانترنت من سبعة في المئة الى 23 في المئة من مجموع الأسر الأميركية بحسب شركة "اوديسي ال بي" الناشطة في مجال الأبحاث في سان فرنسيسكو. اضافة الى ذلك، يزداد تصفح المتصلين بانترنت لها ويتكرر اتصالهم باستمرار. وتبين من استطلاع للرأي جرى أخيراً ان 61 في المئة من مستخدمي انترنت في الولاياتالمتحدة يتصفحون الشبكة مرتين في الاسبوع على الأقل بعدما كانت هذه النسبة 53 في المئة العام الماضي. وكان انتشار استخدام الكومبيوتر الشخصي السريع، الذي يشكل ثورة تكنولوجية أخرى، خطوة أساسية في عملية انتشار استخدام انترنت. وتقول شركة "اوديسي" ان نسبة الأسر الأميركية التي تقتني أجهزة شخصية بلغت 42 في المئة بحلول كانون الثاني يناير 1998، في مقابل 31 في المئة عام 1995. وتبدّلت الى حد كبير نظرة العالم الى انترنت. فحتى عهد قريب كانت تعتبر شبكة للباحثين وغير الفالحين اجتماعياً والمنطوين على أنفسهم. لكنها أصبحت اليوم شبكة للمستهلكين، ويزداد "تدخلها" في الحياة اليومية للأميركيين. كما باتت تجتذب المزيد من المعلنين ومزيداً من الاهتمام كقوة كامنة في مجال تحريك التجارة الالكترونية. وسجلت مشتريات بطاقات السفر الجوي وحجز غرف الفنادق وخدمات السفر الأخرى، عبر انترنت أو على نحو فوري، ارتفاعاً بمقدار ثلاثة أضعاف العام الماضي. اذ بلغت قيمتها 654 مليون دولار، بحسب شركة الأبحاث "فورستر ريسيرش انك". وبحلول سنة 2001 يتوقع ان تصل قيمة مبيعات خدمات السفر الفورية الى 7.4 بليون دولار، فيما يزداد عدد المتبضعين الفوريين أربعة أضعاف ويبلغ 43 مليون نسمة استناداً الى الشركة نفسها. ويفسر ذلك كله سطوع نجومية شركات، مثل "ياهو"، في بورصة نيويورك، وكذلك إقدام رجال أعمال كبار مثل بيل غيتش على الاستثمار في الشركات الناشطة في مجال التجارة الالكترونية. لكن قدرة انترنت على التغلغل في الأماكن كافة تثير مسائل خطيرة تتناول خصوصية المعلومات وأمنها، خصوصاً المعلومات الشخصية والمالية خصوصاً مع تحول المستهلكين الى المصارف الفورية والى التعامل الفوري بالاسهم، ويكشفون أرقام بطاقاتهم الائتمانية أمام البائعين الفوريين. وسجل العالم عام 1997، وجود نحو ثلاثين مليون جهاز كومبيوتر مضيف، كان أكثر من 90 في المئة منها في الدول الصناعية. ويقدر عدد المتصلين بانترنت حالياً في العالم كله بنحو 107 ملايين نسمة يعيش أكثر من نصفهم، أي 62 مليوناً في الولاياتالمتحدة، و20 مليوناً في أوروبا وثمانية ملايين في كل من اليابان وكندا. ويلفت الباحث في مؤسسة "وورلد واتش"، بايال سامبات الى أن العالم النامي يضم 80 في المئة من سكان الأرض، لكن ثمانية في المئة منهم فقط يتصلون بانترنت ويستخدمونها. ففي افريقيا يقدر عدد الأجهزة المضيفة بأقل من اثنين لكل عشرة آلاف نسمة. اضافة الى ذلك، تهيمن اللغة الانكليزية على انترنت فيما لا يتكلمها الا أقل من 15 في المئة من سكان الأرض. لكن وضع انترنت في العالم النامي يتغير. اذ ازداد عدد المتصلين بالشبكة الدولية في روسيا والبرازيل خمسة أضعاف في العامين الماضيين. وتعتبر الصينوالهند بين أسواق انترنت التي تنمو بسرعة تفوق سرعة نموها في دول أخرى. ويتوقع ان يزداد عدد المتصلين بانترنت في الصينوالهند 15 ضعفاً. وان يبلغ أربعة ملايين و1.5 مليون نسمة على التوالي بحلول السنة 2000. كما ان انترنت تؤثر في الأوضاع العامة. ففي بنغالور في الهند يتصل المبرمجون يومياً بسيليكون فالي بواسطة انترنت. ويقدر محللو شؤون الشبكة الدولية ان هؤلاء المبرمجين سيستوردون ما قيمته أربعة بلايين دولار من البرامج بحلول السنة 2000. ويحصل الأطباء في المكسيك وبوتان واوغندا على مساعدات طبية وثقافة صحية بكلفة متدنية بواسطة انترنت، فيما يستخدم الشبكة رجال أعمال في دول نامية للاتصال بمشترين محتملين للسلع والبضائع، كالاتصالات بين التعاونية الزراعية في بيرو التي تبيع بطاطا مزروعة من دون سمادات اصطناعية مباشرة وزبائنها في نيويورك. ويتوقع متتبعو شؤون انترنت ان يولد هذا النمو الكبير أنواعاً جديدة من الطلب وتبدلاً في طريقة عمل انترنت. وعلى سبيل المثال، سيشهد المستخدمون الأميركيون نمواً كبيراً في المواقع التي لا تستخدم اللغة الانكليزية، ما شجع مطوري البرامج حتى الآن على تحسين البرامج التي يمكنها الترجمة من عدد كبير من اللغات الى الانكليزية وبالعكس. وربما اخترقت هذه التبدلات الجدار اللغوي الذي عزل الولاياتالمتحدة وسكانها حتى الآن وأوهمهم أنهم الوحيدون الذين يحتاجون الى اللغة الانكليزية. وفيما يزداد استخدام انترنت، يشهد العالم تبدلات تطرأ على العادات وطرق العيش. اذ ان عالم الاتصالات الالكترونية يحرم الناس من النوم ومن العمل وممارسة الرياضة. وبينت دراسة حديثة ان نمو التفاعل مع انترنت يتم غالباً على حساب مشاهدة التلفزيون