حذّر رئيس الجمهورية اللبنانية الياس الهراوي امس من ان عدم توقيع رئيس الحكومة رفيق الحريري مرسوم إحالة مشروع قانون الزواج المدني الاختياري على المجلس النيابي "سينعكس سلباً على الأوضاع"، في وقت أمّت دار الفتوى وفود جدّد امامها مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني رفضه المشروع، وأعلن نائب رئيس الحكومة وزير الداخلية ميشال المر "اننا لن نسمح بأن يفلت الوضع في البلد"، داعياً رجال الدين الى ان "يطوّلوا بالهم" ويساعدوا في التهدئة. فقد جدد الهراوي، كما نقل عنه وفد من رابطة خريجي كلية الاعلام في الجامعة اللبنانية، تمسكه بمشروع الزواج المدني ورفضه طرحه مجدداً على مجلس الوزراء، "لأن ذلك يشكل سابقة خطيرة". وقال ان "الحل يكون بإرساله مع الملاحظات الوزارية عليه الى المجلس النيابي، لتدرسه اللجان المختصة، فإما ان تقرّه وإما ان ترفضه، علماً ان ليس في الدستور مهلة تلزم المجلس النيابي درسه، كما يلزم رئيس الجمهورية توقيع مشروع في مهلة محددة". وعارض طرح المشروع مجدداً في مجلس الوزراء في غيابه لأنه هو صاحبه. وفي حال لم يوقّع رئىس الحكومة مرسوم احالة المشروع، قال الهراوي "انه حرّ في موقفه، إلا ان ذلك سينعكس سلباً على الوضع"، في حين أكدت مصادر رئاسة الجمهورية ان الهراوي "لا يدعو الوزراء الى عدم حضور جلسة مجلس الوزراء الخميس بل على العكس يطلب منهم الحضور والمطالبة بتوقيع المرسوم تلافياً لحصول فراغ في القرار الحكومي". كذلك نقل الوفد عن الهراوي موقفاً من التعديلات الدستورية التي يقترحها، فقال "كلما طرحت هذا الموضوع كانوا يتذرعون بأن ثمة اوضاعاً داخلية وإقليمية، وان الوقت ليس مؤاتياً لذلك". سائلاً "ألا تستطيع الدولة سوى التصدي لأمر واحد، كأننا امام جدار مقفل؟". وشدد على "ان الإمعان في التربية المذهبية يؤدي الى الانتحار الوطني". وتابع "ان البلاد تحكم بثلاثة رؤوس، وهذا وضع غير طبيعي. ومن هنا كنت ولا أزال أنادي بالعلمنة الكاملة، وبانتخاب رئيس الجمهورية من الشعب وتحديد الصلاحيات وهذا ما سأبقى اثابر عليه". وشدد رئيس الجمهورية، عصر امس، في افتتاح "متحف ومكتبة كيليكيا" للأرمن الأرثوذكس في انطلياس، على "رفض دويلات المذاهب والإرهاب والتحريض"، مؤكداً تأييده "للحرية والديموقراطية وللدولة العصرية". وأضاف "ان اضطهاد الشعوب لا يقتلع اصالتها، وبالحرية تتلاقى الاصالات". والتقى الهراوي الوزير المر الذي لاحظ ان رئيس الجمهورية "لا يصعّد بل يهدّئ"، لكنه اسف "لأن بعض رجال الدين يتصرفون بطريقة لتصعيد الموضوع الزواج المدني في الشارع وغيره، ويستعملون عبارات شتى. فالرؤساء رؤساء للبنان وللجميع، لذا ندعو رجال الدين الى ان يطوّلوا بالهم. واذا تجاهلنا هذا الكلام، لا يسعنا ان نتجاهل ما يحصل في الشارع. قيل ان اليوم امس هو النهار الاخير للتحركات، لن نسمح بأن يفلت الوضع في البلد، بالأمس كان هناك فلتان، "سنطوّل" بالنا ولكن اعتباراً من الغد اليوم غير مسموح ان يستمر هذا الامر، لان ما يحصل يدخل في اطار التظاهرات، والكلام الذي يطلق يمسّ المرجعيات السياسية الكبرى، ولا يجوز ان يستمر الأمر". ودعا الى التهدئة، مناشداً رجال الدين "الاشتراك مع السلطة السياسية في مساعيها، خصوصاً ان رئيسي الجمهورية والحكومة يساعدان في هذا الإطار، وقال لي الرئىس الحريري انه سيتحدث مع المسؤولين في دار الفتوى كي ينتهي هذا الموضوع". ومن زوار الهراوي وفد من حزب الطاشناق تحدث باسمه الوزير شاهي برصوميان فدعا الى "تطبيق اتفاق الطائف الذي نص على إلغاء الطائفية السياسية، والزواج المدني خطوة نحو ذلك، وكلنا يعلم انه يتم في الخارج ويسجّل هنا". وأعرب عن اعتقاده "ان الموضوع ليس الزواج المدني بمقدار ما هو إلغاء الطائفية الذي فتح الباب". في هذه الأثناء، أمّت دار الفتوى وفود شعبية رافضة الزواج المدني، لكنها انحصرت داخل حرم الدار لا في محيطه. ومن الوفود المؤيدة لمواقف المفتي قباني وفد نسائي من "جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية" الأحباش ألقى فيه كلمة مشدداً فيها على "دور المرأة المسلمة في الحياة والمجتمع وداخل الأسرة". وأكد "ان موضوع الزواج المدني ما كان ينبغي تكرار طرحه لأنه طرح عام 1951 وما بعده وكان يجب ان يدرك الجميع موقف اللبنانيين من هذا الموضوع، وإذا رفضه الجيل السابق فالجيل اللاحق هو اكثر رفضاً له". وتجاوز قباني الكلام على الزواج المدني الى الكلام على الظروف الاقليمية، وقال "يجب ان نحرص على وحدتنا الوطنية ووحدتنا العربية. اننا نواجه اخطاراً كثيرة وكبيرة والعدو الاسرائيلي يدق الابواب ويهدد بالحرب كل يوم ويلوّح بها ضد لبنان وسورية، وهما رمز صمود الأمة العربية ولا يمكن ان يتخلّيا عن مواجهة اسرائيل". وتحدث قباني امام وفد من علماء اقليم الخروب وهيئاتها وجمعياتها برئاسة مفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو، فكرر مواقفه من الزواج المدني والأسرة وقال "هذا موقف جميع اللبنانيين مسلمين ومسيحيين وقد عبّر جميع رؤساء الطوائف عن رفضهم له ونأمل من المسؤولين ان يعودوا الى الحق، فالرجوع عن الخطأ فضيلة وخير من التمادي في الباطل". وفي ردود الفعل، قال النائب محمد رعد حزب الله ان "المشروع لم يخرج في اللحظة المناسبة"، مؤكداً "اننا اليوم في حاجة الى طروحات تعزز مواقف اللبنانيين بدلاً من ان نطرح ما يثير الانقسامات والاختلافات في ما بينهم، اذ لا يزال العدو يضغط في اتجاه تحقيق مشروعه الانسحاب من لبنان وفق تفسيره الخاص للقرار الرقم 425، وهذا يوجب على كل القوى ان تتضافر جهودها لمواجهة هذا المشروع الذي يشكل خطراً على اللبنانيين كافة". وتحفظ عن الدخول في "السجال التفصيلي في اقتراح مشروع الزواج المدني لاننا نلمس خلافات واستحقاقات بين الرؤساء، ومعطيات لا تروق للبعض كالخلاف على الصلاحيات الدستورية فيحاول اثارة هذا الموضوع للتغطية". ورأى الاتحاد الديموقراطي المسيحي اللبناني برئاسة المحامي جورج جبر "ان سحب مشروع الزواج المدني وتأليف الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية من التداول، أمر تفرضه مصلحة لبنان العليا". ودعا رئيس حزب التضامن اميل رحمة، بعد زيارة بكركي، الى "سحب المشاريع الخلافية من التداول"، مستغرباً "كيف كان رئيس الجمهورية بالأمس رجل القرارات الجريئة والمصيرية واليوم نسمع من الاصوات نفسها انه صاحب المشاريع الخلافية". وأضاف "عندما يرضي المشروع الخلافي البعض يكون الرئىس الشخصية المميزة، وعندما لا يصيبهم بالمنفعة يصبح العكس".